قطايف عم صبحى تتحدى مهلبية يوسف بك ومنافسات بالمكسرات لجذب الجمهور للمسارح خلال شهر رمضان
يعمل نجوم الفن دائما على أن تحقق أعمالهم أكبر نجاح ممكن، وفى كل عصر يتنافس نجومه كى يحقق كل منهم نجاحا وشعبية وجماهيرية كبيرة، ولكن يلجأ كل منهم لتحقيق هذا الهدف بأساليب مختلفة.
وكان نجوم الزمن الجميل يتنافسون فيما بينهم لجذب الجمهور وتقديم أعمال تحقق نجاحا أكبر من منافسيهم، بل كانوا يتنافسون داخل العمل الواحد كى يجيد كل منهم تقديم دوره أكثر من زميله، وهى المنافسة التى تصب فى صالح العمل الفنى وتقدم فنا ممتعا للمشاهد بذل فيه النجوم أقصى ما عندهم، لذلك عاشت هذه الأعمال للأبد وبقيت عبر الأجيال والسنين.
الريحانى والكسار والمقالب الكوميدية
وفى إطار هذه المنافسة لجأ نجوم الزمن الجميل للعديد من الأساليب التى اتسم بعضها بالطرافة والبساطة وخفة الظل ولجأ بعضهم لتقديم العديد من الإغراءات للجمهور، فيما اتسم بعضها بالحدة ووصل إلى التشابك بالأيدى.
وقديما كانت الفرق المسرحية تتنافس فيما بينها لصالح المتفرج، فى وقت كانت فيه الحياة المسرحية فى مصر مزدهرة بالعديد من الفرق التى تقدم روائع المسرحيات ويعمل بها عمالقة الفن ورواده.
وكانت المنافسات تشتد بين الفرق المسرحية لجذب الجمهور، وكان أصحاب هذه الفرق وأبطالها يلجأون إلى حيل كثيرة لتمتلئ مسارحهم بالجمهور.
وكان من أكثر الفرق المسرحية المتنافسة فرقتى نجيب الريحانى وعلى الكسار، وكانت المنافسة بينهما تتسم فى كثير من الأحيان بطابع فكاهى يصل لتدبير المقالب حتى يجذب الجمهور لفرقته ويبعده عن مسرح غريمه.
وتصادف فى إحدى المرات أن كانت فرقتى الريحانى والكسار تعرضان فى محافظات الوجه البحرى فى شهر إبريل، والتقت الفرقتان فى مدينة المنصورة، وكانت فرقة على الكسار تسبقها دعاية ضخمة جعلت الجمهور يقبل على شراء تذاكرها إقبالا كبيرا.
وعندما عرف الريحانى بأن الجمهور اشترى تذاكر حفل فرقة الكسار وأصبحت جميع حفلاته كاملة العدد، كلف أحد الخطاطين بكتابة إعلان على قطعة ضخمة من القماش، وقال فيه: «الأستاذ على الكسار يروى لكم بنفسه قصة أبو زيد الهلالى على الربابة، فتعالوا استمعوا إلى الكسار صاحب الصوت الجميل وهو يغنى قصة أبو زيد».
ولم يكتف الريحانى بذلك، بل استأجر فرقة موسيقية لتطوف المنصورة وهى تحمل هذا الإعلان الضخم حتى يعلم الجمهور الذى حجز التذاكر بهذه المفاجأة.
وعندما وصل خبر هذا الإعلان لعلى الكسار أدرك أنه وقع فى أحد مقالب غريمه الريحانى، ففكر فى الخروج من هذا المأزق، وقدم مطرب الفرقة الفنان حامد مرسى ليغنى للجمهور قصة أبو زيد، ولكن جمهور المسرح ظل يصيح فى غضب مطالبا على الكسار بالغناء كما أشار الإعلان.
وخرج الكسار للجمهور كى يتدارك الموقف واعتذر لهم عن عدم الغناء، ولكن الجمهور أخذه الحماس والغضب وحطم المسرح وحاول الهجوم على الفرقة.
وذهب على الكسار ليتشاجر مع الريحانى بعد أن فطن إلى أنه صاحب المقلب الذى كاد يودى بحياة أفراد الفرقة ويعرضهم للضرب ، فضحك الريحانى، قائلا: كل سنة وانت طيب ياسى على اعتبرها كدبة إبريل.
وفى حوار للكاتب الكبير بديع خيرى الذى كان شريكا للريحانى تحدث عن المنافسة بين فرقة الريحانى وفرقة على الكسار، قائلا: «كان هناك 8 مسارح قوية تتنافس فيما بينها، وكان هناك نهضة ومنافسة كبيرة بين الريحانى والكسار، وكانت المبارزة حتى فى أسماء المسرحيات التى يرد بها كل منهما على الآخر، فمثلا يقدم الكسار رواية «راحت عليك» فيرد الريحانى برواية «ولو».
الكسار يتحدى فاطمة ويوسف بك
ولم يقتصر الصراع والمنافسة على فرقتى الريحانى والكسار ولكن كان كل منهما يحاول جذب جمهور الفرق الأخرى، فكثيرا ما حاول على الكسار جذب جمهور فرقتى فاطمة رشدى ويوسف وهبى، وكان ذلك يتم بتدبير بعض الحيل والمقالب ومنها عندما وزع إعلانات باليد فى الشوارع نصفها يشير إلى أن فرقة فاطمة رشدى لن تعمل فى المساء بالقاهرة نظرا لسفر الفرقة إلى الوجه البحرى، ونصفها الآخر يشير إلى أن فرقة رمسيس ستؤجل عروضها بسبب مرض رئيس الفرقة.
ونجحت هذه الحيلة فى عزوف الجمهور عن مسرح فرقتى فاطمة رشدى ويوسف وهبى، ونشبت معركة بين الاثنين حيث اتهم كل منهما الأخر بتدبير المقلب.
ولكن تبين فيما بعد أن هذه الحيلة دبرها المدير المالى لفرقة على الكسار وهو الذى فكر ونفذ فكرة توزيع هذه الإعلانات لجذب جمهور الفرقتين المنافستين حيث شهد مسرح على الكسار وقتها إقبالا منقطع النظير.
منافسة بالمكسرات
خلال شهر رمضان الذى كان قديما وقبل ظهور التليفزيون موسما مسرحيا ضخما تتنافس فيه الفرق ويعج فيه شارع عماد بالفنون فكانت بوفيهات المسارح فيه تتنافس بتقديم ألوان مختلفة من الحلويات التى يشتهر بها الشهر الكريم، واشتهر كل مسرح وفرقة مسرحية بتقديم نوع معين من الحلوى تميز به خلال هذا الشهر.
فمثلا كان بوفيه مسرح رمسيس يقدم نوعا من المهلبية المطهية بالمكسرات، وحاولت باقى الفرق أن تقلد هذا النوع من المهلبية ولكنها لم تستطع، فى حين كان مسرح برينتانيا الذى كانت تعرض فيه فرقة الريحانى مسرحياتها مشهورا بعمل نوع من القطايف الفاخرة التى كان يتولى صناعتها أحد الطهاة السوريين المهرة واسمه عم صبحى، وبلغ من مهارته وبراعته وتميزه فى صنع القطايف أن كان نجيب الريحانى يشير فى إعلانات الفرقة التى ينشرها فى الصحف إلى أن مسرحه يقدم قطايف الحاج صبحى طوال شهر رمضان.
أما على الكسار فأراد أن يفوز فى هذا التنافس المحتدم وأن يهزم بوفيه فرقة غريمه الريحانى فأعلن أنه سيقدم وجبة سحور لجمهور مسرحه بعد انتهاء العرض اليومى لفرقته، وبالفعل لاقى مسرحه إقبالاً كبيراً، لكن اكتشف الكسار وهو يحصى الأرباح والخسائر أنه خسر مبلغا كبيرا زاد على الألف جنيه وهو مبلغ هائل وقتها فتوقف عن تقديم السحور لجمهور مسرحه.
النجوم وسرقة الكاميرا
أما فى مجال السينما فكان العديد من النجوم يتنافسون فى الأعمال المختلفة، بل وفى العامل الواحد فيحاول كل منهم أن يسرق الكاميرا من زميله حين يجمعهما مشهد واحد، ورويت العديد من الحكايات فى الحوارات المختلفة حول الطرائف التى حدثت بين نجوم الزمن الجميل حين يتعمد أى منهم سرقة الكاميرا من زميله.
وكان من أشهر الفنانين الذين عرفوا بقدراتهم على سرقة الكاميرا محسن سرحان وكمال الشناوى وحسين رياض ويحيى شاهين وفاتن حمامة وشادية وهدى سلطان، التى تعلمت فنون سرقة الكاميرا من زوجها وحش الشاشة فريد شوقى الذى برع فى هذا الفن.
وكان الفنان الكبير يوسف وهبى معروفا أستاذا فى سرقة الكاميرا من زملائه، وحدث موقف طريق بينه وبين الفنانة فاطمة رشدى أثناء تصوير فيلم « بنات الريف»، حيث كان أحد المشاهد يتطلب أن تضربه فاطمة رشدى، وخلال البروفات لاحظت فاطمة أنه يحاول سرقة الكاميرا منها فشعرت بالغيظ، ولكنها كتمت غيظها حتى حان وقت تصوير مشهد الضرب، فاندمجت فاطمة رشدى وهجمت على يوسف وهبى وأشبعته ضربا ولكما، ولم يستطع يوسف وهبى أن يتكلم أو يعترض أو يدافع عن نفسه خلال التصوير.
وبعدما توقف التصوير قال يوسف وهبى لفاطمة رشدى: «إيه ده، انتى كنتى بتضربى بجد»، واعتذرت فاطمة رشدى بأنها اندمجت فى التمثيل، ولكن يوسف وهبى لم يصدق هذا الادعاء، وقال لها: «مش معقول»، وهنا صاحت فاطمة رشدى: «أيوة مش معقول أسيبك تسرق الكاميرا»، وضحك كل فريق العمل وهم يرون يوسف وهبى يتألم من شدة الضرب.
فيما وصلت المعارك بين نجوم الزمن الجميل بسبب سرقة الكاميرا إلى حد العض، وهو ما فعلته الفنان الكبيرة تحية كاريوكا بالفنان الكبير محمود المليجى الذى كان من أبرع الفنانين فى سرقة الكاميرا، وفى أحد الأفلام كانت تشاركه البطولة الفنانة كاريوكا، كان أحد لمشاهد يقتضى أن تهجم عليه وتعضه فى يده، وكانت كاريوكا أيضا بارعة فى فن سرقة الكاميرا وطوال المشاهد التى جمعتهما كانا يتسابقان أيهما أبرع فى هذه السرقة، وحين جاء موعد تصوير مشهد المعركة بين كاريوكا والمليجى، كان الغيظ تملك من الفنانة الكبيرة فانقضت على المليجى وأطبقت على يده بين أسنانها بشدة وصرخ المليجى صراخا شديدا من الألم، وبعد انتهاء المشهد ضحكت كاريوكا قائلة: «علشان تبطل تتحدانى وكل ما ايدك توجعك افتكر إنك ماتحاولش تعمل الحركات دى معايا».
فيما كان الفنان الكبير زكى رستم خبير بأساليب سرقة الكاميرا ولكنه لم يكن يلجأ لذلك إلا حين يقف أمام فنان يستخدم هذا الفن، وحدث ذات مرة أن كان يعمل فى أحد الأفلام مع الفنانة الكبيرة أمينة رزق، ولاحظ أنها حاولت أن تسرق منه الكاميرا فى بعض المشاهد، فاضطر أن يلجأ إلى طريقته فى سرقة الكاميرا، فصاحت أمينة رزق قائلة: «جرى ايه يا أستاذ انت جاى تعرج فى حارة المكسحين»، فابتسم زكى رستم وقال لها: « أعمل إيه وأنا شايفك بتبيعى المية فى حارة السقايين»، وردت الفنانة الكبيرة بقبول التحدى وقالت: «وهو كذلك»، وظل عملاقا الفن طوال المشاهد بينهما يتباريان فى القدرة على سرقة الكاميرا، وهو ما ظهر فى براعة المشاهد التى جمعتهما.
ومن النجمات اللاتى احترفن وبرعن فى فن سرقة الكاميرا الفنانة الكبيرة هند رستم، وروت ابنتها بسنت رضا فى حوار خاص لـ«اليوم السابع» العديد من المواقف التى جمعتها بعمالقة الفن واستطاعت والدتها أن تسرق منهم الكاميرا.
وقالت ابنة الفنانة هند رستم: «كانت أمى تبتكر وتستطيع أن تخطف العين من أى فنان أمامها وهو ما حدث مع الفنان الكبير محمود المليجى».
وتابعت: «فى فيلم رحمة من السما كان لأمى مشهد مع الفنان محمود المليجى فى المستشفى وكان يحدثها بأن تقنع طفلة بأنها والدتها لأن الطفلة تعانى من صدمة بعد وفاة والدتها، فوجدت والدتى بجوار السرير فازة بها ورد فأخذت منها وردة، وهو يتكلم وظلت تقطع أوراقها، ولم يكن هذا مكتوبا فى السيناريو ولكن والدتى أتقنت المشهد، فقال المخرج «استوب هايل».
وتكمل الابنة ضاحكة: «بعد المشهد جرى الفنان محمود المليجى وراءها، وهى تقول له «حرمت مش هاعمل كدة تانى»، فربت على كتفها وقال لها أنت ممثلة عظيمة لأنها استطاعت أن تسرق منه الكاميرا، وهذه شهادة كبيرة من فنان عملاق احترف سرقة الكاميرا من كل من وقف أمامه من عمالقة الفن.
كما أشارت ابنة هند رستم إلى العديد من المناوشات التى حدثت بين والدتها والفنانة فاتن حمامة أثناء تصوير فيلم لا أنام بسبب قدرة هند على سرقة الكاميرا، قائلة: «كان المشهد الشهير الذى يجمع والدتى بفاتن حمامة فى الفيلم بمثابة مبارزة فنية وهو المشهد الذى تخبر فيه الابنة زوجة أبيها أنها اكتشفت خيانتها، فتتحدث معها زوجة الأب فى تحد واستفزاز».
وأضافت: «وكان أمى تستطيع أن تبتكر وتضيف للسيناريو وأن تؤدى المشاهد بطريقة مبتكرة، فأمسكت بحذائها أثناء التحدث مع ابنة زوجها فى الفيلم، فانبهر المخرج وأعجبه المشهد وبعد انتهائه اعترضت فاتن حمامة».
تضحك الابنة وهى تتحدث عن ذكاء والدتها وقوة شخصيتها قائلة: «ماما عملت المشهد واستبدلت حركة رفع الحذاء بنفخ دخان السيجارة فى وجه ابنة الزوج وقالت للمخرج اختاروا أى المشهدين الحذاء أو السيجارة ومش هاعيد تانى، فقرر المخرج اختيار مشهد الحذاء».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة