عفاف عبد المعطى تكتب: عجائب الحكاية.. في ملحمة رأس الكلب

السبت، 23 سبتمبر 2023 05:43 م
عفاف عبد المعطى تكتب: عجائب الحكاية.. في ملحمة رأس الكلب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شاع استخدام مصطلح "عجائبي" و"فانتازي" لوصف الحكايات التي تحمل العجب والدهشة والخيال المتجاوز غير الواقعي يعتمد أدب العجائب على الخيال والتفكير غير الواقعي، ويميل إلى اختيار الأحداث والشخصيات التي تتمتع بالغرابة والتجريد بعيداً عن الواقع. يتميز هذا النوع من الأدب بالأساليب الأدبية الغريبة والتي تشمل اللغة الشعرية أو استخدام الصور البليغة والتشبيهات الفائضة والامتزاج بين الواقع والخيال فالرواية العجائبية تتناول أحداثاً غريبة ومُدهشة، وتتميز بالتجريد عن الواقعية والتركيز على الخيال من هذا ما نجده فى رواية " ملحمة رأس الكلب " للكاتب المتميز محمد أبو زيد . هي ليست أولى رواياته أو أولي نصوصه لكنها الأميز . يأخذ نص ملحمة رأس الكلب قارئه الى عالم عجائبي عجيب حيث مجموعة مؤلفة من ثلاث شخصيات كل منها يتحكم فيه ويحكمه الخيال . دو – لبنى – رأس الكلب.

بداية نجد فى المعجم الوسيط أن الملحمة هي "الْحَرْب الشَّدِيدَة فى موضعها أوَعمل قصصي لَهُ قَوَاعِد وأصول يشاد فِيهِ بِذكر الْأَبْطَال والملوك وآلهة الوثنيين وَيقوم على الخوارق والأساطير وَقد يكون شعرًا كالإلياذة عِنْد الإغريق والشاهنامة عِنْد الْفرس وَقد يكون نثرا كسيرة عنترة" ويبدو دلالة اختيار العنوان لنص " ملحمة رأس الكلب" غير عادي . فالقارىء أمام مجموعة قليلة من الشخصيات لكن صاحب الملحمة هو إنسان برأس كلب كل من يراه لا ينفر منه بقدر ما يتعجب لأمره ويثيره الفضول ؛ "كان يرتدي بنطلون جينز أزرق، وقميصاً أبيض بياقة زرقاء، وحزاماً أسود، وكان له رأس كلب: فم كلب، وأنف كلب، وعينا كلب" وفي موضع آخر على لسان رأس الكلب نفسه:"

"لا أعرف هل أنا بعقل كلب وقلب إنسان، هل أنا إنسان كامل أم كلب كامل؟ لا أعرف"

هل مثلما يحمل رأس الكلب -بصفاته المعهودة وأهمها الإخلاص والأمانة – يحمل أيضا ذيل كلب ؟ هذا هو ما تردد داخل دو ولبني الصديقتان التى تحمل كل منهما ايضاُ الحلم والخيال اللذين يتحكمان في شخصيتهما  تماما . دو ولبنى فتاتان فى عُمر العشرين.

و"دو" اسم بطلة النص وهو فى الآن نفسه أول درجات السلم الموسيقي بما يوحى بالمزيد من الرومانسية والغرابة وصديقتها " لبنى"وهما فتاتان في بدايات العشرينيات تجمعهما مشاعر الوحدة غير مؤتلفتين مع الواقع ولم تجارينه كبقعتي زيت فوق الماء تجمعهما النظرة العاطفية للحياة، "دو" تدوّن في دفتر مذكراتها الأزرق قائمة بأسماء عُشاقها الخياليين الذين مرّوا في حياتها دون أن يعرفوا ذلك ودون ان تعرف هى أو القارىء متى دخلوا حياتها ومتى خرجوا منها فهم  سائقي المركبات، وبائعي السوبر ماركت، ورُكاب حافلة عابرين، جميعهم كانت تُضيفهم في دفترها الأزرق كعشاق أحبتهم في خيالها من طرف واحد، وكانت تتشارك سر قصص حبها الخيالية مع صديقتها الوحيدة "لبنى" التي لم تفقد يوماً حلمها بأن تصير ساحرة تقليدية تطير فوق مكنسة بعدما تُتمتم بتعويذة شديدة اللهجة .

هكذا نجد البطل برأس الكاتب تلخص حياته فى الغرائبية التى يعيشها والبحث فى الأسباب الذى لم يصل بعدها الى شىء حتى تاريخ عائلته العجائبى والرحيل الفنتازى لأبيه الذى مات من الضحك عبر قراءة نكتة وحيدة طالما رددها البطل لكنه لم يضحك أبداً ولم يدر لما رحل الأب بسببها من الضحك وقد بحث عن أصوله وتاريخ عائلته وكأن داء الكلب وشكله وعوراه عندما التصق بجسم بشرى قد أصابه هو فحسب  .

المكان أيضا أحد أبطال النص فالوصف الدقيق لمنطقة وسط البلد يقدمه الكاتب محمد أبو زيد ببراعة حيث شوراع وسط المدينة العجوز الغريبة  التى لا تألو جهدا الفتاتان لنبى ودو فى السياحة فيها ، وعبر قفزة سردية منطقية لإنسانة رومانسية بطبعها هى دو تتجسد هذه القفزة فى حبها للرجل الذى يحمل رأس الكلب ومن ثم قبولها له بهذا الشكل مع الفضول فى معرفة سبب ذلك فينقلنا السرد فى الأماكن / الأبطال حيث أكثرها غرابة وغرائبية "حارة السماء" وكأن كل الموجودين فيها صاعدون فنجد دو وحبيبها رأس الكلب  

يمرّان بين أشجار الصفصاف ويصلان إلى سيدة البحر، ويمتطيان خيولاً ملونة تماماً كما في ألف ليلة وليلة والجحش الذهبي وملحمة جلجامش ، ما يجعل "دو" تشعر أنها أخيرا أصبحت الجميلة "أليس في بلاد العجائب" التى تبدل مصيرها إثر السحر و الخيال ..
وفي "حارة السماء" / المكان أحد أبطال النص تظهرالطبيعة الرومانسية لشخصية الرجل برأس الكلب، فهو يصف الأشجار بأنها " قلوب الموتى، كل ميت يتحوّل قلبه إلى بذرة، كل بذرة تصبح شجرة" .
وفي شِعاب متشابكة أخرى، يصل البطل إلى مدينة عجائبية مُخصصة للتائهين الضائعين لم نعرف من أين أتوا؟ أو الى أين هم ذاهبون؟، حيث يجد أشباهه من الكائنات، من هو برأس ذئب، وآخر ب "ذيل تمساح"، و"أحدب نوتردام" ، و"دكتور جيكل ومستر هايد"، و"زومبي"، وكثير ممن سحقتهم  الحياة بعد أن فقدوا ذواتهم وصاروا هياكل وخُشب مسنّدة ؛ هم " الرجال الذين اختفوا فجأة، والطيور التي نقصت من عشة الدجاج واتُهم فيها الثعلب زوراً، وقطع الشوكولاته الضائعة من الثلاجة، والقصائد التي مات مؤلفوها قبل أن يعرفوا البيت الأخير" في حارة السماء يتوحد صاحب رأس الكلب مع  أشباهه ومن ثم حكايات غيره التي لا تختلف كثيراً عن حكايته، وربما نحن في  نهاية العالم الذى إن لم يتوه البشر فيه فحسب بل هم المنسحقين لا محالة .

مغامرة سردية رائعة خطّها الكاتب المتميز محمد ابو زيد فى لغة شاعرية اخذها من كونه شاعراً أولا تمتاز كتاباته بالبلاغة أكثر من السرد اللُّغوي التقليدي ، فضلا عن التأثر ب غير العادي والمألوف فى الكتابه مما يستدعي السؤال ، لماذ مثل هذه النصوص؟ وكأن هذه المرحلة من حياة الواقع البشري التكنولوجى خاصة وقسوتها لابد أن يكون معها مثل هذه القراءات لنصوص تفصلنا عن الواقع المرير مثلما انفصمت ابطال النص عن واقعها .

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة