على مدى الأيام الماضية تمزقت قلوبنا ألما على ما جرى من زلزال فى المغرب الشقيق، ومن إعصار فى الشقيقة ليبيا، رحل على إثرهما عشرات الآلاف فى البلدين الشقيقين، لكنها إرادة الله التى أحيانا ما تحرك الطبيعة وتثير غضبها حتى تذكرنا أن تلك الظواهر على قسوتها ما هى إلا لمحة من يوم لا ريب فيه.
لكننا حين نتأمل الكارثتين ونرى كيفية مواجهتهما فى البلدين نرى تجسيدًا واضحا لمفهوم الدولة القوية والدولة المنهكة، ففى المغرب ومنذ اليوم الأول كان الدى الحكومة المغربية رؤية واضحة لمواجهة الأزمة، حتى أنها لم تقبل كل طلبات المساعدة التى تقدمت بها دول العالم المختلفة، وهو تقليد متعارف عليه بين الدول، حتى وإن لم يكن هناك توافق بين الدول، كما فعلت مصر حين أرسلت لتركيا مساعدات عقب زلزال فبراير ٢٠٢٢، على سبيل المثال، لكن الحكومة المغربية قبلت فقط المساعدات التى تحتاجها ورفضت ما ليست فى حاجة اليه، واصطف الشعب مع الحكومة لمواجهة الأزمة.
أما ما حدث فى ليبيا بعد الإعصار الهائل الذى تعرضت له فهو أيضا انعكاس للوضع الليبى الذى لا يسر عدو ولا حبيب ! ومن الواضح أنه ليس نتيجة للوضع السياسى المتردى والمنقسم فقط، لكنه نتيجة طبيعية لمعاناة استمرت لأكثر من نصف قرن، أى منذ أواخر ستينيات القرن الماضى، والمؤسف حقا أن دولة تملك من الثروات ما كان يجعلها لا تتأثر بمثل هذا الإعصار ولا بغيره نظرا لما تملكته من ثروات على مدى العقود الماضية كان يمكن أن يجعل منها دولة قوية حديثة قادرة على مواجهة أى أزمة، على الأقل بإمكانات أقوى مما نرى بكثير.
لكن حظ ليبيا العاثر جعلها نهبا لحكم فاسد راح يبدد ثرواتها، ويصرف أموالها فى شراء الذمم وشراء المجرمين وقتل الأبرياء وحصار المواطنين، وكان آخر ما همه هو بناء البلد وتطويرها وتحديثها، وبدلا من أن تمتلك ليبيا بنية تحتية قوية رأينا كيف أنها حتى لا تمتلك جسورا أو سدودا أو مرافق تمكنها من مواجهة أى طارئ، ولا تتناسب مع ما تملكه من ثروات، لسبب بسيط أن ثرواتها لم تكن توجه للشعب الليبى ولا لمؤسساته ولا لمرافقه المختلفة.
ثم عندما ذهب الحكم الاستبدادى كان الأمل أن يتوافق أبناء الشعب الليبى ليعوضوا سنوات الظلام التى تحملوها، وأن يتنبهوا للدسائس والمؤامرات التى تحاك حولهم للاستيلاء على ثرواتهم، وبدلا من أن يصطفوا لبناء وطنهم، انقسموا وتركوا بلدهم تنهار مع أول مواجهة مع الطبيعة !
لقد شاهدت ڤيديو لأحد المصريين فى مدينة درنة، تطوع مع فرق الإنقاذ الليبية والصليب الأحمر، وهو يروى المأساة التى شاهدها بعينيه، وحكى كيف ضاع الناس أمام ذويهم، وكيف وجدت جثث لأطفال فى أحضان أمهاتهم، وكيف طفت سيارات على سطح الماء وصلت لثلاثة أدوار، وكيف دمرت الأبنية بالكامل.
الحقيقة أن غضب الطبيعة يحدث كثيرا، بل إن هناك دولًا وشعوبا قد اعتادت عليه، ولكن المواجهة تختلف كثيرًا فى الدول القوية عن الدول الضعيفة، وليبيا كان من المفترض أن تكون دولة قوية، لولا ما وصل إليه حالها السياسى فانعكس على شعب لا حيلة له ولا أمل سوى فى رحمة الله وعنايته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة