إن العلم بالشيء، غير الوقوع فيه ومجابهته، فالقراءة تساعد الإنسان على مواجهة الحياة، ولكنها لا تغني عن التجارب، التي تترك أثراً عظيماً، في نفس الإنسان، فلا يزال الإنسان يحتاط ويحلل، ويدعي الفهم والإدراك لواقع الناس، فإذا نزل إلى حلبة الحياة، كأن لم يقرأ ولم يستوعب، واصطدم بالواقع، الذي يصفعه على وجهه، فأنت ما تزال طفل غير صغير، يلهو إذا لم تمر بتلك التجارب، التي تعلمك وتثقلك، وتغرس في نفسك ما يجب معرفته. فالواقع مرير، لا يكفي فيه قراءة كتب العالم، لتدرك ما فيها من أمور ومواقف، وتستطيع أن تحكم على الأشياء حكماً صحيحاً.
إن الحكم على الأشخاص، لا يأتي إلا إذا كان هناك معاملة، تكشف لك عن باطن ما يعتقد، ويؤمن به، فليس الكلام أو اطلاعك على فكر إنسان، دليل معرفة كاملة، قد يؤمن الإنسان بغير ما يقول، ويقول بغير ما يؤمن، هنا تكون المعاملة هي الفيصل في كشف النقاب عنها، ومعرفتها معرفة ناضجة صحيحة، لا لبس فيها، ولا جور، فالإطلاع على الأفكار والقرائح جانب يصدقه، أو يكذبه الأعمال. فالإنسان الذي يتباهى بعلمه، دون تطبيقه لا يترك أثرا في النفوس، أو قد يكون الأثر عكسي، إذ ينفر منه، ما كان معجبا بعقله وفكره، فإن من تمام الشخصية السوية، أن تعلن عن أفكارها، ثم يكون الفعل والعمل دائر في نطاقها، يدعمها ويقويها، لا أن يسير كل في اتجاه مخالف لها، فيتناقض هذا مع ذلك، فيبدو عليه بأن الشخص غير متزن في فكره وسلوكه.
فالطواهر لا تعمق في معرفة الآخرين معرفة دقيقة، وأن القراءة قد تعطيك وصفا خارجيا ظاهريا، لا يعكس شيء عما بداخل الأخرين، وقد تخدعك المظاهر وتخبرك بغير الحقيقة.
وقد عانيت في تجاربي مع الناس، وتعلمت منها، أن الناس أكثر ميلا للشر والخديعة، وأن الشيطان له الكلمة العليا عليهم، وأن طريقه يستهويهم، ويخوضون غمار الحياة تحت ظلاله، وأن أكثرهم تخدعهم نفوسهم، قبل أن يخدعهم الشيطان بغوايته، فالقراءة لها فضل كبير في أنها تهذب، وتثقل الإنسان وترتفع به عن كثير من الدنايا، التي يقترفها كثير من الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة