ـ الدكتور ناصر جبور: الزلزال رفع مستوى جبال الأطلسى 20 سنتيمرًا ..وتشكلات جديدة للتضاريس تكونت
ـ زيارة مرتقبة لوفد من مرصد حلوان.. يجمعنا تعاون منذ 30 عاما ..المرصد سارع بعرض إيفاد خبراء للمغرب فور وقوع الزلزال..ونشكر تضامن الشعب المصرى معنا
ـ الأبنية القديمة تسببت فى اختناق معظم الضحايا ما قلل فرص العثور على ناجين
ـ النشاط الزلزالى يقل تدريجيًا وسنعود إلى وضع ما قبل الزلزال خلال أسابيع قليلة
ـ من الصعب التنبؤ بالزلازل ولكنه أصبح محل دراسة بمراكز بحثية دولية
ـ يمكن التنبؤ بالأعاصير وتتبعها قبل اقترابها من اليابسة والتجمعات السكنية من خلال الأقمار الصناعية
ـ يمكن تقليل الخسائر إلى أدنى حد وهذا يتطلب مجهودات من كل الأطراف
"انتهى عمل فرق الإنقاذ، لكن جراح المغرب لم تندمل بعد، فنزيف الخسائر مستمر منذ وقوع فاجعة زلزال "الحوز" بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، مساء الجمعة الموافق 8 من سبتمبر الجارى مخلفا 2946 قتيلًا، و 5674 مصابًا".. بهذه الكلمات بدأ الدكتور ناصر جبور مدير المعهد الوطنى للجيوفيزياء والزلازل بالمغرب، حديثه لـ"اليوم السابع"، موضحا أن الزلزال غير كثيرًا من المفاهيم والدراسات السابقة بشأن منطقة البحر المتوسط، فالتغيرات المناخية عصفت بطبيعة تلك المنطقة فلم تعد المنطقة الهادئة، ورفع درجة التوقعات بشأن وقوع مزيد من الكوارث الطبيعية المشابهة خلال الفترات المقبلة.
مدير المعهد الوطنى للجيوفيزياء والزلازل فى المغرب
وأوضح أن المغرب بصدد العودة إلى وضع ما قبل الزلزال في غضون أسابيع قليلة.
وأشار جبور ـ في جانب من حديثه ـ إلى أسباب تعثر إنقاذ الضحايا، وضعف فرص العثور على ناجين مقارنةً بزلزال تركيا، وأهمها طريقة بناء المساكن بتلك المنطقة وموقعها الجغرافى أيضا، ما خلف "دمارا ركاميا" أدى لاختناق غالبية الحالات .
وأكد جبور ، أن مصر اتخذت إجراءات استباقية جيدة لحمايتها من تداعيات الزلازل حال تعرضها لأى هزات أرضية.
وثمن مدير معهد الجيوفيزياء، خلال حديثه الخاص، مبادرة مصر ، من خلال"مرصد حلوان"، بعرض تقديم الدعم التقنى للمعهد الجيوفيزيائى بالمغرب فور وقوع الكارثة، وهذا امتداد للتعاون الوطيد بين المعهد لأكثر من 30 عامًا، وهناك زيارة مرتقبة لوفد من المعهد لتبادل المعلومات وآخر المستجدات بشأن الزلازل، مشيدا بموقف الرئيس السيسى بإعلانه الحداد على أرواح الضحايا وضحايا إعصار درنة مدة ثلاثة أيام .
كما تطرق الدكتور جبور إلى التفاصيل الخاصة بالهزات الارتدادية، وكيفية الاستعداد لمواجهة مثل تلك الكوارث مستقبلًا، وعديد من التفاصيل نقرأها فى سياق هذا الحوار..
المبانى المتهدمة بالمغرب
*صف لنا النشاط الزلزالى الآن فى المغرب، والتحركات أسفل القشرة الأرضية متى تعود للوضع الطبيعى؟
لا يزال المغرب فى حالة صدمة من تلك الكارثة ولا يزال يلملم جراحه التى لم تندمل بعد، فقوة الهزات وحجم الخسائر لم يكن متوقعًا فهو الأعنف خلال قرن، أما بالنسبة للنشاط الزلزالى فهو يقل تدريجيًا، ومن المتوقع أن نعود إلى الوضع الذى كانت عليه القشرة الأرضية ما قبل الزلزال فى غضون أسابيع قليلة.
*وماذا عن الهزات الارتدادية ؟
لا يزال المعهد الوطني للجيوفيزياء يسجل عشرات الهزات، لكن الغالبية لا يشعر بها السكان، وعقب الزلزال الرئيسي كانت الهزات الارتدادية متسلسلة ومستمرة بشكل كبير، وقوتها كانت عالية ، حيث تم تسجيل هزة ارتدادية بقوة 5.9 على مقياس ريختر في إقليم الحوز، أما الآن أصبحت متباعدة في الزمن وقوتها تقل بمرور الوقت، وهناك توزيع جغرافي لهذه الهزات على شكل إكليل تحيط بالبؤرة الرئيسية للزلزال.
ومن الممكن أن تستمر لأسابيع أخرى، لكنها في انخفاض مستمر، وأكثر من 95 % لا يشعر به المواطنون.
*لماذا كان زلزال"الحوز" الأعنف خلال قرن؟
التسجيل الزلزالي في الرباط على بعد ٣٥٢ كلم من البؤرة. الهزات الارتدادية مستمرة
الزلازل هى انكسارات فى القشرة عبر الصدوع والفوالق تحدث عندما يبلغ الإجهاد التكتونى أى الضغط على الصخور داخل القشرة الأرضية ذروته أو ما يسمى علميا مستوى "عتبة الانكسار"، وبالتالى تحدث حركة على مستوى الفالق الزلزالى .
وتعد"الحوز"منطقة زلزالية متوسطة الخطورة، وفق الخرائط الرسمية، أى تقع بين مناطق الشمال المتواجدة على خط تماس الصفائح ومناطق أخرى داخلية.
وهذا الزلزال جاء نتاج دورة زلزالية امتدت لحوالى 1000سنة، بمعنى أن الصدع أو الفالق المسبب للزلزال تراكمت فيه الضغوط لمدة تفوق الألف عام، وكلما تراكمت الضغوط كلما كان الزلزال عنيفا، لذا ترك زلزال الحوز أثرا على جبال أطلس، حيث ارتفعت بمقدار 20 سنتيمترا، وفق ما رصده القمر الصناعى اليابانى "دايتشى"، وهذا سيعمل على تعويض الانخفاض الحادث بتلك الجبال مقدار 5 سنتيمترات تقريبا بسبب عوامل التعرية، و يشير أيضا إلى أن تكوين تلك السلاسل الجبلية يعود بالأساس للحركة الزلزالية.
كما نتج عن الزلزال ظهور ينابيع مياه جديدة وتشكلات جديدة للتضاريس، ومن المحتمل أن تتعرض المنحدرات لانزلاقات أرضية مستقبلا .
* ولماذا كانت الخسائر بهذه الفداحة، وفرص العثور على ناجين قليلة جدا مقارنةً بزلزال تركيا؟
خريطة توضح موقع الهزات على شكل اسراب جنوب مدينة مراكش
نظرا لأن المنازل بإقليم الحوز تقع فوق سلسلة من الجبال، كما أنها منازل قديمة، وطريقة بنائها تقليدية، فغالبيتها من الطين والخشب وبعضها من الحجارة، ومعروف عن هذا النوع من الأبنية الهشاشة الزلزالية، أى أنها لا تصمد أمام الهزات الأرضية خاصة الهزات الكبيرة، وبالتالى درجة الدمارالناتجة تختلف بين تركيا والمغرب، ووضعية الضحايا مختلفة أيضا ، فالدمار فى حالة "الحوز" ركامى فغالبية الضحايا يتوفون بفعل الاختناق، أما فى حالة الأبنية الحديثة الدمار يكون على شكل تطابق يسمح بوجود بعض المسافات والتجوفات بين طوابق الأبنية المتهدمة، ما يسمح بوجود الضحايا على قيد الحياة لبضع الوقت.
*هل كان ممكنًا تقليل حجم الخسائر الناجمة عن الزلزال؟
الدكتور ناصر جبور
بالتأكيد، يمكن تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن، وهذا يتطلب مجهودات من كل الأطراف، وذلك من خلال اختيار مواد البناء وطرق البناء والأراضى التى يتم البناء فوقها، إضافة إلى التحليل الهندسى لهياكل الأبنية الموجودة لتحديد كيفية تجاوبها مع الزلازل، وكل هذا متاح الآن ويتحتم علي الدول سلوك هذا المسار لأنه يقلل كثيرا من فداحة الخسائر الناجمة عن الزلازال، كما هو الحال فى اليابان التى تصمد فيها المبانى فىمواجهة الزلازال، أيضا هناك بعض دول البحر المتوسط تتبع أكواد البناء، وبالنسبة لمواد البناء وطرقه فهناك خيارات واسعة وآمنة أيضًا .
*كيف يمكن التعاون بين حكومات الدول ومعاهد الزلازل للحد من التداعيات، وما الدور المنوط بالحكومات؟
الدكتور ناصر جبور 2
فى حالة الزلازل الكبرى، هناك دائما تبادل معطيات بين الدول التى تتقاسم أحيانا التضاريس نفسها والإطار الجيولوجى، لذلك لابد أن يتم توزيع البيانات والمعلومات على تلك الدول، خاصة التى تكون فى المنطقة نفسها.
وعلى الحكومات رفع درجة استعدادها وتأهبها لوقوع أى من هذه المخاطر مستقبلا، والاستناد على المعطيات المتعلقة بزلزال الحوز، فى التخطيط للمدن الجديدة والمبانى التى تحت الإنشاء.
*كيف أثرت التغيرات المناخية على النشاط الزلزالى خاصة بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ؟
التغيرات المناخية أدت إلى تحولات كبيرة فى طبيعة منطقة" البحر المتوسط" وعصفت بها، فلم تعد المنطقة الهادئة كما عهدناها، بل تزداد توقعات بكوارث طبيعية أخرى مشابهة فى الفترة القادمة بتلك المنطقة .
*كيف يمكن الاستعداد لتلك الأحداث المتوقعة؟
على الدول أن تكون فى حالة استعداد استباقي لمجابهة تلك الكوارث، من حيث التخطيط العمرانى وتجهيز المنشآت، وتكثيف الدراسات المعمقة للكوارث الطبيعية، وإعطاء اهتماما أكبر لقضايا المناخ، نحتاج خطوات متسارعة لعويض تأخرنا فى هذا الصدد
*هل كانت هناك أى توقعات مُسبقة بوقوع زلزال المغرب، وبشكل عام هل يُمكن التنبؤ بحدوث الزلازل؟
إن وقوع الزلزال لم يكن مفاجئاً من حيث البؤرة، لكن قوة الزلزال كانت مفاجئة مقارنة مع زلازل تاريخية أخرى، وتلك القوة يمكن تفسيرها بأنه جاء متأخراً لسنوات بالنسبة للدورة الزلزالية القديمة.
وبشكل عام من الصعب التنبؤ بالزلازل؛ ورغم أن العديد من المراكز البحثية الدولية ومعاهد الجيوفيزياء تعمل على دراسة الأمر منذ عقود، لكن حتى الآن لم يتم التوصل لتقنية يمكن من خلالها التنبؤ بالنشاط الزلزالى، ولكن الأمر أصبح مطروحًا بقوة على المراكز الدولية الكبرى المختصة .
*وبالنسبة لإمكانية التنبؤ بوقوع الأعاصير؟
نعم، يمكن تتبعها قبل اقترابها من اليابسة والتجمعات السكنية والأقمار الصناعية تعطينا طرق للمراقبة عن قرب وعن بعد، ويجرى تطبيق ذلك حاليًا.
*ما الدور المنوط بالمعهد الوطنى للجيوفيزياء؟
آثار الدمار الذى خلفه زلزال الحوز
يقوم المعهد بالإبلاغ عن أية حركة اهتزازية يشعر بها المواطنون أو إذا تخطت قوتها 3.5 ريختر، كما يقوم بالإنذار المبكر لموجات تسونامى وتكون مصاحبة لبعض الهزات الأرضية الكبيرة.
وعقب وقوع زلزال الحوز مباشرة ، أطلقنا نشرة بها تحديد دقيق لبؤرة الزلزال وهذا ساعد السلطات والجهات المختصة على تحديد لأماكن الأكثر تضررا لتوجيه المساعدات لها.
*هل قدم المعهد روشتة تتضمن آلية يمكن تطبيقها لتفادى تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلاً؟
المعهد يساهم مع مصالح وجهات أخرى تابعة للبحث العلمى وأيضا المديريات التقنية التابعة للوزارات فى التخفبف من تداعيات ومخاطر الكوارث الطبيعية وأبرزها الزلازل والفيضانات والانزلاقات الترابية وأيضا تسومانى، هذه الأخطار الأربعة مدمجة الآن فى دراسات التعمير والإسكان فى الأقاليم المغربية التى نقوم بها لمجابهة هذه الأخطار ، والعمل فى هذا الصدد بدأناه منذ زلزال الحسيمة عام 2004 ولايزال العمل مستمرا.
..أشرت للتعاون مع جهات البحث العلمى للتقليل من مخاطر الزلازل..ماذا يمكن أن تقدموا سويا؟
نعم، هذا التعاون أصبح ضروريا لتخفيض المخاطر، فلا يمكن للمعاهد الجيولوجية بمفردها أن تقوم بمسح كامل للمخاطر بأنحاء الولة، فلابد من إدماج الكفاءات والتخصصات فى هذا الصدد، وإضافة قائمة الكوارث الطبيعية المحتلمة إلى جانب الزلازل ووضع خرائط كاملة تكون مستند لمشروعات المهمة بالدولة.
*كيف غير هذا الزلزال من خططكم المستقبلية فى المعهد؟
أصبحنا فى تحدٍ مع معطيات جديدة، وعلينا رفع مستوى كفاءة العاملين، وتطوير أدواته للتعامل مع هذه المعطيات سريعا وكيفية تبلغيها بأسرع وقت للجهات المعنية، وعلينا القيام بدراسات إضافية لبعض المناطق التى لم تحظ بدراسات كافية فى الماضى .
*زلزال الحوز أعقبه إعصار ليبيا بالتزامن مع حرائق بغابات الجزائر، ما قرأتك للمشهد المناخى الآن بحوض المتوسط، تحديدًا الجنوب منه والذى كان يوصف بـ"البحيرة الهادئة"؟
من النادر وقوع كل تلك الكوارث بشكل متلاحق فى هذا المدى الزمنى القصير، هذا خارج توقعاتنا ، فلم يعد البحر المتوسط "بحيرة هادئة"، حيث إن التغيرات المناخية عصفت بطبيعته التى عهدناها ، وهذا يعنى أننا سوف نشهد مستقبلا أحداثا مؤسفة مثل التى وقعت فى ليبيا.
لقد وصلتنا الإنذارات منذ عشرات السنوات والمنطقة الآن سوف تعرف حالات قصوى من الظواهر الطبيعية والكوارث المتكررة .
*هل هناك قائمة بالدول الأكثر عرضة لمثل تلك الكوارث؟
لا يوجد تصنيف للدول ، لكن على كل دولة القيام بالاستعدادات اللازمة لهذ الكوارث، وقد تختلف طريقة التعامل معها من دولة إلى أخرى.
*هل مصر عرضة لمثل هذا النوع من الزلازل؟
مصر شهدت زلزالا عنيفا عام 1992 وكانت الخسائر كبيرة ، وأعتقد أن مصر اتخذت احتياطها بشكل جيد،فهى تتبع أكواد للبناء مقاومة للهزات الأرضية ، وشروط صارمة بعدد طوابق الأبنية، وفرق علمية بالجامعات المصرية تمد الجهات المختصة بالمعلومات اللازمة أولًا بأول ، حتى منطقة السد العالى جنوب أسوان بها شبكة لرصد الزلازل ، لذا فجميع الأماكن فى مصر تحت المراقبة.
*حدثنا عن التعاون المتبادل بين المعهد الجيوفيزيائى والمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية بمصر ؟
لدينا تاريخ كبير من التعاون يعود لأكثر من 30 عاما ، وهناك تبادل دائم للخبرات وزيارات لمعهد حلوان، وأيضا زيارات من المعهد إلى المغرب، وكانت هناك مؤتمرات مشنركة لتبادل الأفكار والتجارب ولا يزال التعاون مستمرا.
..وهل قدم المعهد أى شكل من المساعدة لكم عقب وقوع الكارثة ؟
معهد حلوان كان من أول المؤسسات التى عرضت علينا المساعدة التقنية لمتابعة النشاط الزلزالى، كما اقترح مسئولو المعهد إيفاد فريق إلى المغرب لمساندة الفريق المغربى فى الميدان، وسوف نستقبلهم فى زيارة قريبا لإطلاعهم على المعطيات.
كما كان لموقف الرئيس السيسى أثر كبير فى نفوس المغاربة ، وهذا ليس غريبا على مصر فنحن دوما نتشارك فى السراء والضراء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة