بيشوى رمزى

مفهوم "الإصلاح" فى "الجمهورية الجديدة".. الخيار "الثالث"

الخميس، 28 سبتمبر 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من الجدل تدور حول مفهوم "الإصلاح"، ربما زادت وتيرتها فى منطقة الشرق الأوسط، منذ بداية العقد الماضي، مع اندلاع "الربيع العربي"، والذى جاء فى الأساس من أجل تحقيق هذا الهدف، فى ظل العديد من الأزمات المجتمعية والاقتصادية التى لامستها شعوب المنطقة، بينما غفلت عنها السلطات، فى ظل أرقام تبدو إيجابية، تزين خانة النمو الاقتصادي، تمثل شهادات إيجابية من قبل منظمات دولية مرموقة، إلا أن تلك الأرقام لم تتجاوز كونها "صماء" لا تعبر عن الواقع، لأنها فى جوهرها لا تعود بالنفع إلا على فئات بل وقطاعات بعينها دون غيرها.
 
معضلة الأرقام، تجسدت فى إيجابيتها، فكانت سلاحا ذا حدين، إما عبر الاستفادة منها والبناء عليها فى إطار عملية إصلاحية أوسع، أو الاستناد عليها لتكون ذريعة للتوقف عند حد معين من الإصلاح، رغم كونه عملية مستمرة ولا تنتهي، فكانت "خطيئة" الأنظمة التى سبقت "الربيع العربي" هى السقوط فى الخيار الثاني، فخرج عليهم المهمشين، للمطالبة بـ"إصلاح" شامل وسريع بدءً من ظروف المواطن، فى إطار ما يسمى بـ"المطالب الفئوية"، مرورا بالجانب السياسي، عبر الإنجرار نحو تطبيق النماذج الغربية، بما تحمله من شعارات براقة، على غرار الديموقراطية والحرية، وحتى الاقتصاد، عبر الدعوة إلى الانتقال نحو الرفاهية بمجرد الوصول إلى التغيير المنشود، ليتحول "الربيع" إلى "خريف" فوضوي، تناثرت خلاله أوراق المجتمع، فى ظل حالة دائمة من الثورة، بين فريق من الثائرين من أجل الإصلاح، وآخر من الثائرين عليهم داعين إلى قدر من الهدوء لتستعيد البلاد عافيتها، ومن بينهما قفز فريق ثالث من الانتهازيين إلى سدة الحكم لتزداد الأمور تراجعًا.
 
الحالة سالفة الذكر ربما عشناها بتفاصيلها لعامين أو ما يزيد عن ذلك قليلا، لتأتى ثورة 30 يونيو، فتكون السبيل الوحيد لتصحيح العديد من المسارات، ربما أبرزها تحقيق الوحدة بين كافة أطياف المجتمع، والذين احتشدوا فى الشوارع والميادين، للمطالبة باستعادة الدولة، بينما بدأت خيارا ثالثا لـ"الإصلاح"، تفادت خلاله خطيئة تجاهل العملية برمتها، احتماءً بالأرقام، بينما فى الوقت نفسه اعتمد نهجا تدرجيًا، من شأنه تجنب السقوط فى "مستنقع" الفوضى الذى حل بالبلاد والعباد فى حقبة "الربيع"، وهو ما يمثل إدراكًا لحقيقة مفادها أن العملية الإصلاحية ليست لحظية أو وقتية، وإنما هى فى جوهرها عملية مستمرة حتى تتواكب مع التغييرات التى تشهدها البيئة المحلية والأوضاع الإقليمية، ناهيك عن المستجدات على الساحة الدولية.
 
النهج "الإصلاحي" الذى تبنته "الجمهورية الجديدة"، حمل العديد من المسارات، بدأت باستكشاف ما تمتلكه من موارد، على غرار الغاز الطبيعي، وإحياء ما يمكننا تسميته بـ"الموارد الميتة"، كالزراعة والصناعات القديمة، مع تطوير أدواتها، ثم امتدت إلى إعادة تأهيل المهمشين، سواء على مستوى الطبقات الاجتماعية، كسكان العشوائيات، أو الفئات المجتمعية، على غرار الشباب والمرأة وذوى الهمم، ثم اتسعت دائرة الإصلاح جغرافيًا، عبر اقتحام المناطق المهمشة، وحتى السياسة، عبر تفعيل دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وحقوق الانسان، من خلال إدماجهم فى "بوتقة" الحوار الوطني.
 
والمتابع للعملية الإصلاحية التى تبنتها الدولة المصرية منذ بداية عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ربما تدرجها، عبر الانطلاق من "نقطة" إعادة استكشاف الموارد واحياءها، وهى فى الحقيقة ليست بالأمر السهل، خاصة وأنها تأتى بعد سنوات من التجريف والاندثار، بينما انطلقت لتتوسع تدريجيًا، لتشمل كافة الفئات والقطاعات بل امتدت إلى الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، لتتحول كذلك إلى أحد أهم الأعمدة التى تبنتها الدولة فى بناء علاقاتها الخارجية، على أساس من الشراكة.
 
وهنا نجد أن العملية الإصلاحية، فى جوهرها، ليست "عصا سحرية"، من شأنها تغيير الواقع، إلى المدينة الفاضلة التى لم تتجاوز فى حقيقة الأمر خيال أفلاطون، وإنما هى فن التعامل مع الواقع ومتغيراته ومواكبتها، عبر استغلال ما تمتلكه الدولة من موارد والعمل على توظيفها بما يساهم فى تحقيق أهدافها، وهو ما يحقق الاستقرار، الذى يمثل الأساس نحو بناء المستقبل، بعيدا عن الانجراف نحو دائرة مفرغة من الفوضى، تحت شعار الإصلاح.
 
وهنا يمكننا القول بأن دعوات الإصلاح إذا فشلت فى مجاراة الواقع، سواء بـ"الاختباء" وراء "أرقام" صماء لا تعبر عن حقيقة ما يحدث فى المجتمعات المستهدفة، والتوقف عندها، من جانب، أو الانجراف نحو حالة متهورة لا تتواكب مع الواقع المحلى والأوضاع العالمية، من جانب آخر، فإنها ستؤدى لا محالة إلى الفوضى، وهو ما يعكس ما يحمله مفهوم "الإصلاح"، من تعقيدات مركبة، رغم ما يعكسه فى تجرده من سمو، فى ظل ارتباطه ليس فقط لظروف الداخل وموارده وإنما أيضا بأوضاع أخرى فى الكوكب بأسره، وبالإضافة إلى كونه عملية مستمرة، وهو ما يتطلب إدراك دائما بما يدور فى الداخل والخارج، حتى يمكن مواكبته.
 
 
 
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة