التعليم هو قاطرة النهضة والبناء للجمهورية الجديدة، وهو أحد الأركان الرئيسة للأمن القومي؛ إذ يُسهم في بناء الوعي الصحيح لدى الفرد لمفهوم الدولة، من حيث استقلالها واستقرارها وأمن وحماية حدودها ومصالح مواطنيها التي تمكن في مصالحها العليا، والتحديات التي تواجهها وتقف حجر عثرة في تنميتها ونهضتها، ومن ثم بات امتلاك الفرد لمهارات التفكير العليا أمرًا مهمًا في مشاركته وتفاعله تجاه قضايا وطنه المتجددة والمتغير في عالم متسارع تؤثر فيه التقنية بصورة خطيرة.
ويهيئ التعليم بمختلف أنماطه الثروة البشرية التي تعمل بما تكتسبه من خبرات في تطوير ونهضة الدولة بمجالاتها المختلفة؛ حيث إن برامجه تستهدف تلبية احتياجات سوق العمل على المستويين المحلي والدولي، وفق معايير علمية وفنية ومهنية تقوم على الريادة والتنافسية، بما يؤهل الفرد للوظيفة التي يؤدي من خلالها رسالته الطموحة، ومن ثم يصبح المواطن الصالح الذي تسعى الدولة بمؤسساتها المختلفة لإيجاده.
وتكتسب الأنظمة السياسية استقرارها، وتحقق غاياتها، وترسخ مبادئها وقيمها، وتقوي الشعور بالولاء والانتماء لها، من خلال اهتمامها ورعايتها للنظام التعليمي؛ فبواسطته تتشكل البُنى المعرفية السليمة وتنمو الخبرات وتتكون الاتجاهات الإيجابية لدى الأفراد، بما يكسبهم الوعي الثقافي ويساعدهم على الانغماس في قضايا الوطن والمشاركة في إيجاد الحلول للمشكلات الآنية والمستقبلية.
وتهتم الأنظمة السياسية بالعمل على تطوير التعليم، قناعة بأن نتاجه يعود على المجتمع بكافة أطيافه، وأن كفاءة الأفراد تقلل من التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، وهذا ما يوجد آلية للتفاعل والحراك الاجتماعي، ويضمن بيئة سياسية تقوم على التنافس الحر، وتكافؤ الفرص المرتبطة بالقدرات والمهارات، بعيدًا عن المحسوبية وغياب المحاسبية وتحقيق المصالح الشخصية التي تضر بالمجتمعات وتؤدي إلى إحداث مُناخ باعث لضعف الرضا والولاء والانتماء.
وتؤكد القيادة السياسية على أهمية الوصول إلى مستوى الجودة، وفق معاييرها العالمية، بكافة المؤسسات والأنظمة بالدولة المصرية، وفي مقدمتها المؤسسة التعليمية التي تهتم ببناء الفرد والمجتمع من خلال تشكيل الوعي بأنماطه المتعددة بالصورة الصحيحة واكتسابه الخبرات النوعية التي تُسهم في نهضة البلاد بمجالاتها المختلفة، ومن ثم وجهت القيادة السياسية جهودها إلى تطوير المناهج التعليمية، وتحسين البنية التحتية الأساسية، والرقمية، لتتمكن المؤسسات التعليمية، من خلال أصحاب الرسالة السامية، من تحقيق غايات الدولة الكبرى، وفي مقدمتها بناء المواطن الصالح.
ويؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن مواكبة سُبل التطوير في مجالات الدولة المختلفة يقوم على التعليم، وخاصة التقني؛ نظرًا للحاجة الماسة لخبراته في مجال سوق العمل المتجدد؛ لذا شمل تطوير المؤسسات التعليمية المصرية استحداث تخصصات نادرة في السلم التعليمي؛ لتحدث النقلة النوعية المرتقبة على مستوى القطر المصري، وتفتح آفاقا جديدة للعمل تستوعب الطاقات البشرية الماهرة.
ويرتبط تطوير التعليم باستدامة المورد الاقتصادي؛ حيث إن التعليم المتميز الذي يكسب الفرد مهارات القرن الحادي والعشرين يسمح بتعددية فرص العمل، ويفتح له مسار الترقي في مجاله النوعي، ومن ثم يحقق له جودة الحياة التي ينشدها، ما يؤكد العلاقة الارتباطية بين مستوى الإنتاجية وما يمتلكه الفرد من خبرات ومهارات متعلمة؛ لذا بات نمو الاقتصاد رهينًا باستمرارية تطوير التعليم بشكل قاطع.
وفي ضوء مبدأ استمرارية التعليم يمكن القول بأن التنمية المهنية المنسدلة من الخبرات المتجددة المنبثقة من إفرازات البحث العلمي في مجالاته المختلفة والتي يقدمها التعليم، يشير إلى أن المؤسسة التعليمية لا تزال محورًا رئيسًا في دعم الاقتصاد؛ حيث يصعب مواكبة التطور العالمي بعيدًا عن البحث العلمي الذي يُشكل إحدى وظائف المؤسسة التعليمية؛ فبواسطته يتأتى الابتكار الذي يتمخض عن مزيد من المخترعات التي تخدم البشرية قاطبة وتستهدف رفاهيتها.
وتطوير التعليم يستهدف تطوير الاستثمار في رأس المال البشري والمادي على السواء؛ حيث يصعب الفصل بين أطر التنمية الاقتصادية وتطوير المؤسسة التعليمية التي تعد بمثابة الرافد الرئيس للعمالة التي تمتلك المقدرة على الإنتاج، كما يعمل ذلك على إيجاد البيئة الجاذبة للاستثمار في مجالات الدولة المختلفة؛ نظرًا لتوافر مقومات الاقتصاد بشقيه المادي والعقلي.
وقد وجهت القيادة السياسية جهودها إلى دعم مقومات الاقتصاد القائم على المعرفة، ومن ثم أنشأت الكليات والمدارس التقنية، التي استهدفت إعداد أجيال تمتلك المهارات التقنية التي توظف في عمليات الإنتاج، كما تم تعزيز المؤسسات التعليمية التقنية القائمة بما تمتلكه من مراكز تدريب متطورة التي تكسب الخبرات التقنية للمتعلمين، وتشجع على الابتكار بصورة مستمرة عبر ما تقدمه من أنشطة تدريبية متواصلة، ويُعد ذلك أسلوبًا رائدًا في تطوير التعليم من خلال الربط المباشر بالاقتصاد.
وفي هذا المقام يتوجب على المؤسسات الاقتصادية بتنوعاتها أن تشارك في تطوير التعليم بداية من تحديد الاحتياجات السوقية ومرورًا بآليات التنفيذ التي تشمل المنهج التعليمي عناصره، وتقديم الدعم اللوجستي لتحقيق متطلبات العملية التعليمية، وانتهاءً بأساليب التقويم التي تظهر مواطن الضعف المتطلب علاجها ومواطن القوة الواجب تعزيزها، ولا ريب من أن تلك المشاركة أو الشراكة تمثل ضربًا من ضروب الاستثمار.
ومن منظور اجتماعي نجد أن التعليم يشكل حقًا من الحقوق الأساسية للمواطن؛ حيث كفل الدستور هذا صراحة، كون أن التعليم يُسهم بقوة في تحقيق الاندماج الاجتماعي؛ لذا كان من دواعي التطوير الاهتمام بتنويع أنماطه كي تتناسب مع توجهات الفرد وتلبي احتياجاته، ورغم تكلفة التطوير فقد عمدت الدولة على توفير مؤسساته في شتى بقاع الجمهورية بغرض الإتاحة للجميع؛ بالإضافة إلى مراعاة المعايير التي تضمن اكتساب الفرد للخبرة المربية.
ويراعي تطوير التعليم أهمية التمكين الاجتماعي للفرد، ويتأتى ذلك من خلال امتلاكه مقومات العمل التي تتسق مع خبراته؛ لذا أضحى التفاوت في الحصول على فرص عمل بنمط تعليم تنسدل أهدافه من احتياجات وتطلعات المجتمع، وعليه أصبح التطوير غايته تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بما يحد من التهميش المجتمعي.
إن ما يستهدفه تطوير التعليم في حقيقته لا ينفك عن تعضيد النسق القيمي للمجتمع المصري؛ إذ يعد المحافظة على النسق القيمي للمجتمع من أهم أهداف تطوير التعليم، فالاهتمام بتنمية الوعي بالتعايش على القيم النبيلة كالاحترام المتبادل، والتسامح، وإعلاء كلمة الحق، والحرية المسئولة، وثقافة الاختلاف، لا الخلاف، وتقبل التنوع الفكري والاجتماعي، وتدعيم التكافل والترابط المجتمعي، وتأدية الحقوق والواجبات، وتعزيز الديمقراطية وفق سُبلها القويمة- كل هذا من أولويات التطوير.
وهناك علاقة وثيقة بين تطوير التعليم والوعي البيئي، فالتعليم والبيئة صنوان لا يفترقان، ومن أهم أهداف التعليم تعديل سلوكيات الفرد ليسهم في الحفاظ على موارد بيئته وتنميتها واستدامتها، ويشارك بفعالية وإيجابية في حل المشكلات البيئية وفق امكانياته، ويتمكن من توظيف خبراته التعليمية في خدمة بيئته، ويستوعب العلاقة الصحيحة بينه وبين مفردات بيئته بصورة واقعية، وهذا ما يحضه إلى مزيد من المطالعة ويشجعه على اكتساب المزيد من الخبرات، ومن ثم يحمله مسئولية صيانة وحماية بيئته.
ويهتم تطوير التعليم من خلال عناصره بالبيئة الصحية على مستوى الفرد والجماعة؛ فما عانته البشرية في فترة الأوبئة جاء نتيجة لضعف الوعي الصحي؛ لذا استلزم التطوير أهمية توافر البيئة الصحية التي ينعكس مردودها على مجالات الحياة المختلفة؛ فيصعب أن تصل للنهضة من أفراد مجتمع مريض؛ حيث إن العقل السليم في الجسم السليم، وعليه فإن السلوك الصحي يرتبط بمعرفة ووعي صحيحين.
ولنا أن ندرك ضرورة الشراكة في تطوير التعليم المصري ليحقق مبتغاه؛ فلا مناص من تعاون المؤسسات التعليمية مع المجتمع المدني والقطاع الخاص بتنوعاته وبالطبع المؤسسات الحكومية، وبالأحرى الاستفادة من الخبرات العالمية؛ حيث باتت المعرفة عالمية تقوم على التبادل، ويضاف إليه من خلال طرائق الابتكار في المجالات المختلفة.
ويمكن الاعتراف بأن التطوير بعيدًا عن التقنية وتطبيقاتها يعد تطويرًا شكليًا؛ فقد أصبحت التقنية الشريك الرئيس في إحداث تطوير يتسم بالوظيفية ويتطابق مع معايير التطوير العالمية المرتبطة بالاستدامة في المجالات العلمية والعملية والحياتية.
وفق الله بلادنا وقيادتنا السياسية لسبل الخير والرشاد.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر