تكوين تحالفات قوية وتكتلات إقليمية ودولية.. أبرز مظاهر نجاح السياسة الخارجية

الجمعة، 29 سبتمبر 2023 10:16 م
تكوين تحالفات قوية وتكتلات إقليمية ودولية.. أبرز مظاهر نجاح السياسة الخارجية وزارة الخارجية المصرية - أرشيفية
كتب محسن البديوي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ساهمت السياسة الخارجية للجمهورية الجديدة في إعادة مصر إلى مكانتها الفاعلة إقليمياً ودولياً، باعتبار أنها تمثل ركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة، وحجر الأساس لأي تحركات تشهدها المنطقة، وفي هذا السياق حققت السياسة الخارجية المصرية مجموعة من المنجزات المهمة، التي يمكن بيانها على النحو التالي:

 

تكوين محاور وتحالفات خارجية:

استغلالًا للفائض من الغاز والكهرباء، وصولًا لتحقيق التدفقات النقدية الضخمة التي ترفع الإيرادات بما يُحقق لمصر استقرارًا في موازنتها العامة وميزانها التجاري، انخرطت الإدارة المصرية في استغلال قدرات الدولة الشاملة لتكوين محاور مع دول الإقليم تُعزز مركزها وموقعها كمركز إقليمي لتداول الطاقة، وانتهت التحركات المصرية إلى تكوين خمسة محاور هي:

 

محور (مصر – قبرص – إسرائيل):

وبدأت مصر في تكوين هذا المحور لتسهيل استيرادها للغاز من الدولتين المُنتجتين له -حتى الآن- في منطقة شرق المتوسط، بغرض تسييله في المُنشآت المصرية للإسالة في "إدكو" و"دمياط"، ثم إعادة تصديره إلى أوروبا، عبر استخدام خط غاز (العريش – عسقلان) المُرتبط فعلًا بشبكة الغاز المصرية، وتطويره لوصله بحقول الغاز الإسرائيلية في شرق المتوسط وعلى رأسها "لفيثيان" و"تمار"، ثم إنشاء خط جديد يربط حقل غاز أفروديت بالشبكة المصرية لنقل الغاز القبرصي إلى مُنشآت الإسالة. ولعب هذا المحور أول الأدوار في التمهيد لانطلاق المشروع المصري.

محور (مصر – قبرص – اليونان):

عمل هذا المحور على الحفاظ على الاتصال الجغرافي بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين المصرية والقبرصية من ناحية واليونانية من ناحية أخرى، عقب توقيع الاتفاقية الحدودية بين تُركيا وحكومة السراج، وذلك للحفاظ على إمكانية نقل الغاز المُسال المصري والإسرائيلي والقبرصي إلى محطات الإسالة في غرب أوروبا، وثانيًا تمرير الكابلات الكهربية القادمة من مصر وقبرص إلى اليونان دون المرور بمناطق اقتصادية لدول أخرى.

ج- محور (مصر – السعودية – الإمارات – البحرين):

         شُكِّل هذا المحور أساسًا على خلفية ثورة 30 يونيو، لتوفير الدعم السياسي للدولة المصرية وإدارتها في المحافل الدولية، وتقديم العون النقدي للتغلب على الأزمات لتوفير الوقود اللازم لتسيير المركبات وتوليد الكهرباء، بما يُوفر بيئة مُلائمة للوصول إلى إعادة تكوين المؤسسات الدستورية للبلاد، ثم طُور هذا التحالف لاحقًا إلى ربط الشبكتين الخليجية والمصرية عبر كابل يمر تحت مياه البحر الأحمر بقدرة 3 جيجاوات، لنقل الكهرباء بين أطرافه وتمريرها من دول الخليج إلى أوروبا عبر الشبكة المصرية.

د- محور (مصر – الأردن – العراق):

شُكِّل هذا المحور أساسًا على خلفية ثورة 30 يونيو، لتوفير الدعم السياسي للدولة المصرية وإدارتها في المحافل الدولية، وتقديم العون النقدي للتغلب على الأزمات لتوفير الوقود اللازم لتسيير المركبات وتوليد الكهرباء، بما يُوفر بيئة مُلائمة للوصول إلى إعادة تكوين المؤسسات الدستورية للبلاد، ثم طُور هذا التحالف لاحقًا إلى ربط الشبكتين الخليجية والمصرية عبر كابل يمر تحت مياه البحر الأحمر بقدرة 3 جيجاوات، لنقل الكهرباء بين أطرافه وتمريرها من دول الخليج إلى أوروبا عبر الشبكة المصرية.

وجرى توقيع اتفاق بين الأردن والعراق لإنشاء ربط مُباشر بينهما بقدرة جيجاوات/ ساعة في سبتمبر 2020، على أن يُنتهى منه في نحو عامين تقريبًا، لتخفيف الضغوط التي تواجهها العراق بسبب اعتمادها أساسًا على إيران في توفير الغاز الطبيعي اللازم لإدارة محطات إنتاج الطاقة الكهربية، بالإضافة إلى استيرادها الكهرباء بإجمالي قدرة 1.6 جيجاوات من أربعة خطوط إيرانية هي: ميرساد - ديالى، سربيل – خانقين، خرم شهر – خور الزبير، وأخيرًا كرخة – عمارة.

وبلغت إجمالي الكميات المُستوردة من الخطوط الأربعة نحو 4.6 جيجاوات/ ساعة في 2018 (آخر الإحصائيات المُعلنة)، الأمر الذي يُعطي إيران نفوذًا هائلًا، تستخدمه لفرض إرادتها على الحكومات العراقية المتوالية، بما يعني في المُحصلة تحقيق منافع مُتبادلة للدول الثلاث، تتلخص في تصدير جزء من الفائض المصري من الكهرباء، وتحقيق الأردن عوائد اقتصادية مُقابل التمرير، وتوفير بديل استراتيجيٍ للغاز الإيراني بما يُحرر نسبيًا القرار السياسي العراقي.

 

ه- محور (مصر – السودان):

تسعى القاهرة إلى استعادة العلاقات المصرية السودانية، وتوطيدها إلى مُستوياتها الاستراتيجية التاريخية، وقد نجحت القاهرة في مساعيها نظرًا لعدد الملفات الضخمة التي تتضمن مصالح مُشتركة للبلدين، بداية من ملفات إدارة المياه، ومواجهة تحديات سد النهضة، وملف الكهرباء. وتُشكل السودان ممرًا لنقل الطاقة المصرية إلى إفريقيا والعكس، وذلك أولًا عبر الربط مع الشبكتين الإثيوبية والجنوب سودانية ومنها إلى شبكات دول وسط إفريقيا، وقد جرى ربط السودان بمصر بكابل قدرته 240 ميجاوات، سيجري تطويره في المُستقبل، كما يجري الإعداد لاستقبال الكهرباء عبرها من الكونغو الديمقراطية التي من المُتوقع لها أن تنتج من مجموعة سدود "أنجا" عند اكتمالها ما يزيد عن 40 جيجاوات تقريبًا، وإعادة تصديرها إلى أوروبا عبر الممر المصري القبرصي اليوناني السابق الإشارة إليه.

تأسيس منظمة شرق المتوسط:

كما سبق الإشارة فقد كان الانفتاح على دائرة شرق المتوسط باعتبارها أحد الدوائر الجديدة المهمة للسياسة الخارجية المصرية، أحد المنجزات المهمة للجمهورية الجديدة، وقد عبر عن نجاح وفاعلية السياسة المصرية في هذا الملف، تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، وتحوله إلى منظمة إقليمية في عام 2020، واشتمل نص الإعلان المشترك على نقاط مهمة أبرزها: عمل المنظمة كمنصة تجمع منتجي الغاز والمستهلكين ودول المرور، لوضع رؤية مشتركة وإقامة حوار منهجي منظم حول سياسات الغاز الطبيعي لتطوير سوق إقليمية مستدامة للغاز. وثانيًا احترام المنظمة حقوق أعضائها على مواردهم الطبيعية وفقًا للقانون الدولي، وتدعيم جهودهم لاستثمار احتياطاتهم واستخدامهم البنية الأساسية. وأخيرًا التأكيد على فتح باب الانضمام من جانب الدول والمنظمات الدولية الأخرى طالما تبنوا قيم وأهداف المنتدى وشاركوه الرغبة في التعاون من أجل تحقيق أهدافه.

ويؤدي تحول مصر إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة، إلى ترجيح كفتها على مُنافسيها الإقليميين، الأمر الذي سيدفع الاقتصاد المصري بشكل مُباشر جراء التدفقات النقدية المُتوقعة نتيجة التصدير، ورسوم التمرير، بالإضافة إلى استفادة بشكل غير مُباشر تتمثل في الاستثمارات الأجنبية المُباشرة التي ستصاحب تنفيذ مشروعات الربط، وفرص العمل التي تخلقها أثناء التنفيذ أو الصيانة لاحقًا، فضلًا عن الصناعات المُغذية لهذه المشروعات مثل تصنيع البطاريات والكابلات الكهربية والخلايا الشمسية التي يُفترض أن يجري توطينها، وأخيرًا بلورة الدور المصري الذي سيساهم في تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، والذي يُشكل نحو 47% من إجمالي واردات الغاز إلى القارة.

استعادة الدور المصري في أفريقيا:

بعد الإشارة إلى كون استعادة الدور المصري في أفريقيا، أحد الأهداف الرئيسية التي وُضعت على رأس أولويات الجمهورية الجديدة، يمكن القول بالمتابعة لمنجزات الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية، أن مصر نجحت في تحقيق هذا الهدف، واستعادة دورها الريادي على المستوى الأفريقي، وهو ما تجسد في بعض المؤشرات الرئيسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الدور المصري الفعال في الأزمة السودانية بدايةً من دعم الحراك السياسي حتى التوصل لإعلان الوثيقة الدستورية وتشكيل مجلس السيادة السوداني بمكونيه المدني والعسكري في السودان، ووصولاً إلى الدور المصري في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب الأهلية، وهو الدور الذي ركز على التوسط بين طرفي النزاع، وحشد الجهود الإقليمية والدولية للضغط عليهما لوقف الصراع والوصول إلى تسوية سياسية وسلمية للأزمة.

كذلك فقد شرعت الدولة المصرية ونفذت العديد من المشاريع التنموية في القارة الأفريقية، حيث تم افتتاح المرحلة الأولى من محطة توليد الطاقة الشمسية وتنفيذ مشروع سد "نيريري" للكهرباء، و"سد روفيجي" بتنزانيا، وعمل مشروع الربط المائي "الإسكندرية- فكتوريا"، الذي يهدف للربط الملاحي بين "بحيرة فكتوريا والبحر المتوسط"، لخدمة دول حوض النيل، ومشروعات الربط الكهربائي، في إطار مبادرة "تدشين المبادرة الإفريقية للطاقة المتجددة 2015" لاستغلال طاقات إفريقيا النظيفة التي تقدر بنحو 40% من إمكانات العالم، ويتمثل في مشروع الربط بين "مصر والسودان" والربط مع شبكة كهرباء إثيوبيا ضمن مشروع ربط دول حوض النيل.

وفي سياق متصل عقدت مصر اتفاقيات تعاون وتدريبات أمنية وعسكرية مشتركة مع السودان، وكينيا ورواندا والصومال وجيبوتي، فضلًا عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وحماية ساحل البحر الأحمر. كما تم إقرار معاهدة إنشاء تجمع دول الساحل والصحراء، للعمل على الأمن الإقليمي والتنمية المستدامة. وتقدمت القاهرة باقتراح حول "إنشاء قوة إفريقية لمكافحة الإرهاب"، واستضافت القاهرة اجتماع رؤساء أركان جيوش دول الساحل الخمس "موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينافاسو" في فبراير 2020.

كما جاءت المشاركات المصرية في القمم الدولية والإفريقية والداخلية الخاصة بإفريقيا من خلال محاور التكامل والاندماج القاري والتعاون القائم على مبدأ (المصلحة المشتركة)، فجاءت نتائج هذه اللقاءات من أجل زيادة التعاون وتحقيق الصالح للقارة من خلال ربط القارة ببعضها بعضًا وبالقارة الأوروبية، وذلك لتحقيق التنمية في كافة المجالات التي تحقق أبعاد التنمية المستدامة لأجندة إفريقيا 2063، مثل الترويج لدخول "اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية" حيز التنفيذ في قمة النيجر الاستثنائية في 30 مايو 2019، وإنشاء صندوق لتوفير الموارد اللازمة مع انتشار جائحة كورونا، إذ دعت مصر لإنشاء الصندوق لدعم جهود مكافحة فيروس "كورونا" في القارة وتبعاته السلبية على الاقتصادات الإفريقية، والحصول على الدعم الدولي، والذي تجلى في اجتماع عبر تقنية الفيديو كونفرانس قبل مشاركة الاتحاد الإفريقي في قمة العشرين 2020، والمشاركة في مؤتمر اقتصادات إفريقيا باريس 2021.

تصاعد أدوار مصر في تكتلات إقليمية ودولية:

أحد المؤشرات المهمة التي عبرت عن النجاح الذي حققته الدولة المصرية على المستوى الخارجي، تمثل في تنامي الوزن النسبي لمصر لدى بعض التكتلات والتحالفات الإقليمية والدولية، فعلى سبيل المثال تم اختيار مصر لرئاسة المجموعة الإفريقية عن إقليم شمال إفريقيا لدى منظمات روما الثلاث خلال عام 2020، وكذا رئاسة مصر لمجموعة الـ77 في روما خلال عام 2018، كما فازت مصر بلجنة السياسات الاجتماعية والفقر بالأمم المتحدة لمدة عامين 2020 – 2021 للمرة الثالثة منذ إنشائها عام 1979.

كذلك ترأست مصر لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن خلال عام 2016، فضلًا عن جهودها في تأسيس المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء 2018، وفي مايو 2023 تسلمت مصر الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب مع الاتحاد الأوروبي لمدة عامين.

وقد كان المؤشر الأبرز في هذا الصدد، على مستوى الثقل والوزن الاستراتيجي الذي باتت تتمتع به الدولة المصرية، متمثلاً في توجه قمة "بريكس"  2023 التي انعقدت في دورتها الخامسة عشرة بمدينة جوهانسبرج في جنوب إفريقيا بإعلان توسيع قاعدة أعضاء لتشمل: مصر و5 دول أخرى، وهي الخطوة التي تعكس المكانة التي باتت تحظى بها مصر، لدى القوى الدولية والإقليمية، فضلاً عن أنها ستعود بمنافع استراتيجية عديدة على مصر.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة