لا توجد قضية تحظى بالاهتمام مثل القضية السكانية، والتى ترتبط بالكثير من العوامل، نقول هذا بمناسبة المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية، الذى طرح القضية السكانية وطرق التعامل معها، وهى ليست المرة الأولى التى تتم فيها مناقشة القضية السكانية، فقبل عامين تم إطلاق المشروع القومى للأسرة.
وحسب ما طرحه الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، فى المؤتمر فإن السكان ارتفع عددهم فى 23 سنة نحو 40 مليون مواطن.. وأن النمو الاقتصادى يجب أن يكون 3 أضعاف النمو السكانى، واستعرض التحديات المختلفة.. وكما قال الرئيس السيسى خلال كلمته بالمؤتمر «فى الخمسينيات كانت الفجوة 10 % ولم تكن كبيرة لكن تراكمات 70 سنة انعكست على المنتج التعليمى والصحى».
موضوع الزيادة السكانية مطروح على أجندة الاهتمام الرسمى والدولة منذ الستينيات من القرن العشرين عندما كان عدد السكان فى حدود الثلاثين مليونا، يومها كان الحديث يدور حول الأمر، بالمزيد من الجدل، وخلال الثمانينيات من القرن العشرين عندما بدأت بوادر انفجار سكانى، وظهرت العشوائيات وتوقفت الكثير من توسعات التنمية، يومها تداخلت بعض الآراء الدينية التى تحرم أى تدخل فى تنظيم الأسرة، وبالرغم من وجود آراء معتدلة كانت ترى أن تنظيم الأسرة هدفه أن يتماشى النمو الاقتصادى مع النمو السكانى، وأن تكون الأسرة قادرة على تربية وتعليم الأبناء بشكل جيد، وأن القوة ليست فى الكثرة.
فى أول مارس 2022 تم إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية، والذى تضمن حزمة إجراءات وأفكار للتعامل مع القضية السكانية، التى تمثل واحدة من أهم التحديات التى تواجه أى دولة فى العالم، ويكفى أن نعرف أن مصر التى كانت 30 مليونا فى السبعينيات من القرن العشرين أصبحت اليوم نحو 105 ملايين، ونحو 9 ملايين لاجئ من دول مختلفة، يعيشون بنفس قواعد المواطنة.
وعلى مدى العصور تم تنظيم حملات لتنظيم الأسرة، بعضها نجح جزئيا فى توعية قطاعات من الشعب، بينما يبقى الأمر كما هو، ومن مشكلة القضية السكانية أنها تتداخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية ودينية، بل وربما ثقافية لأنها تتطلب درجة من الوعى، تفرض نوعا من التعامل يتجاوز التشريعات أو الحملات إلى خطط وتحرك يتناسبان مع الأمر بجوانبه، وبالطبع فإن بعض النخب يتصورون أنهم يكيدون الدولة عندما يزعمون أن الزيادة السكانية يمكن أن تكون أمرا جيدا، وهؤلاء يتعاملون مع السكان باعتبارهم كتلة واحدة لا فرق فيها بين من يتعلمون جيدا ومن يبقون فى سياق الأمية والجهل ليمثلوا عبئا على أسرهم وعلى المجتمع.
القضية السكانية ترتبط بالمجتمع كله، وبوضوح هناك فئات من الطبقة الوسطى تلتزم بتنظيم الأسرة وتدرك تكاليف تربية وتعليم الأبناء، لكن هناك فئات لا تدرك هذا.
من جانبه فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى، يطرح هذه الموضوعات بصراحة ويتحدث عن اتجاه للتعامل معها على المدى القصير والمتوسط، ويوجه وزارة المالية والحكومة بأهمية دعم حملات تنظيم الأسرة، وأنه لكى يشعر المجتمع بنتائج التنمية، فى الخدمات والتعليم والعلاج، هناك ضرورة لتنظيم الزيادة السكانية، وهذه الخطوات لا يمكن أن تقوم بها الدولة وحدها، لكنها أمر مشترك بين الدولة والمجتمع، من خلال التوعية والتشريعات التى يمكنها التعامل مع الزيادة السكانية، مثلما تم فى دول واجهت القضية.
وقد تعاملت الصين مع القضية بخطط حاسمة منذ السبعينيات، وفرضت طفلا واحدا فقط على مدى عقود، ونجحت فى ضبط الزيادة السكانية مع نسبة النمو، ثم مع الوقت سمحت بزيادة الأبناء لاثنين أو أكثر، ولو لم تفعل هذا ما كان يمكن للصين أن تحقق الوضع الاقتصادى الحالى، مع وصولها إلى ما فوق المليارين، فى المقابل فإن الهند انتقلت من 800 مليون إلى ما يتجاوز عدد سكان الصين، وبالرغم من تجربتها التنموية المهمة تعانى من ارتفاع معدلات الفقر، وعدم توازن النمو الاقتصادى مع السكان، وهناك دولة مثل سنغافورة ودول آسيوية أخرى أطلقت برامج مختلفة.
الوضع فى مصر يتطلب برامج تتعامل مع الواقع الاجتماعى، وهو ما أشار إليه الرئيس عدة مرات، ويظهر فى مشروع الأسرة الذى يربط الحافز بالتنظيم، مع توعية وإشراك الحكومة مع المجتمع المدنى، والوصول إلى فئات لم تصلها التوعية، وأن تكون هذه الحملات مزيجا من التوعية الاجتماعية والصحية والدينية، والمزج بين برامج التوعية والتشريعات والحوافز، ومشاركة المجتمع عموما، والمجتمع الأهلى بشكل خاص مع الحكومة والإعلام، والتوصل إلى برامج عمل تعالج القضية بالشكل الذى يجعلها جزءا من المجتمع، وبالفعل كان العام الماضى من الأعوام التى تراجعت فيها معدلات الزيادة السكانية، وإن كانت لا تزال فوق المعدلات المطلوبة.
الأهم هو أن تكون هذه الحملات منطلقة من قناعة بالمجتمع، مع التشريعات والحوافز، حتى يمكن الوصول إلى توازن يضمن نجاح أى تحرك.