كانت التسعينيات إيذانًا بفصلٍ جديد. ما عادت الجماعات المُتطرّفة مُكتفيةً بالنزح من خزّان الريف والمُهمَّشين؛ فتطلَّعت لموطئ قدمٍ بين النخبة، ولم يكن مُمكنًا أن تُغريهم بالشيخ كشك ورفاقه، فلجأت لإعداد «دوبليرات» من المُهندمين حليقى الذقون، وتوزيعهم على النوادى ومُلتقيات الصفوة، وتمَّ لهم ما أرادوا؛ حتى أن ابن مسؤول رفيع جدًّا وقتها تدروش وسار فى ركاب المُتشدِّدين.. الاحتياج فرضَ الأداة؛ ولأن الظروف تغيَّرت كان طبيعيًّا أن تتبدّل الأدوات. السنوات الأخيرة شهدت رواجًا لـ«دُعاة السوشيال ميديا» بكثافة وإلحاح وتقنيات شبه مُتطابقة؛ كأنَّ وراءهم جهةً واحدة ترسم الخطط وتصيغ الخطابات وتُوزّع الأدوار. والخطير أن تلك الحالة خارج الرقابة، ناهيك عن الضبط والمُحاسبة والإخضاع للقانون. طوابير وعّاظ محدودى العلم والثقافة، يُروِّجون صيغة انغلاقية جافة من الدين، وطرحًا أقرب للحشد والتوجيه، ويحصدون مكاسب بالملايين، ويلعبون دور المفرخة أو عتبة التأهيل للجماعات الأصولية. وذلك ممّا يستدعى وقفة جادة، وتساؤلات عن رخاوة التصدّى لما يُحدثونه من خلخلةٍ لبِنية العقل والمُعتقَد.
الدين أهم من أن يُترك للواعظين؛ فما بالك لو أن بعضهم ليسوا من أهل الوعظ والفقه والنفوس السويَّة أصلا؟! فى القديم والحديث كانت كثير من مُشكلاتنا صنيعة تجَّار الاعتقاد. بدأت لوثة التكفير من تشدُّد بعض الحنابلة، وتمدَّدت فى الزمن إلى الوهابية والإخوان، وبدأ انحراف الدعوة عندما ركبها البعض واعتبروها شركةً ربحيّة وحوّلوا الإيمان إلى بقرةٍ حلوب. تبدَّل الزمن ولم تتغيَّر اللعبة: فئةٌ تخطف من الناس مُعتقَدهم، ثم تفرض عليهم الوصاية، وتُعيد تحرير المنظومة الاجتماعية وتوازناتها لأغراضٍ مُعلنة أو مُستترة. ومن وراء ذلك يُروِّجون أفكارًا شاذة وعدائية، أو يُحقّقون منافع تجارية ومالية. وما كان مرصودًا وتحت سقف الرقابة والرد والتفنيد قديمًا، بات مُنفلتًا وخارج الضبط والقانون فى فسحة الاتصال والمنصَّات الرقمية.
انقلبت مواقع التواصل رأسًا على عقب قبل أيام، بعدما وضع أحد تُجّار الوعظ المشاهير مقطع فيديو يُروّج فيه لأداء العمرة عن الآخرين بآلاف الجنيهات، أو عُمرة البَدَل. كانت موجةُ الرفض والامتعاض كاسحةً؛ ولعلَّها تدعو للبهجة من زاوية فضحها لسماسرة العقائد، وكَشفها عن وعىٍ يرفض الاستلاب والإخضاع بخطابات الوَصم والتكفير؛ إلا أن أغلب المواقف تلخَّصت فى نقد الواقعة وإنكار التربُّح، وتجاهلت تناقض الشخص والحالة، وعند أشباهه من وكلاء التعبئة الرجعية ومندوبى تسويقها. الأزمة أكبر من استثمار شغف المؤمنين بزيارة الأراضى المقدسة ولو خيالاً، ومن تحويل المشاعر النقية لأموالٍ وعمولات؛ إنما يبدأ الخلل من ترقية بعض العاطلين الجُهَّال ليكونوا قادةً روحيِّين، ثم استغلال ما يُحقّقونه من شهرة ومراكز معنوية فى تمرير أفكارٍ، تُطابق كلَّ ما تفجَّر فى وجوهنا سابقًا من إرهاب ودمٍ واغتيالات. الفارق أن المُجرمين القُدامى كانوا مُتجهِّمين، والجُدد يبتسمون بينما يرشقون الخناجر فى قلب المجتمع.
سمسار العُمرة أحد مشاهير الوعظ الرقمى. فشل فى الصيدلة فتحوَّل للدين، ويُصرّ على إلصاق صفة «الدكتور» باسمه؛ مُوحيًا بأنها درجة علمية فى العقيدة وأبوابها؛ وذاك تدليسٌ يرقى للنصب. فى أحاديث سابقة يتحدَّث عن أن المسلم لا يجب أن يكون مُتواضعًا، بل أن يُغلِظ القول لغريمه «هشُقَّك بالسيف نُصّين» بحسب تعبيره. ولا يُفوِّت فرصة لركوب التريند واللعب على الرائج، ولا لأن يقضم آيات القرآن ليُنزلها على زوّار الساحل الشمالى المُترفين، ويُعرِّض بالمُختلفين ومجتمع الفن والثقافة، ويجمع تبرُّعات لنفسه، ولجهاتٍ لا نعلم موثوقيّتها أو مصارفها، ويتحوَّل إلى «موديل إعلانات»، ثم يُؤسِّس دُكّانًا يُسمّيه أكاديمية، يجمع أموالاً بمئات الآلاف ويستهدف الأطفال بالأساس، وقد شاهدت مقاطع عدّة وصُدِمت من بعض ما يحشو به الأدمغة. لنتجاوز مسألة الأرباح المهولة، وأين تذهب، وهل يُسدِّد التزاماته الضريبية أم أن عقيدته تُجيز التهرُّب؛ لكن ماذا عن التراخيص والرقابة؟ وعن محتوى المناهج؟ وانتهاك قانون الطفل بخطاباتٍ تحضُّ على الكراهية؟ لعلّ عُمولات العمرة أهون الخطايا؛ إذ فى بقيَّة مُمارساته جرائم أفدح.
ما فعله يُشبه تاجرًا آخر، استعار اسم سلسلة بقالات أسَّسها خيرت الشاطر ليُدشن بُؤرة تطرُّف، كانت خارج الرقابة والضبط فى مناهجها ودروسها وأموالها، وخرَّجت آلافًا من مُشوَّهى العقول والأرواح. لذلك سوابق شبيهة: سلفى سكندرى ادَّعى الدفاع عن الصحابة وآل البيت وصدّ التشيُّع، فجمع ملايين وأسَّس قناة فضائية، وتورَّط فى التحريض على حسن شحاتة ورفاقه وصولاً لقتلهم تحت حكم الإخوان، ثم ذهب لسلَّة المُهملات كعادة أدوات التطرُّف الرخيصة بعد انتهاء أدوارهم. وشيخ امتلك قناتين وقصورًا وسيارات فارهة، ووظَّف أمواله وحيثيته فى التستُّر على نزوات ابنه الأخلاقية، وسلفى ثانٍ اقترن بعشرات القاصرات، وثالث تحوَّل مع ابنه لـ«نائحة عنفٍ» مُستأجَرة، وشاب كان أزهريًّا وتفرَّغ لبناء العضلات والتضليل والتشهير والتحرُّش واقعًا وافتراضيًّا. وتنفتح القائمة على عشرات من سُفهاء الدين والدنيا، يزحمون المنصَّات، ويُشيعون الكراهية والرداءة بآلاف ساعات البث، لقاء تمويلاتٍ مُباشرة أو عوائد من أنشطة محمولة زُورًا على الاعتقاد.
من زاوية الفقه؛ فإن مسألة الإنابة فى العبادات محلّ جدل، ومن أجازوها وضعوا شروطًا مُشدَّدة تتنافى مع «البيزنس» والسمسرة وعُمولات الوسطاء، فضلاً على أن العمرة نافلة، والحج مرهون بالاستطاعة، وتلك يُسقطها المرض والعجز والوفاة. السند من حديثٍ يُجيز الاعتمار عن الأب المُتوفَّى، وفى التكسُّب بالدين حديثٌ يُقرّ الرُّقية بأجر، وذلك لا ينطبق على تحوُّل الشيوخ المُحدثين إلى وجوهٍ إعلانية وطُلّاب شُهرة ومُشاهدات.. لكن كالعادة، تُدَقّ أعناق النصوص ويُمتَطى الفقه على هوى المُنتفعين، وأسوأ من تأخذ منه رأيًا دينيًّا، الشخص الذى يُسلِّع الدين ويُخضعه لمنطق العرض والطلب.
التجارة بالسماء رائجة منذ قرون، ولا يعدم باعة المُقدّسات الحججَ والتبريرات من حواشى الكتب القديمة. لو كان مقبولاً فى سياق التنظيم أن يصير الوعظ مهنةً دائمة؛ فالسبيل لذلك صيغة مُؤسَّسية ترعاها الدولة، ويُموّلها دافعو الضرائب تحت قيود صارمة للضبط والمُساءلة. لكن ما يحدث فى مجتمع الوعَّاظ الرقميِّين أن الدين بات «سلعة»، بحسب تعبير سمسار العمرة فى أحد أحاديثه، وهو بهذا الفهم تاجر أو مندوب مبيعات، وفى الحالين يتحدَّد هامش ربحه قبل الوصول للمُستهلك أصلاً. ظاهرًا قد يُموّله صاحب الإعلان أو الشركة الراعية، وفى الباطن ربما يمتدّ الأمر لأطرافٍ وجماعات يستهدفون رواج خطابٍ بعينه، ويسعون لاختراق البيئة الاجتماعية من منافذ غير مُباشرة. سوَّق «الإخوان» طويلاً لصفوت حجازى والسرجانى ووجدى غنيم وخالد عبدالله وكثيرين غيرهم خارج عباءتهم؛ لتتكشّف الروابط لاحقًا. واتّضح أن حازم أبو إسماعيل، وكان يحتل مسجدًا فى قلب الدقّى لسنوات، غير بعيد عن الجماعة كما يزعم، وحتى أغلب شيوخ السلفية ارتدُّوا لحظيرتها بعدما اختطفت السُّلطة. ليس ثمّة ما يقطع بانتماء شيوخ «السوشيال ميديا» للتنظيم أو لعصابةٍ شبيهة، لكن لا شىء ينفى أيضًا.
ظلَّت مسألة «صكوك الغفران» مثار جدل أوروبى، واتّخذها غُلاة الإسلاميين حجّةً لكثير من دعاياتهم للفتنة والكراهية. الحقيقة أن لا فارق بين مقولة الراهب الألمانى يوهان تيزل: «بمجرّد أن ترنَّ عُملةٌ فى الوعاء؛ فإن روحًا تُبعَث من المَطْهر»، وما يقوله سمسار العُمرة وفريقه من تجَّار التعبُّد السهل والحسنات مسبوقة الدفع. المُضحك أنه فى تبريرٍ مكتوب يلوم أصدقاء الحظيرة/ أهل الدين، بحسب تعبيره، على نقدهم الشبيه بـ«كارهى الدين». هكذا بضغطة زرٍّ، ولتسويغ منفعةٍ مشبوهةٍ، يُسارع للتكفير المُضمَر على عادة الجماعات، ثم يتمادى سفهًا بالقول «لو كنت نصاب فربنا هيحاسبنى»، وتلك من مصكوكات الإخوان فى كلِّ خلاف، أن الخصومة أمام الله. إنه قولُ حقٍّ يُراد به باطل؛ إذ ما يقع فى نطاق الآخرة لا يلغى حساب الدنيا، ولا يُصادر حجيَّة القانون ووجوب إنفاذه. النصب والتربُّح المنحرف والتعليم غير المُرخَّص والتهرُّب من الضرائب جرائم تستوجب الحساب، ومُمارسة الدعوة دون مُسوِّغٍ أو صفة جريمة. ولا مُبرِّر لأن تبقى النماذج المُشوَّهة خارج المُساءلة.
نجحت وزارة الأوقاف فى ضبط المنابر، حتى لو بقيت مُلاحظات على موضوعات الخطب وأداء بعض الأئمّة؛ إلا أن ما جرى فى الملف يستوجب الإشادة؛ لا سيما أنه حرم جماعات التطرُّف من حاضنة استقطابها الأولى، وقد وظَّفت المساجد عقودًا فى تشويه الاعتقاد وتلويث العقول والأرواح. إلّا أن امتداح الجهد لا يمنع السؤال عن دور الوزارة فى مواجهة وعّاظ المنصَّات، وأدوار الأزهر ودار الإفتاء أيضًا، خاصة أن القيامة تقوم لو أدلى مُثقّف أو كاتب أو فنّان برأىٍ لا يُعجب إخوتنا المُعمَّمين، ثم نصطدم بأطنانٍ من الجهل والبذاءة والكراهية والعنف، يبيعها تجار «دين الديجيتال» ولا تُحرِّك المُؤسَّسات ساكنًا. كما يحق أن نسأل عن مواقف وزارات التعليم والثقافة والشباب إزاء دكاكين ومُنتديات باتت ورشةً مفتوحة لصناعة التشدُّد، تحت لافتاتٍ تعليمية أو ثقافية ورياضية.. لماذا لا يُوضع كل ذلك تحت الفحص والرقابة؟ ماذا عن التراخيص والمناهج والعاملين؟ وعن الحسابات المالية والأرباح والضرائب؟ لا يصحّ أن نترك إيمان الناس وسلامهم الروحى عُرضةً لألاعيب أفَّاقين، فى أحسن الظروف تجَّار جشعون، وفى أسوأها وكلاء عن آخرين، يكرهون البلد ولا يدّخرون جهدًا لتشويه الاعتقاد والاجتماع.
أعرف أن هناك نطاقات عمل، وقد تطوَّرت أدوات الاتصال وما يزال التنظيم الإدارى على قديمه. إن قضية «وعّاظ المنصَّات» ودكاكين التنمية البشرية المُتوضِّئة حيويّة ومُلحَّة، وحتى لا تضيع فى الفراغ بين الجهات الرسمية واختصاصاتها، يجب البحث عن صيغةٍ أكثر حداثةً وفاعلية إزاء الغابة الشاسعة. إن كان الأمر يتطلَّب تشريعًا فعلى الحكومة إعداده، أو أن يُبادر البرلمان، وقد يكون مطلوبًا تشكيل هيئة أو لجنة تضمّ الجهات المعنية كلها؛ لتتولَّى وضع قواعد لحوكمة الأنشطة الاتصالية والاجتماعية فى الشارع والسوشيال، وتُتابع سماسرة الدين والتجارة المُقدَّسة فى خطاباتهم وتجارتهم، وتُحدّد ضوابط صارمة يتبعها تفعيل القوانين القائمة أو المُستحدَثة. ليس منطقيًّا أن نمنع المُتطرّفين عن المنابر، ثم نتركهم كالثيران الهائجة فى فضاءٍ غير محدود، وبقُدرات وصول وانتشار تتجاوز مجموع المساجد. إننا حاصرنا الإرهابيين وصُنّاع الكراهية على أبواب بيوت الله؛ لكنهم فتحوا أبوابًا أُخرى لشياطين الفتنة، ينفذون منها دومًا بيُسرٍ وسرعة، وبأرباحٍ طائلة، لا نضمن ألّا تتسرَّب حصَّة منها لفعالياتٍ أردأ وأنشطة أشدّ تطرُّفًا.
لست على وفاق مع ماركس؛ لكنه عندما قال إن «الدين أفيون الشعوب» كان يُوصِّف انحرافًا بالأُمور الروحية لتكون عامل إخضاعٍ للجمهور. حدث ذلك فى كل مراحلنا التاريخية، وكانت جماعة الحشَّاشين من تمثيلاته، كما الإخوان حديثًا. ومع «وعّاظ الديجيتال» يتضخَّم الأثر، إذ تتوافر لهم فُرص الذيوع والإلحاح، والمنصَّات بطبعها تُحب الشعبوية والعاطفية واستمالة القطيع «أثر كرة الثلج». الحادث أنهم يتسرَّبون من شُقوق السيرة والتاريخ وسرديَّات القوّة والعزّة والماضى المُشرق، وبعدما يحوزون وضعًا معنويًّا تتبدَّل خطاباتهم مشفوعة بالهالة النورانية المصنوعة. هنا تتضاعف فاعليّة الخطاب، ويتّخذ الدعائى والتجارى والسياسى سمتًا دينيًّا عابرًا لسؤال القيمة: تصير سمسرة العُمرة جَبرًا للخواطر وحضًّا على الطاعات، وتسويق كُورسات مشبوهة بمصروفات باهظة طقسًا تعبُّديًّا، ودعايات السلع صكَّ جودة ومشروعية، ويُروّج أحدهم لنوع من الدواجن فتُصبح «فراخًا إسلامية»، ويُدافع السُذّج الطيبون عن كل ذلك. لا يفصل العوام بين قلوب الدعاة وجيوبهم، فيندفعون وراء الرسائل المُضلِّلة كأنهم فى حلقة ذِكر؛ بينما تُصرَف الاندفاعةُ مزيدًا من الوجاهة والبنكنوت.
الصيدلى السمسار ليس وحيدًا، لديه شِلَّةٌ عريضة يتبادلون الظهور والدعم، وحولها عشرات المجموعات تتلاقى على أعراف الأخويّات والعصابات: إمّا يتداولون الموثوقية والمدح والعصمة، أو يُرهبون المُنتقدين ويُنكِّلون بهم معنويًّا، وخلفهم طوابير لجان أجيرة أو تطوُّعية «مغسولة الأدمغة».. تضع الفئة الانتهازية نفسها خارج منظومة التشريع الوطنية، فيُغيِّبون القانون بدعوى أسبقية الشريعة، ولأن معرفتهم بالشَّرع تأسَّست على فوضى الصحوة وانتهازية السلفيِّين؛ فإن النصب والتدليس والبيوع الظالمة وجمع المال دون حقٍّ كُلّها من مقبولاتهم. لا غضاضة لديهم أن تُباع سلعة فاسدة أو بأضعاف سعرها: ماذا يضيرك يا كاره الربَّانيين فى أن يُروّج أحدهم لعُمرةٍ تجارية؟ أو يُعلن عن خدمة تنهب الناس؟ أو يبيع العقيدة والتنمية البشرية فى دروسٍ بأربعة أصفار؟ لو كنت مُعترضًا فلا تعتمر، وإن ساءك الخطاب فانصرف عنه، وما دمت رافضًا أكاديميَّته فلا تدفع.. هذا منطق مُختلٌّ بالكامل، أو بالأحرى «لا منطق». يضيرنى ويضير البلد والقانون أن يُصبح التطرُّف بضاعةً رائجة وعالية الربحيَّة، وأن يتصدَّر غير المُتخصِّص فى مكانٍ غير مُرخَّص، بخطابٍ مُنحرفٍ يستهلك الرجعية ويُنتج الانغلاق والطائفية. يضير مصر وثقافتها أن يتلاعب بها أفَّاقون و«تجّار شنطة» يبيعون السماء ويبتذلون الدين والدنيا؛ دعمًا للتطرُّف ونفخًا لحسابات البنوك.. يضير روح المجتمع وفلسفة الجدارة أن يظل السماسرة يُشيعون البذاءة والسخرية والتعريض بأهل الفن والثقافة، وبفئاتٍ كاملة من مناطق أو مستويات اجتماعية، ويقمعون كل مُختلف أو مُعترضٍ على سفالاتهم.. بقاء عصابات الوعظ المدفوع، وتماديهم فى بيع المُقدَّس بالمُدنَّس، جريمة مفتوحة، وانتهاك صريح وغشوم ومقصود للقانون والهويَّة، ووصمة عارٍ لا يجب أن نتأخَّر فى غسلها عن وجه الدين والمجتمع.