أحب الكاتب المعروف الفرنسي المعروف ألبير كامو ماريا كازاراس وظل حبها عائشا في أعماقه وهو ما عبر عنه عبر سلسلة طويلة ومن الرسائل واستمرَّ حبه حتى وفاته المأساوية في حادث سيارة عام 1960، قبل أيام من لقائه ماريا.
وقبل أن يكون كاتبا فإن كامو هو فيلسوف العدم وهذه الرسائل تعيد تعريف الحب من جديد إذ هدم كامو مفهومي عن هذا الشعور الإنساني وأعاد بناءه من جديد، فرغم ما تبدو عليه الحياة من عبثية وسخف ولا منطقية، إلا أن الحب يجد لنفسه طريقاً وسط هذا الخراب، ويمنح كل هذا الوجود الغامض معنىً.
كامو الذي كتب هذه الرسائل مختلفٌ عن ذاك الذي كتب " الغريب" و"الطاعون"، حيث تكشف هذه الرسائل أن هذا الفيلسوف الوجودي على جانبٍ من الرومانسية والرقة إلى الدرجة التي تحمل المرء على البكاء إزاء كمية الجمال المرهف الموجودة فيها.
إنها رسائل تبعث القشعريرة في البدن وتجوس بيدها في خبايا الروح حتى أن المرء ليشعر أنه يطير بعيداً وفي داخله كل براكين العالم تتفجر.
وهنا مع إحدى الرسائل من ألبير كامو إلى ماريا كازاريس
26 ديسمبر 1948، يوم الأحد الساعة العاشرة ليلا
افتقادك هو نهايتي الأكيدة.
يوم بائس. وصلت في هذا الصباح (إلى الجزائر العاصمة) دون أن أتمكن من النوم. كانت الطائرة تشق طريقها من بين النجوم، بنعومة. تحتنا سكينة جزر الباليار، والبحر المليء بالأنوار. فكرت فيك.
قضيتُ يومي كله في عيادة المدينة في مواجهة صرخات امرأة عجوز (خالته) لم تكن تدري أنها على حافة القبر. من حسن الطالع أن أمي كانت هناك. فقد نجت من كل شيء بسبب طيبتها ولا مبالاتها (منها علمت أن الأمور بخير).
هذا المساء، رغبت في السير في المدينة. كانت فارغة كما هي عادتها بعد التاسعة ليلا. الأمطار هنا، عنيفة وزمنها قصير. وانا امشي في هذه المدينة المهجورة، شعرت بنفسي كأني في آخر الدنيا. مع أنها مدينتي عندما دخلت إلى غرفتي (أقيم في فندق) خيل لي في لحظة من اللحظات، أني سألقاك هناك، وأننا سنعيش معا شيئا مذهلا، لكن الغرفة كانت فارغة، فبدأت في الكتابة لك.
لم تغادريني منذ البارحة. لم أشعر أبدا بالرغبة فيك وحبك، بذلك القدر من الشراسة، في السماء ليلا، في الفجر، في المطار، في هذه المدينة التي أحسني الآن غريبا فيها، تحت المطر، في الميناء... افتقادك هو نهايتي أيضا. هذا هو جوابي الذي أردته صرخة ما دمتِ قد طلبت مني ذلك.
ولكن يجب أن انام. أكاد أنهار من قلة النوم. لكني أردت فقط قبل ذلك، أن أقاسمك انشغالات يوم مؤثث بك. سأبقى هنا حتى إجراء العملية الثانية (سافر إلى الجزائر لحضور عملية جراحية أجرتها خالته)، حوالي العشرة أيام. أكتبي لي. تلاحقني الأحاسيس السيئة، التي تدفع بي أحيانا إلى فقدان الأمل، فلا تتركيني وحيدا.
آه حبيبتي، لو فقط تدرين، كم أنا في حاجة ماسة إليك. أشعر بنعومة حملك في داخلي مثل هذا المساء حيث أشتهي أن أموت نوما وحنانا.
أقبلك حبيبتي. طويلا مع السماح لك طبعا بالتنفس قليلا.
يذكر أن ألبير كامو فيلسوف عبثي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي ولد في قرية الذرعان التي تعرف أيضاً ببلدة مندوفى بمدينة الطارف في اقصى شرق الجزائر بالجزائر، وقد حاز جائزة نوبل في الأدب سنة 1957.
تقوم فلسفته على كتابين هما "أسطورة سيزيف" والمتمرد ، أو فكرتين رئيسيتين هما العبثية والتمرد ويتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزاً لوضع الإنسان في الوجود، وسيزيف هو هذا الفتى الإغريقي الأسطوري الذي قدّر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح، فيضطر إلى إصعادها من جديد، وهكذا للأبد.
يرى كامو أن الإنسان قدر عليه الشقاء بلا جدوى، وقُدّرت عليه الحياة بلا طائل، فيلجأ إلى الفرار إما إلى موقف شوبنهاور: فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أو بالإنتحار، وإما إلى موقف الآخرين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أعلى من الحياة، وهذا هو الإنتحار الفلسفي ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز نفسه في نطاق ما يؤدي إلى نفيه، وإما إلى موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم، فإذا متنا متنا متمردين لا مستسلمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة