هل يجب أن يأخذ مستخدم الإنترنت كل ما يقرأه أو يسمعه فى العالم الافتراضى ومواقع التواصل بجدية؟، سؤال كثيرا ما نسمعه يطرحه بعض من يصيبهم الالتباس والتشويش، فى عالم افتراضى متداخل، بجانب سؤال آخر، هل ما نتعرض له فى العالم الافتراضى معلومات، أم أنه مجرد وجهات نظر أو ربما إعلانات أو دعاية أو ضجيج بهدف الربح أو اللايكات؟
فى عالم الإنترنت والتواصل يصعب التفرقة بين الجاد والهازل، العالم والجاهل، المدعى والصادق، الكل يكتب، ويقدم نفسه على أنه العارف والفاهم وغيره الجاهل، تختلط الحقيقة بالنميمة، والشائعة بالوصفة الطبية، والرأى السياسى بالاستعراض والمزايدة، ومن الصعب البحث عن حوار أو مناقشة، وسط زحام البث الذى لا يعطى فرصة للتفهم والتدبر، والتقاط الأنفاس، حيث إعلانات ملابس داخلية، بجانب الأجهزة الكهربائية وعروض التقسيط المريح، مع إعلانات العقارات والشقق، والأطعمة، مطاعم تقدم عروضا مغرية للبيتزا، وسندوتشات الفول، مع أدوية السكر الطبيعية وأعشاب علاج القولون، مع نصائح للحفاظ على الخصوصية ومواجهة الضعف الجنسى، مركز لإبادة الحشرات.. وأسرار جديدة فى موبايلك، وكيف تحافظ على ثلاجتك من انقطاع الكهرباء، وتقارير اقتصادية تعالج ملوحة المياه، وكيفية صناعة الأندومى وعلاج القولون وتحليل الاقتصاد بدون معلم.
ناس نعرفهم أو لا نعرفهم، الكل يكتب وينشر ويتحدث، وعليك أن تختار أو تعلق أو تكتفى بالفرجة، تقدم العزاء والتهنئة، وتشارك فى تعلم أصول التنمية البشرية، عالم السوشيال ميديا مولد يزدحم بالكلام والضجيج، ويصعب فيه التفرقة بين رأى قيم أو جديد، وحتى التاريخ لا يسلم من حكايات مغلوطة، وقصص مفبركة، تضع المستخدم أمام زحام يجد من الصعب عليه التمييز، أو التوصل إلى رأى، بل إن عددا من زعماء العمق، يختارون البقاء عند إطلاق واستهلاك الطاقة السلبية وترويج الصورة السوداء للعالم، ونشر الاكتئاب بين المستخدمين.
المستخدم العادى يجد نفسه عرضة لآلاف البوستات والفيديوهات والمقاطع، وأخبار النميمة، الطلاق بين اثنين كانا قبل ساعات يحتفلان بصور السعادة، واللقاءات والعلاقات المتماسكة، عروس تسجد فرحا بعريسها، وبعد أسابيع تشن عليه هجوما كاسحا تتهمه بكل المظالم، ونجم يحتفل بزفافه، وفى الذكرى الأولى يتلقى هجمات من كل الأنواع من قبل زوجته التى كانت تتغزل فى مناقبه وأوصافه، يتحولون إلى «تريند» فى كل مرة، مثلما يمكن صناعة تريند حول كل شىء، بقليل من الاحتشاد والترتيب بين لجان وأفراد وحسابات وهمية ومجهولين يعملون بالأجر.
فى عالم «فيس بوك، وتويتر، وإنستجرام، ويوتيوب وتيك توك»، و«جوجل» زحام واختلاط وتداخل، بوستات وموضوعات جادة، تتوه وسط ضجيج الهزل والنميمة، وحتى بعض عمقاء السياسة ممن يقدمون أنفسهم على أنهم يعرفون أعماق الأمور، يتحولون إلى مجرد شتامين وناقلى ومستهلكى شائعات، من أجل تحصيل اللايكات والقلوب الحمراء، ودعاة ديموقراطية وحريات رأى، يشنون هجوما بالشتائم على خصومهم، ويتهمون كل من يختلف معهم أنهم «لجان»، وقادة وزعماء يستسهلون البلوك ضد كل مختلف معهم، مع أنهم الأكثر حديثا عن حرية الرأى، ومن أبرز مظاهر معارك السياسة الافتراضية، هذا العراك، والعجز عن الدخول فى حوار حقيقى، أو أن يبقى الناشط العميق عند رد الفعل، يهاجم كل ما يحدث من دون قدرة على اقتراح فكرة أو تقديم وجهة نظر.
فى كتابى «السيبرانى» أن المواطن العالمى يمكن أن يبقى بعيدا عن أدوات هذا العصر، لكن طالما امتلك حسابا على «فيس بوك، تويتر، واتس آب، إنستجرام تيك توك».. فهو فاعل ومفعول به، لا يمكنه أن ينجو من الإعلانات والدعاية، وأنه واحد من مليارات البشر نزلوا البحر الافتراضى، وعليهم أن يعوموا، بأيديهم وأرجلهم ورؤوسهم، لكن وسط هذا، فإنه المستخدم يضحى بجزء من خصوصيته، بجانب أن من يمتلك عقلا، عليه أن يسعى لاستعماله، فى فهم أن عالم الافتراضى، ويعرف أن «هؤلاء الذين تسمعهم وتنقل عنهم، وتتعاطف معهم أو تلعنهم أو تستنكر سلوكهم وعدوانيتهم وعنصريتهم، أو تحيى شجاعتهم، هم زملاؤك فى الإنسانية، ناس العالم الطبيعى، تراهم فى الشوارع وتجاورهم فى السكن، وفى مقاعد المترو، ومكاتب العمل، وربما فى نفس الشقة.. بشر تعرضوا لجرعات من الإشعاع السيبرانى، بشكل غير قليل من طبيعة التفاعل، يمنح البعض شجاعة إضافية، حذرا، أو قناعا».
ونقول هذا بمناسبة زحام يظن البعض أنه جديد، بينما هو من أعراض عصر زحام افتراضى، يقدم الكثير من الضجيج، ويتطلب عقلا يميز بين الحقيقى والافتراضى.