عصام محمد عبد القادر

مهددات الأمن القومي المصري.. رؤى المعالجة

الأربعاء، 10 يناير 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن ما ينتويه الغير من ضرر، أو إلحاق أذى، أو تدمير، أو معاقبة، أو ما يشكل عملًا عدائيًّا، أو ما في حكم العمل العدائي، المباشر وغير المباشر، المعلن منه وغير المعلن، سواءً أكان داخليًا أم خارجيًا، يطلق عيه مهدد من مهددات الأمن القومي، ومن ثم يتوجب على الدول مواجهة هذا التهديد بغرض فرض حالة الأمن والأمان بربوع الأوطان، وفق أدواتها الفاعلة التي تستخدمها لهذا الغرض، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تلبية متطلبات الشعوب التي تحقق لها كافة الاحتياجات بتنوعاتها المختلفة.

 

ويأتي الوعي المجتمعي الصحيح في مقدمة الأدوات التي تستطيع الدولة أن تواجه به التحديات والمهددات المحدقة بها؛ حيث يُعد الوعي الصحيح لبنة الأمن المجتمعي الرئيسة التي يتحقق من خلالها الاستقرار الداخلي للمجتمعات، ويسهم في تعزيز الثقة المتبادلة بين المجتمعات والحكام ومؤسسات الأوطان؛ فيحبط من مخططات الحروب النفسية التي تستهدف تفكيك نسيج هذه المجتمعات ليدب الصراع والخلاف والنزاع، ومن ثم تعجز مؤسسات الدول من الحفاظ على كيان الدولة والمجتمع في آن واحد.

 

وما تقوم به الدول من تعضيد للعلاقات مع دول العالم والجوار يحقق سياجًا للأمن على مستواه الإقليمي والعالمي، ويحدث نوعًا من التناغم في تبادل المصالح المشترك التي تقوم على قيم ومبادئ مشترك ومنفعة غير منقوصة تحقق السيادة والاحترام لجميع الأطراف، ويزداد من الوقت الثقة المشتركة للتنوع آليات التعاون والشراكة لتشمل شتى الأطر الاقتصادية وغير الاقتصادية؛ حيث يصبح هناك تقارب وانسجام فكري وثقافي تؤكده وتدعمه الشعوب من خلال انصهارها مع بعضها البعض.

 

ورغم ارتفاع وتيرة الصراعات في المنطقة والعالم بأسره؛ إلا أن طرائق ومسببات التهديد لا تعتمد فقط على التهديد العسكري كركيزة أولية؛ لكن هناك استراتيجية تقوم على تمويل المعارضة الداخلية للوطن لتبدأ في التشكيك والعمل على التشتيت والتوجه نحو إضعاف الثقة بين المؤسسات الوطنية وأفراد المجتمع، وإظهار مواطن الضعف أو الاخفاق مقابل إغفال الانجازات أو التقليل منها، ومن ثم تؤدي المعارضة غير المسئولية بشكل منظم ومتصل لتحقق ما يرسم لها من أهداف من قبل الجهات الممولة المتحكمة في تحركاتها، وغالبًا ما تكون خارج إطار الدولة المستهدفة.

 

وتتباين صور مهددات الأمن القومي من بلد لآخر وفق مسلمة رئيسة تتمثل في تحديد نقاط الضعف التي تنتاب المجتمعات المستهدفة لتصبح المدخل الرئيس لتقوية المهدد النوعي؛ فإذا ما كان هناك فتن عرقية، أو صراعات قبلية، أو نزاعات طائفية، أو مشكلات اقتصادية، أو تباينات فكرية وايدولوجية، أو فروقات طبقية قائمة على تحقيق المصالح الشخصية، أو غيرها ذلك من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات في فترة زمنية أو مكانية ما، وبالطبع يرجع التقدير لدراسات مستفيضة يقوم بها أصحاب المآرب التي تستهدف تهديد الأمن القومي في دولة ما وفق أجندتها الخاصة.

 

وعلى الدول والمجتمعات المتحضرة أن تقوم مسئوليتها إزاء ما يحدث من حروب في العديد من الأماكن بحج قد تكون مقبولة واخلاقية وقد لا تكون كذلك وتعتمد على طرف يمتلك القوة والعتاد في مقابل طرف آخر ضعيف، وهنا ينبغي مراعاة سلبيات وعواقب الحروب في حد ذاتها على الطبيعة البشرية وعلى ثقافة المجتمعات وما تورثه من أحقاد وضغائن وكراهية تورث جيل بعد جيل، والدول التي تتخذ سبيلًا لشيطنة الآخر وتعظم من خطورته وأنه معول تهديد للعالم والمحيطين به، عليها أن تتوقف؛ فالأمور أضحت كاشفة والحقائق يستحيل تزييفها؛ فقد بات العالم قرية صغيرة يصعب عبر أدواته تغييب الضمير الإنساني للبشرية جمعاء.

 

والدولة المصرية لم تكن في يوم من دعاة الحروب واستخدام العنف فيما يواجهها من تهديد لأمنها القومي؛ نظرًا لأن سياستها واضحة في هذا الشأن وتاريخها خير شاهد، ورؤيتها لتكلفة الحرب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي مبررة، ورغم ذلك لا تخضع ولا تستسلم لأمر واقع يضعف من سيادتها ويفتر من عزيمتها؛ لكن استخدامها للقوامة العسكرية نراها جاهزة حينما لم يبق في قوس الصبر منزع؛ عندئذ تصبح التضحية واجب يسعى إليه جموع الشعب، بل ويتسابق في سبيل الفوز بها؛ لنيل شرف الشهادة في سبيل عزة وشرف الوطن ورفع رايته عالية خفاقة، وهذا ما فطن إليه وأدركه العالم بأسره.

 

ولندرك أن الوعي بمهددات الأمن القومي المصري الداخلي منه والخارجي لدى جموع الشعب المصري يُسهم بصورة فاعلة في تعزيز سياج المسئولية الاجتماعية المنوط بها أمران مهمان هما تحقيق الاستقرار الداخلي وتقوية الروابط بين أطياف الشعب، وتأكيد الثقة وتجديدها في قيادات ومؤسسات الوطن، ومن ثم العمل على دعم ما تتخذه القيادة السياسية من إجراءات لحماية الأمن القومي المصري.

 

إن بوتقة الأمن القومي وما يشمله من متنوع اجتماعي وسياسي وعسكري واقتصادي وتعليمي وصحي وبيئي، يستلزم أن يستوعب محدداته ومهدداته ومخاطره وسبل تأكيده جميع أفراد المجتمع دون استثناء، وهذا أمر يتوجب أن تتبناه مؤسسات الدولة لتعضد في النفوس القيم والعادات المصرية النبيلة، وتشكل الهوية الحضارية والثقافية التي تدعم الولاء والوطنية وفق ما يتحلى به المجتمع المصري من خلق يُعد السياج المنيع ضد مهددات الأمن القومي المتنوعة والمتجددة المصدر والآليات.

 

حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة