أفريقيا تلك القارة السمراء التي تتسم بالشباب والفتوة تلك القارة الشاسعة والمتنوعة الخصائص، بداية من جمالها الطبيعي إلى تراثها الثقافي الثري؛ فهي موطن لبعض المناظر الطبيعية الأكثر تنوعا وغني على وجه الأرض، من الصحراء الكبرى إلى الغابات المطيرة المورقة، والحياة البرية شديدة التعقيد.
ونرى أن التنوع البيولوجي في أفريقيا مثير للإعجاب والانبهار، ويدعو إلى التفكر في خلق الله وقدرته وإبداعه؛ فتتوافر فيها النباتات النادرة والمتعددة الاستخدام والوظيفة؛ حيث يستخدم الكثير منها للأغراض الطبية؛ بالإضافة إلى أنها مصدر فخر لما تتمتع به من مقدرات وعامل جذب رئيس للسياح من جميع أنحاء العالم وكل ذلك يتطلب اهتمامنا واحترامنا وفتح آفاق للتعاون بكافة المجالات.
وباتت جهود التنمية في القارة السمراء حثيثة وتسعى بكل قوة لأن تحد من الأزمات والمشكلات والصعوبات التي تمخضت عن مواريث الفقر والجهل منذ زمن ليس بالبعيد، والتي سببت النزاعات المسلحة، ونتج عنها تفشي الأمراض الوبائية منها والمزمنة، ومن ثم أضحت البنى التحتية متهالكة؛ فلا مكان للقوانين والتشريعات وتفعيلها عبر حوكمة تخلق نظامًا منضبطًا يقضي على سبل الفساد المتعددة، ويهيئ لمسار التنمية والنهضة في هذه القارة المليئة بالخيرات.
ولهذا ندرك مدى ارتباط الدولة المصرية بالقارة السمراء؛ فالقواسم ليست فقط على المستوى الجغرافي؛ لكن عمق التاريخ واتساق الثقافة، والقيم بينهما المشتركة في الكثير منها، واللغات متقاربة في مكنونها وبعض معانيها ومغزاها، كما أن الروابط السياسية قوية للغاية، ومن ثم بدت حلقات التعاون أصيلة وحلقات المصالح متشابكة فيما بينهما، وهذا الأثر الفاعل انتقل إلى المحيط العربي بشكل وظيفي تترجمه أطر الشراكة الاقتصادية المتعددة والمتنوعة والفاعلة.
والشراكة بين الدولة المصرية أصيلة وليست بالمستحدثة، ومن ثم فإن إحياءها بما يحقق النفع المشترك أمر ليس بالصعب، فترقب حدوث النهضة في كثير من الدول الأفريقية أضحى أمرًا ملموسًا، وهذا مرجوعه استند على أمرين تمثلا في ثروة بشرية ومقدرات مادية لا يستهان بها؛ لذا الوصول لمعدلات النمو المنشودة ممكنة في هذه القارة المليئة بالفرص وسوق العمل والتجارة الواعد.
إن ما يشهده العالم الآن من تكتلات اقتصادية صار أمرًا واقعًا؛ فالشراكة تبنى الدول وتحقق التطلعات وتلبي الاحتياجات وتفتح مسارات للاقتصاد والاستثمار بصورة كبيرة؛ فمصر من الدول المطلة على البحر الأحمر مشاركة مع العديد من الدول الأفريقية، وهذا ما يمكن من تحقيق شراكة مستدامة تحكمها خطط استراتيجية بعيدة المدى تسهم في تدفق الاستثمارات على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، ومن ثم تصبح الدولة المصرية رأس الحربة في هذا المضمار المثمر.
كما أن مصر شريكة حسب موقعها المتميز في الساحل والصحراء التي يجتمع معها بلدان المغرب العربي وبعض الدول الأفريقية، والجميع يواجه ذات التحديات التي تسمى الأمنية الجيوسياسية، وهذا بكل تأكيد يستوجب التعاون في صورته الحيوية لكل مسارات التنمية التي تؤدي بطبيعة الحال لتقوية العلاقات أكثر مما هي عليه، بما يحقق ماهية الأمن القومي الحدودي التي تسعى دول العالم في إيجاده.
وتبذل القيادة السياسية المصرية ومؤسسات الدولة المعنية جهودًا حثيثة لـتعضيد علاقات الشراكة الفاعلة مع شتى الدول الأفريقية بوجه خاص؛ حيث تعتمد على معلومات وبيانات موثوقة وتحليل عميق يساعد في إقامة اقتصاد مشترك يحقق أقصى استفادة لطرفي المعادلة، ويفتح مجالات تعاون متعددة تعتمد على تعظيم الموارد للطرفين، وفق معايير جودة عالمية تحقق التنافسية والريادة التي تصبو إليها الدول، وتعد عامل رئيس لبلوغ النهضة المستحقة.
وقد سارعت الدولة المصرية بتوجيهات من قيادتها الحكيمة للمشاركة في تفعيل الأجندة الأفريقية (2063)؛ لتصبح الشراكة أمرًا واقعيًا يدر الخير على الجميع ويحقق الغايات الكبرى للدول وفق خططها الاستراتيجية؛ فهناك مشروع الربط بين طرفي القارة الشمالي والجنوبي بواسطة الممر الملاحي النهري بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط من خلال مجرى نهر النيل؛ ليكون حجر الأساس للسوق الإفريقية المشتركة.
وجدير بالذكر أن هذا الممر يعد منفذًا رئيسًا وحيويًا لتبادل البضائع ويمكن الدول الأفريقية التي لا يتوافر لديها ملاحة بحرية من وصول منتجاتها إلى السواحل الشمالية للقارة، بما يحقق نهضة اقتصادية عظمى لكثير من الدول في مقدمتها تنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وشماله وغيرها، وهذا يؤدي قطعًا لثراء المراحل التجارية بين دول حوض النيل والعالم الخارجي من خلال البحر المتوسط.
وفي مجال السلم والأمن فهناك تحديات تواجهها دولتنا لاستدامهما، وهو ما بات يفرض، الالتزام بعدد من المحددات والمبادئ الرئيسة، وأهمها ضرورة احترام حق جميع شعوب الدول الإفريقية في الحياة، وتسوية النزاعات والصراعات والقضايا التي تهدد هذا الحق إلى جانب الحفاظ على المؤسسات الوطنية، باعتبارها العمود الفقري لاستقرار الدول وأمن وأمان شعوبها، وضمان الحفاظ على مصالحها العليا.
إن إطار تعاون الدولة المصرية والقارة الأفريقية يشكل لبنة مهمة في بناء الجمهورية الجديدة في ظل عصر مفتوح، تغيرت النظرة العالمية تجاه هذه القارة عظيمة الموقع والمورد، وقد أكدت الدولة المصرية استعدادها للعمل بكل جدٍ وإخلاص، لتعميق التكامل الاقتصادي بين دول الإقليم، ودفع معدلات التنمية، واستمرار التنسيق والتعاون في إطار الاتحاد الإفريقي ومواصلة جهود دعم بنية السلم والأمن والتنمية، في القارة الإفريقية بما يمكنها من تجاوز التحديات، ويسهم في رفع مستوى معيشة شعوبنا وتحقيق الرخاء والاستقرار، لسائر أبناء قارتنا العريقة والشابة.
حفظ الله بلادنا وقيادتنا وقارتنا وسدد خطى القائمين على نهضتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة