هناك فرق بين انعكاسات أزمة عالمية فى الاقتصاد والأسعار، وبين ظهور سلوكيات احتكارية واستغلال وتلاعب يتطلب مواجهة حاسمة، نقول هذا بمناسبة المواجهة التى تمت فى مجلس النواب، مع وزير التموين بصفته المسؤول عن توافر السلع وضبط الأسواق، وقدم النواب 91 طلب إحاطة، وأسئلة حول سبل رقابة الوزارة على الأسواق لمواجهة الاحتكار وارتفاع الأسعار ونقص بعض السلع، وتساءلوا عن خطة الوزارة فى الحفاظ على المخزون الاستراتيجى من السلع الأساسية، وزير التموين أجاب على الطلبات والأسئلة جملة، وتحدث عن التوريد والأسعار.
حديث النواب بالفعل يشير إلى وجود سلعة واحدة بأكثر من سعر، وارتفاعات كبيرة فى أسعار سلع لدينا فيها اكتفاء ذاتى، مثل الأرز والسكر، اللتان تضاعف إنتاجهما بشكل كبير لكن مع هذا لم تشهد أسعارهما أى توازنات.
والواقع أن الطلبات لا تتعلق فقط بوزير التموين لكنها توجه إلى الحكومة باعتبارها المسؤول عن وجود استراتيجية للتعامل مع السوق، جزء منها الأسعار، والآخر وجود خطط لتوفير بدائل ومستلزمات إنتاج للصناعات المرتبط بالغذاء، مثل الألبان والدواجن وغيرها، حيث يفترض أن تتحرك الحكومة من خلال تكامل وصولا إلى فرض توازن بالسوق.
الأسعار ارتفعت عالميا نتيجة لانعكاسات كورونا ثم حرب أوكرانيا وأخيرا غزة، لكن الأسعار ترتفع وتثبت وتكون بسعر واحد، وهو ما لا يحدث فى مصر، هناك بالفعل علامات استفهام عن أسباب قفزات أسعار الألبان ومنتجاتها بهذا الشكل بالرغم من وجود إنتاج محلى من الألبان ومع مراعاة أسعار العلف فإن الارتفاع فى أسعار الألبان ومنتجاتها وأيضا اللحوم والدجاج غير منطقية، بجانب أن الأسعار تتغير خلال اليوم أكثر من مرة.
وبالنسبة إلى المستهلك فإن الأهم هو تثبيت أسعار الحكومة حددتها بـ7 سلع هى الزيت والفول، والأرز، واللبن، والسكر، والمكرونة، والجبن الأبيض، وهى السلع التى تثار حولها الأخبار، وتتغير أسعارها بشكل مستمر وتشهد تلاعبا وتخزينا واحتكارا وهناك حملات للرقابة تم خلالها ضبط كميات منها، حيث يتضمن القرار منع تخزينها أو حجبها، ويفترض أن يتم تطبيق القانون بحسم ومعاقبة كل من يخالف بالقانون خاصة التجار الكبار، الذين يصنعون سوقا سوداء، وهناك سوابق للتعامل مع السكر والزيوت، وهى قواعد تتعامل بها دول العالم، فى أوقات الطوارئ، حيث يمكن للدولة تطبيق قواعد الاحتكار ضد كل من يسعى للتخزين أو منع السلعة، وهى قواعد لا تتعارض مع اقتصاد السوق، بل إن قوانين السوق ليست مطلقة، ويجب وضع تشريعات لضبط العرض والطلب، بجانب الدور الذى يجب أن تقوم به الغرف التجارية، للتعامل مع مثل السلوكيات الاحتكارية، التى تتعارض مع القانون.
وبالتالى فإن المواجهة يفترض أن تمتد إلى من يصنعون سوقا سوداء أخرى بالعملة، والشائعات التى تضاعف الأسعار كل يوم، بمزاعم الاستيراد بينما أغلب هذه المنتجات محلية وحتى فى حال ارتفاعات أسعار بعض أدوات الإنتاج فهى لا تصل إلى النسب المضاعفة للسعر.
طبعا بالنسبة للحوم والألبان والدواجن ترتبط بأسعار الأعلاف وبها نسبة من المكون المستورد، صناعة الدواجن توفر اكتفاء ذاتيا، لكنها تعتمد فى الأعلاف على الاستيراد، وارتفاع أسعارها عالميا ينعكس على السعر المحلى، لكن هذا يجرى من دون منطق ولا نسبة وتناسب، الحكومة منذ بداية الأزمة أعلنت عن توفير الاعتمادات اللازمة لإدخال شحنات من الأعلاف، وقد ساهم هذا فى توازن السوق لفترة، وهناك اتجاه من الدولة للتوسع فى توطين صناعات الأعلاف بالشكل الذى يخفف من تأثير الأزمة العالمية عليها، ويساهم فى توفير الأعلاف الكافية لتلبية احتياجات هذه الصناعة، وهو أمر يجب أن تتحدث عنه الحكومة لأنه يمثل جزءا من مسؤوليتها، وقد وجه الرئيس السيسى قبل سنوات أكثر من مرة بالتوسع فى صناعة الأعلاف وتوفير مستلزمات إنتاج لها.
صناعة الأعلاف مطلوبة، وموادها الخام فى الأغلب يمكن توفير أغلبها محليا، وفى ظل دعم الدولة للاستثمار، يفترض أن تتوسع الاستثمارات الخاصة والعامة، فى هذه الصناعة المهمة، اعتمادا على خامات محلية، ويمكن تشجيع مراكز البحوث بالتعاون مع القطاع الخاص والعام لدراسة كيفية إنتاج أعلاف محليا، من خلال تطبيقات لأبحاث بعضها متوافر فى مراكز البحوث الزراعية والدواجن، وفى السابق كانت الأعلاف تنتج من كسب بذرة القطن، أو المنتجات البحرية والنيلية وغيرها، وهى طرق كانت معروفة فى السابق وهناك مراكز بحوث لها باع فى أبحاث إنتاج الأعلاف، وهو أمر يتعلق بالتحرك الاستراتيجى.
وجود أزمة عالمية، يفرض تعاملا شاملا، بخطط للإنتاج والتوفير والتوسيع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة