صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ.. كيف يتم رصد أهلة الشهور الهجرية؟.. والموقف حالة تعذر الرؤية البصرية رغم قطعية الحسابات الفلكية.. وكيف تناول علماء الفلك المشكلة بتطوير معايير حسابية وطرق الرصد

السبت، 20 يناير 2024 08:30 م
صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ..  كيف يتم رصد أهلة الشهور الهجرية؟.. والموقف حالة تعذر الرؤية البصرية رغم قطعية الحسابات الفلكية.. وكيف تناول علماء الفلك المشكلة بتطوير معايير حسابية وطرق الرصد رؤية الهلال - أرشيفية
كتب محمود راغب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ونحن على مشارف بداية شهرى شعبان ورمضان المعظم تتجلى أهمية الحسابات الفلكية التى تحدد من ناحيه الحسابات الفلكية بدايات هذه الأشهر لما لها من أهمية خاصة لدى المسلمين ، ويبقى رؤية الهلال ما بين الحسابات الفلكية والرؤية البصرية أمر فى غاية الصعوبة حيث تعتبر رصد الهلال من أصعب الرصدات الفلكية .
 
كيف يتم رصد الأهلة وما الفرق بين الحسابات الفلكية والرؤية الشرعية؟ وما هو الفاصل فى تحديد بدايات الأشهر الهجرية ؟ وهل الحسابات الفلكية كافية لتحديد رؤية الهلال الجديد ؟ كل هذه التساؤلات وأكثر أجاب عنها معهد الفلك فى تقرير له تحت عنوان رؤية "رؤية الأهلة وحساب التقويم الهجري" أعده الدكتور عبد الفتاح عبد العال جلال رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية الأسبق).
 
المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية مرصد) حلوان (سابقاً) دأب  منذ إنشائه في عام 1839 م على خدمة المجتمع المصري في بعض الأمور التي تتعلق بحياته المعيشية ومعتقداته الدينية، بالإضافة إلى نشر الوعي الثقافي في المجالات الفلكية التي تقع في إطار التخصصات العلمية للمعهد، مثل أرصاد الشمس والكواكب وأقمارها والسدم والمجرات والمذنبات والأقمار الصناعية والأجرام السماوية الأخرى بصفة عامة، وخلال الأعوام المائة السابقة.
 
رؤية الهلال لتحديد بدايات الشهور 
 
 
وتأتي رؤية الهلال الجديد كأساس لحساب وتحديد بدايات الشهور الهجرية في مقدمة المهام الخدمية للمعهد، حيث يقوم المعهد بإجراء الحسابات الفلكية اللازمة لتحديد إمكانية رؤية الهلال الجديد بعد غروب شمس يوم 29 من كل شهر هجري ( يوم الرؤية).
 
ولقد جاء في الحديث النبوي الشريف ( الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً). وفي حديث غيره : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له).
 
وفي حديث آخر: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له). هذه الحسابات تتطلب إثبات وقائع فلكية معينة، للتأكد من ولادة الهلال الجديد من هذه العوامل حساب وقت الاقتران بين الشمس والقمر والأرض، بمعنى اجتماع الشمس والقمر في اتجاه واحد بالنسبة إلى الأرض، ويكون القمر محاقاً في هذا الوضع بطبيعة الحال لذلك، يصعب تحديد حالة الاقتران بالأرصاد العملية، ولكن يمكن تحديدها - وبدقة كبيرة - بواسطة الحساب الفلكي.
 
وأكد التقرير أن رؤية الهلال الجديد من أصعب الأرصاد الفلكية قاطبة، فالهلال الجديد يولد بعد فترة من حدوث الاقتران، تتراوح بين 6 و 16 ساعة، وبذلك يكون موضعه على صفحة السماء بالقرب من قرص الشمس، وقد تطمسه الشمس كما تطمس النجوم نهاراً، وتستحيل رؤيته في هذه الحالة.
 
وتابع : ولكن علينا أن ننتظر حتى تغرب الشمس ونبحث عن الهلال الجديد، إذا كان موجودًا لفترة زمنية كافية لتتبعه ورصده قبل غروبه، ومن هنا تأتي أهمية الحساب الفلكي للاستعداد لعملية الرؤية، حيث يتم حساب فترة بقاء الهلال أو مكثه على صفحة السماء بعد غروب شمس يوم 29 من الشهر السابق (يوم الرؤية) وكذلك الإحداثيات الفلكية لموقع الهلال الجديد بالنسبة إلى قرص الشمس حتى يركز المشاهد فقط على الناحية التي يتوقع ظهور الهلال فيها بالنسبة إلى قرص الشمس أثناء الغروب؛ وبذلك لا يضيع الوقت سدى في البحث عن الهلال في اتجاهات خاطئة.
 
 
يحتاج رصد الهلال لفترة زمنية كافية لرصده بعد غروبها يوم تحري الهلال، وهذا الأمر يتحدد وبدقة كافية  عن طريق الحساب الفلكي، وثانيهما السطوع النسبي للهلال الجديد، مقارنة بلمعان شفق السماء، الذي ينجم عن تشتت ضوء الشمس بعد غروبها بواسطة الغلاف الجوي للأرض، فإذا كان الهلال الجديد باهتا بالنسبة إلى ضوء الشفق، عندئذ يغمره ضوء الشفق وتستحيل رؤيته، أما إذا حدث العكس - أي إن سطوع الهلال يفوق ضوء الشفق - فتسهل رؤية الهلال في هذه الحالة، وقد يتساوى سطوع الهلال مع ضوء الشفق وتصعب الرؤية أيضاً لهذا السبب.
 
ولذلك فإن الحسابات الفلكية قد تقطع بوجود الهلال فوق الأفق عند غروب الشمس في يوم الرؤية، ولكنها لا تضمن رؤية الهلال العوامل جوية فيزيائية بحتة، مثل شفافية الكتل الهوائية ومدى تأثرها بالعوالق الجوية، مثل الأتربة والأدخنة والأبخرة، وللإقلال من هذه العوامل المعوقة يتحتم رصد الهلال من أماكن مرتفعة وبعيدة عن مصادر التلوث الجوي والضوئي. 
 
مشكلة رؤية الأهلة عبر التاريخ 
 
وعبر تاريخ المعهد الطويل تناول علماء المعهد مشكلة رؤية الأهلة، وتم تطوير معايير حسابية وطرق الرصد لإثبات رؤية الهلال الجديد على أسس علمية راسخة، ومن خلال الدعم المستمر من الدولة، أمكن تطوير تكنولوجيات الرصد الفلكي تباعاً لمواكبة التقدم العلمي في هذا المجال، حيث اكتسب المعهد مرصد حلوان سابقاً شهرة عالمية خاصة؛ لما يتمتع به مناخ مصر من صفاء واستقرار يساعدان على إجراء الأرصاد الفلكية بدقة ملموسة ووفرة كبيرة. 
 
 
وأشار التقرير إلى أن المعهد قد تبنى برامج بحثية وثقافية وإعلامية للتصدي للبلبلة التي تحدث عادة لاختلاف نتائج الرؤية في العالم الإسلامي كما شارك علماء المعهد في الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية التي عقدت لبحث المشاكل العلمية لرؤية الأهلة وتحديد بدايات الأشهر الهجرية على أسس علمية موحدة في الأقطار الإسلامية شرقاً وغرباً سعياً إلى الوصول إلى تقويم هجري موحد. 
 
ومن هذه اللقاءات مؤتمر توحيد أوائل الشهور الهجرية الذي عقد في الكويت خلال الفترة من ١٦ فبراير وحتى ٣ مارس عام ١٩٧٣م، ومن المؤتمرات المهمة التي عقدت حول موضوع إثبات رؤية الأهلة وتحديد أوائل الشهور الهجرية وعمل تقويم هجري موحد المؤتمر الذي عقد في إسطنبول خلال الفترة من ۲۷ وحتى ۳۰ نوفمبر عام ۱۹۷۸م، ومن القرارات والتوصيات المهمة التي تم اتخاذها فى هذه اللقاءات، أن رؤية الهلال هي الأصل؛ بشرط ألا تتمكن منها التهم، ومنها مخالفتها الحساب الفلكي، كما أنه إذا تعذرت الرؤية يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي الموثوق به، وكان من هذه اللقاءات التي شارك المعهد فيها بوفد كبير هي ندوة الأهلة والمواقيت والتقنيات الفلكية التي عقدت في الكويت خلال الفترة من ۲ فبراير وحتى أول مارس عام ۱۹۸۹ م الموافق ۲۱ -
۲۳ رجب ١٤٠٩هـ.
 
ولفت التقرير : والمعهد هو الجهة الوحيدة على مستوى العالم الذي قام خلال النصف الأخير من القرن العشرين بإدخال التقنيات الفوتومترية لدراسة الهلال الجديد ومدى تغيرها بتغير الخصائص البصرية للكتل الهوائية في بعض المواقع الجغرافية المختلفة، حيث تركزت هذه الأبحاث المتخصصة في تحديد قياس لمعان شفق المساء ومقارنته بسطوع الهلال عند أطوار وأعمار وإحداثيات فلكية مختلفة، وذلك من خلال حزم طيفية تقع في نطاق حساسية العين البشرية.
 
 
الكسوف الشمسي فرصة لرصد المحاق والقمر يعبر قرص الشمس قبل ولادة الهلال الجديد
 
ولقد تم ربط رؤية الهلال ببعض الحقائق الفلكية الثابتة، مثل ظواهر الكسوف الشمسي والخسوف القمري واستخدمت هذه الظواهر كضوابط لبدايات ومنتصف الأشهر الهجرية، فالكسوف الشمسي يحدث عندما يكون القمر في مركز المحاق عند بداية الشهر القمري، وتكون الشمس والقمر والأرض في وضع الاقتران التام، أي أن مراكز الأجرام الثلاثة تكون على استقامة واحدة، بل إن الكسوفات الشمسية هي الفرصة الوحيدة التي تتيح رؤية المحاق وهو يعبر قرص الشمس وتظلم السماء وتعود الطيور إلى أوكارها عندما يحجب المحاق قرص الشمس كلية في حالة الكسوف الكلى. فكما أن ولادة الهلال الجديد تأتى مباشرة بعد حدوث الاقتران، فإن حدوث الكسوف الشمسي الذي هو بمنزلة اقتران تام يبشر بقرب ولادة الهلال الجديد، ويمكن القول إنه لا رؤية للهلال الجديد قبل حدوث الاقتران أو قبل حدوث الكسوف الشمسي.
 
الخسوف القمري علامة على منتصف الشهر القمري حيث تكتمل استدارة البدر
 
 
ومن الناحية الأخرى يحدث الخسوف القمري عندما يكون القمر بدراً في منتصف الشهر الهجري، وهذا يعنى أن توقيت الخسوف القمري يتوافق عادة مع منتصف الشهر الهجري إذا كانت البداية لهذا الشهر قد تم تحديدها بالدقة الكافية التي ترتكز إلى الأسس العلمية، وفى هذا الصدد يتم متابعة اكتمال القمر بدراً في منتصف الشهر القمري ومقارنة النتائج العملية بنتائج الحسابات الفلكية لتحديد وقت اكتمال البدر. وربط إثبات رؤية الهلال ببعض الحقائق الفلكية الثابتة مثل الكسوف الشمسي.
 
ولقد كان لنجاح المعهد في تتبع هذه الظواهر ورصدها في التواريخ والأوقات التي تحددها الحسابات الفلكية وإعلام الجمهور ورجال الشرع عن ذلك مردود إيجابي، أشاع الثقة بالحساب الفلكي والأرصاد العلمية، حيث اعتبرت الرؤية التي لا تتفق مع الحساب الفلكي الموثوق به بمنزلة الرؤية المردودة التي تتملك منها التهم، هذا بجانب التعاون الوثيق بين المعهد ودار الإفتاء المصرية، الذي أدى أيضاً إلى تطوير لجان استطلاع الهلال، بحيث تشتمل على متخصصين لهم دراية بالأرصاد الفلكية، وكذلك اختيار مواقع لرصد تتبع اكتمال البدر
 
 
وداوم المعهد منذ إنشائه على إرسال تقارير شهرية عن ظروف رؤية الهلال الجديد إلى دار الإفتاء المصرية، والمشاركة في تحري رؤية الهلال باستخدام المناظير الثابتة والمحمولة من مواقع عدة مختارة لهذا الغرض، وإرسال تقارير الرؤية إلى فضيلة المفتي لاتخاذ القرار الشرعي المناسب نحو بداية الشهر الهجري الجديد، وذلك بالتنسيق مع دور القضاء الشرعي في العالم العربي.
 
رصد الهلال الجديد من أصعب الأرصاد الفلكية
 
ولكن حتى الآن لا تزال رؤية الهلال الجديد وهو في المهد من الأرصاد الفلكية الصعبة التي تستعصي على الراصدين في جميع أنحاء العالم، وقد يتطلب الأمر استخدام الوسائل الفضائية التي سوف تساعد على تجنب التأثير المعوّق لجو الأرض على رؤية الهلال الجديد عند مسافات قوسية صغيرة بالنسبة إلى قرص الشمس، وهذا ما أثبتته الأبحاث الحديثة التي أفادت بأن الهلال الجديد يمكن رؤيته بواسطة الأقمار الصناعية على بعد درجتين قوسيتين من قرص الشمس، في حين تصل هذه الزاوية إلى ٧.٥ درجات تقريباً لإمكانية الرؤية على سطح الأرض، وهذا ما يجعل رؤية الهلال صعبة في معظم الأحوال، ولا تتحقق الرؤية إلا بعد فوات يوم أو يومين على الأقل من لحظة الميلاد، وبذلك تكون بداية الشهر الهجري في الغالب مشوبة بعدم الدقة.
 
 
وتتبنى دار الإفتاء المصرية نشر لجان استطلاع الهلال على نطاق واسع في جمهورية مصر العربية بمشاركة أعضاء المعهد لاختيار أفضل الأماكن للرؤية بعيداً عن أضواء المدن.
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة