بدأت المسيرةُ بالتوازى قبل قرابة سبعة عقود. وبينما قطعت إسرائيل شوطًا بعيدًا، إلى حدِّ امتلاك برنامجٍ عسكرى وترسانةٍ ضخمة من الرؤوس الحربية، تجمَّدت التجربةُ المصرية عند قدراتٍ محدودة، غايتها البحثُ العلمى وإنتاجُ النظائر المُشعَّة للاستخدامات الطبية والصناعية. والعودةُ للفكرة من نقطة الصفر إنما تُشكّل احتياجًا حقيقيًّا؛ لزاوية الاقتصاد وإعادة تكوين مزيج الطاقة، والاستفادة من مَوردٍ مُهمٍّ حال توظيفُه المُنحرفُ من القوى الكبرى، دون أن تستفيد منه الأسواقُ الناشئة.. إنَّ مشروع مُجمَّع المحطَّات النووية في الضبعة ليس مُجرَّد تحريرٍ للآمال المصرية من قيود الماضى، ولا دخولاً فى الحاضر والمستقبل بمنطق الحداثة وتقنياتها؛ بل هو أوّلاً وقبل كلِّ شىء تعبيرٌ عن استقلال الإرادة الوطنية، وعن الخروج من دوائر الاستقطاب والحصار التى ضُرِبَت حولها طويلاً، واستعادة القدرة على التخطيط والبناء بمَعزلٍ عن أيَّة حسابات خارجية، وأيَّة مزايدة ومُناكفات بين الخصوم العالميين.
ما حدثَ أمس الثلاثاء، بمُشاركة الرئيسين السيسى وبوتين فى الاحتفال ببدء الصبَّة الخرسانية الأولى لرابع مُفاعلات المحطَّة النووية، يُتوِّج جهدًا مُتّصلاً فى المشروع منذ توقيع اتفاقيته بالعام 2015. المُخطَّط يمتد على مساحة 45 كيلومترًا مربعًا، بواجهةٍ بحرية 15 كيلومترًا على المُتوسّط، وثمانية مراحل أُولاها تشمل 4 مُفاعلات بطاقة 4800 ميجا وات، وتكلفة 20 مليار دولار يُموَّل أغلبُها بتسهيلاتٍ روسية طويلة الأجل. وقد شهدت السنواتُ الماضية تنفيذ صبَّات ثلاثة مُفاعلات، وتركيب جهاز احتواء المواد المُنصهرة «مصيدة قلب المفاعل الأول» خلال أكتوبر الماضى، بينما يبدأ التشغيلُ الفعلىّ بعد أربع سنوات. وكان الاختيارُ قد وقع على «روس آتوم» بعد منافسةٍ مع 5 شركات عالمية أخرى؛ إذ قدَّمت العروض الأفضل فنيًّا وماليًّا، بجانب اعتباراتٍ سياسية وأمنية إضافية لا يُمكن إغفالها.
العلاقاتُ المصرية الروسية قديمةٌ وراسخة. بدأت مع الاتحاد السوفيتى بتبادُلِ البعثات الدبلوماسية قبل أكثر من قرن، ثمّ تفعيل التعاون بأوَّل اتفاقية اقتصادية بالعام 1948، وتضاعَف الاتّصالُ بعد ثورة يوليو وزيادة التقُارب مع موسكو. شهدت المرحلةُ منذ أواخر الخمسينيات إلى حرب أكتوبر 1973 نموًّا عظيمًا في الصِّلة والشراكات، وحضورًا للخبراء الروس وبرامج الدعم الفنى والبعثات التعليمية، وكانت البصمةُ واضحةً فى مشروعات نوعيّة مثل مُجمَّع صناعة الحديد والصلب فى حلوان، ومُجمَّع الألومنيوم بمدينة نجع حمادى القناوية، ودُرّته مشروع السد العالى الذى احتفلنا قبل أيام بمناسبتى وضع حجر أساسه وافتتاحه. وقتها عانت مصرُ من تصلُّبٍ أمريكى أجبر البنك الدولى على الانسحاب من تمويل السدّ؛ فاضطُرّ الرئيس عبد الناصر لاتخاذ خطوة تأميم القناة، ثمّ نفَّذ دُرّة الأعمال الهندسية والتنموية فى القرن العشرين بالتعاون مع الحليف السوفيتى.
كان انحيازُ واشنطن ناتجًا عن تداخُلٍ واضح بين تأثيرات الحقبة الكولونيالية الآفلة، ومحاولات تثبيت دولة الاستيطان الإحلالى «إسرائيل» فى جغرافيا فلسطين. بدا فى وقت العدوان الثلاثى أن البيت الأبيض قد يكون مُحايدًا؛ إذ وجَّه إنذارًا صارمًا لتحالف الصهاينة مع بريطانيا وفرنسا؛ لكن الأمر لم يكن يتجاوز التعبيرَ عن الحضور وبدء مسار الهيمنة على الإقليم، إذ عبَّر سريعًا عن عداءٍ صارم لكلِّ ما يُبشِّر بنهضةِ مصر، أو يُوطِّد علاقتَها بالفاعلين الدوليين. أمَّا صداقتنا مع السوفييت فلم تهتزّ تحت أى ظرفٍ، ولم تتبدَّل إلى عداء؛ حتى عندما قرَّر الرئيس السادات طردَ الخُبراء الروس قبل أكتوبر. جوهرُ الاختلاف أن الإمبراطوريّة الشرقية ما أوغلت فى لعبة خلط الاقتصاد بالسياسة كما لدى مُنافستها الغربية، وما سعت إلى الوصاية باستعباد الآخرين واحتكار قرارهم. وروسيا الحديثة ورثت شيئًا من روح الاتحاد، وأشياء من فلسفة الليبرالية التى كانت تُعاديها؛ فصار بإمكانها أن تُوازِن بين مصالحها وحاجات الشركاء، وأن تُؤسِّس علاقاتٍ صحيةً على قاعدة من الاتزان والندّية، وليس بمنطق القَهر والاستتباع كما يُغرَم الأمريكيون.
أوّلُ مشاهد الحلم كان فى 1954، بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتى على إنشاء مُفاعلٍ للبحث والتدريب، افتتحه «عبد الناصر» فى أنشاص الرمل بالشرقية بعد أربع سنوات. ثم تأسَّست لجنة الطاقة الذرية فى 1955، وبعدها أُبرِمَ تعاقُدٌ مُوسَّع مع الشركاء الروس، كان من المُقرَّر أن يُفعَّل بمنشأةٍ طاقتها 150 ميجا وات تتضاعف إلى 600 فى غضون عشر سنوات، وبدأ العمل عام 1964؛ لكن هزيمة يونيو أوقفته. فى السنة التالية للحرب وقَّعت مصر على مُعاهدة الحدِّ من انتشار الأسلحة النووية؛ لكنها اضطُرَّت لإرجاء التصديق عليها بعدما تكشَّف أن العدو الصهيونى يُطوِّر برنامجًا غير سِلمىّ. فى المقابل كانت تل أبيب قد أسَّست مُجمَّع «ديمونة» بشراكةٍ فرنسية، وتوحَّشت فى تطوير قدراتها العسكرية، ورفضت توقيع المُعاهدة الدولية إلى الآن، وغطَّت سلوكها المارق بسياسة تكتُّمٍ لم تعترف فيها رسميًّا بامتلاك أسلحة دمار شامل.
الصهيونيةُ نفسها تُشبه القنبلةَ النووية؛ إذ هى فكرةٌ إلغائية غايتها أن تشطُبَ شعبًا كاملا وتُطهِّر الأرض من ساكنيها. ربما لهذا كانت أفكارُها التخريبية مُرافقةً لتحرُّكاتها السياسية، وكما بدأت عصابةً مُسلَّحةً تضخّمت لتصير دولة، فقد بَنَت مرافقَ حُكمها بتزامنٍ لصيقٍ مع بناء ذراعها التدميرية. تسلَّطت الفكرة على عقل «بن جوريون» منذ البداية، وسعى مع ديفيد بيرجمان «مؤسَّس المشروع النووى» للاستفادة من خبرات أينشتاين وأوبنهايمر وآخرين من علماء اليهود. بدأ المسلح الجيولوجى للنقب منذ 1949، وطوَّرت وحدةُ العلوم التابعة للجيش أبحاثًا بشأن استخراج اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل، باعتهما لفرنسا عربونًا للتعاون، ومن هنا حصلت على مُفاعلها الأول. وخدعت واشنطن بموجب اتفاقية تفاهُمٍ فى 1965 بادِّعاء أنها لن تُطوِّر قُدراتٍ عسكرية، ولن تكون الأولى فى إدخال سلاح الدمار الشامل للمنطقة. لا شكّ فى أن الولايات المتحدة اكتشفت الكذبةَ سريعًا، وتصالحت معها بإيقاعٍ أسرع؛ لكن الفضيحة تفجَّرت علنًا بهروب الفنى موردخاى فانونو إلى بريطانيا، وتسريبه تفاصيل دقيقة عن البرنامج النووى الذى عمل فيه تسع سنوات، وأخيرًا الاعتراف الصريح لوزيرٍ من حكومة نتنياهو، عميحاى إلياهو حامل حقيبة التراث؛ حينما طالب بإلقاء قنبلةٍ نوويّة على غزّة.
قبلَ أقلّ من عقدين عادت مصر لأحلامها القديمة، وكانت جمَّدتها بعد كارثة تشرنوبل الأوكرانية منتصف الثمانينيات. المُخطَّط المُعلَن فى 2006 كان يتضمَّن تفعيل البرنامج لإنتاج 1000 ميجا وات خلال عقدٍ واحد، وكانت التكلفة المُقدَّرة وقتها 1.5 مليار دولار؛ وتباطأ العمل فاندلعت فوضى 2011 وما بعدها من استنزافٍ طويل مع الإرهاب. ما كان سيُكلّفنا 6 مليارات دولار على الأكثر قبل 2011 يتجاوز اليوم ثلاثة أضعاف ذلك. كلُّ تأخيرٍ فى التنمية والبناء يُكبِّد المُستقبلَ أعباء أشدّ ثِقلاً وإرهاقًا؛ ولعلَّ فى ذلك ما يرُدّ على دعايات البعض بخفَّةٍ وعاطفية عن الأولويات، واحتياجات اليوم والغد، وما يتعيّن أن نبنيه الآن مهما كُنّا مُرهَقين وفُقراء، وما يُمكن تأجيله، وما لن نحتمل تكلفته فى مُقبل الأيام إن لم نُنجزه فى حاضرها.
نحتفل مُتأخِّرين 70 سنة على الأقل، وفى أحسن الظروف ثلاثة عقود. وأن تُغادرَ الثباتَ للأمام ولو مُتباطئًا؛ أفضل من أن تبقى فيه أو تمضى عكس الزمن. ما عادت المشروعاتُ الثقيلة فى العمران والبنية التحتية والطاقة رفاهيةً أو ممَّا يحتمل الإرجاء، ومحطَّة الضبعة فى جوارها الآمن الجميل مع «العلمين الجديدة»، واتصالهما بالرؤية والحُلم فى العاصمة الجديدة وشبكة الطرق والمرافق ومدن الجيل الرابع وأنفاق سيناء، والتوسُّع أُفقيًّا ورأسيًّا فى الزراعة ومعاقل الإنتاج؛ تُقدِّم كلُّها تصوُّرًا مُستقبليًّا عن قواعد الانطلاق الصالحة لإنجاز تجربةِ نهضةٍ وتحديث وطنية جادّة، وإحداث قطيعة مُتدرِّجة مع الماضى المُكلَّل بأثقال كثيفة وعقيمة؛ أخطرها وأشدّها شراسةً ما يخصُّ فقرَ الخيال وانعدامَ الطموح، ويُرسِّخ ما اعتاده المصريون مع حكوماتٍ عديدة سابقة؛ بأن تُدار الأمورُ في حيِّزٍ بيولوجىّ عقيم: يُولَد الناسُ ليأكلوا ويموتوا تحت سقف التقليد والحدود الدنيا من كلِّ شىء؛ بدلَ أن يرفعوا السقوف أو يُوسِّعوا البيتَ، ويبتدعوا حياةً غير ما تعيشه كلُّ الكائنات التى لا حظَّ لها من عقل الإنسان، وإرادته، وطموحه الذى لا يُحَدّ.
القيمةُ المادية للضبعة واضحةٌ بالحسابات والأرقام؛ أمَّا قيمتها المعنويّة فإنها مُضمَرةٌ بين التفاصيل والرسائل، وما يختبئ فى أعطاف الماضى وبين ثنايا الإنجاز. كانت الظروفُ الدولية غير المواتية قد عطَّلتنا أوَّلَ الأمر، ثمّ تكفَّل الخوفُ لاحقًا بالبقيّة. كُنّا نُقاوم مناخًا دوليًّا غلَّفه الاستقطاب بعد الحرب العالمية وطوال المُواجهة الباردة بين الغرب والشرق، ثم كُنّا نتحسَّب من استثارة الأمريكيين، وبعدها جنحنا للسلم وتجنَّبنا مخاطر المُغامرة. أمَّا إسرائيل فقد حقَّقت ما أرادت، وحصَّنته باحتكار القوَّة النووية فى محيطها، بإسنادٍ «أنجلوساكسونى» وظَّف القانون والاتفاقات الدولية لخدمة أهدافه، وكذلك بمنطق «الضربات الاستباقية» لأيَّة محاولةٍ مُجاورة، وقد فعلها الصهاينةُ ضد العراق وإيران، واغتالوا يحيى المشدّ وآخرين ممّن نشطوا فى برامج البلدين.
رسالةُ الضبعة أنّنا تجاوزنا القيودَ والخوف، وما عادت حساباتُنا تتأسَّس إلَّا على اعتبارات القيمة والأثر والمصلحة الوطنية، كما أن الشراكة مع روسيا تُتوِّج خُروجًا صريحًا من نظرية الدوائر المُغلقة، وانفتاحًا على كلِّ الأطراف، انطلاقًا من صفاء النيّة واستقلال القرار. والخبرةُ العملية أن الروس يسعون للشراكة ولا يُدمنون الابتزاز، وأن ننفُذ للبيئة النووية من خلالهم؛ فإننا نتجاوزُ تأثيرات السياسة والعداء وخَلط الأوراق التى تحكم مُمارسات دولٍ أخرى، فلا يكون المشروعُ عُرضةً للضغط أو المُقايضة؛ لو أننا انجزناه مع شركة من بلدٍ غربى ثم اختلفت رُؤانا مع حكومته. فضلاً على تعزيز استراتيجية تنويع عناصر القوَّة، والعمل مع الجميع بعيدًا ممَّا بينهم من نزاعاتٍ تخصّهم، ويتعيَّن بالضرورة ألَّا تنعكس علينا. لقد عدَّدت مصرُ مصادرَ تسليحها، وفى الاقتصاد تعمل مع الشمال والجنوب بالفاعلية نفسها. وكما تُحافظ على اتفاقية السلام لكنها تُساند الفلسطينيين بثباتٍ عروبى وأخلاقى ضد العدوان الإسرائيلى، فإنها تحتفظ بعلاقاتٍ وثيقة مع الولايات المُتّحدة وأوروبا، وتنفتح بإيجابيةٍ على موسكو، ولم تُفرِّط فى ثوابتها القيمية أو تندفع لحلفٍ ضدّ آخر، بينما يُمارسون «عضّ الأصابع» وإعادة ترسيم النفوذ بين روسيا والناتو فى الفضاء الأوكرانى.
تتحرَّك الدولةُ فى عقدها الأخير برؤيةٍ تنمويّة طَموحٍ، تُعيد بناءَ فواعلها الصلبة والناعمة، وتخليق مساراتِ تحديثٍ أنشط وأكثر تعدُّدًا. ومشروع الضبعة لا ينفصل عن فلسفة إثراء مزيج الطاقة، وترقية القدرات العلمية والفنية، وتثبيت مُرتكزاتٍ حضارية حاملة لفلسفة التأهيل والعُمران الجديدة. يتّصل ذلك عضويًّا ببرامج الهيدروجين الأخضر، والمنطقة الاقتصادية للقناة، وخطوط النقل الكهربائية الحديثة، واستحداث مجتمعاتٍ سكنية وصناعية عصرية؛ لإعادة التوزيع الديموغرافى والاقتصادى للتكتلات القديمة فى الدلتا وعلى ضفّتى النيل. قال الرئيس السيسى فى كلمته على هامش حدث أمس؛ إن حوادث الأسواق العالمية وارتباك سلاسل إمدادها يُؤكّدان نجاعةَ التحرُّك المصرى للاستفادة من القوَّة السلمية للطاقة النووية، وما تُوفّره من إمداداتٍ رخيصة وطويلة الأجل، تُلبّى الحاجات الناشئة وتُعزِّز خُططَ التنمية الشاملة، مُمتدِحًا أثرَ الشراكة الوطيدة مع روسيا فى ضوء العلاقات الراسخة، وما أثمرته من إنجازاتٍ طوال تاريخها الطويل. وبدوره، ذكّر «بوتين» بمراحل لامعة فى مسيرة البلدين، وأن القاهرة صديقٌ وشريك استراتيجى، ورباطهما مُؤسَّس على المُساواة والاحترام المُتبادَل، مُستعرضًا الطفرات المُتحقِّقة فى التجارة الاستثمار والتجارة البينيّة، وأُطر التعاون داخل مجموعة «بريكس» وخارجها، كما دعا السيسى لقِمّة المجموعة المُقبلة فى أكتوبر بمدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية.
قال السيسى، إن المشهدَ لحظةٌ تاريخية ستبقى فى ذاكرة الشعبين؛ والواقع أنها من نوع الخُطَى التى تُشكِّل فواتح كُبرى لمراحل عظيمة. الاتفاق يشمل تصنيع بعض المُكوّنات محليًّا، وتأهيل الكوادر والخبرات المصرية، ويستفيد بالضرورة من أقسام الطاقة النووية بالجامعات المصرية، والمدرسة الفنية بالضبعة، ويُتيح لمصر الاستفادة من موردٍ احتكرته الدول الكبرى طويلاً، وحرّمته على غيرها. فى العالم اليوم نحو 440 مُفاعلاً فى 32 دولة، وخمسون أخرى تحت الإنشاء، وصار المجالُ آمنًا بفضل تقنيات الجيل الثالث المُتطوّر، والقادمُ أكثر أمنًا بالتأكيد. كانت ثغرةُ التاريخ أن العالمَ عرف الذرَّة دمارًا قبل أن يعرفها بناءً وإنتاجًا، والولايات المُتحدة صاحبةُ التجربة الوحيدة فى الإبادة بالقنابل النووية، استشعرت خطورتها فسعَت لقطع الطريق على دُولٍ أشدّ احتياجًا للتقنية من أجل النهوض والتنمية. لم يكن الفقراءُ مسؤولين عن انحراف الأغنياء، ولا فى بالِهم أن يُمارسوا القتلَ بالتكنولوجيا؛ إنما ينشغلون بترقية أوطانهم وإثراء حياة شعوبهم. وبينما يشتبك «بوتين» مع الغرب فى أوكرانيا وغيرها، يظهر مع السيسى فى صورة التكامُل والعُمران. مصر كانت طوال تاريخها داعيةَ سلامٍ، وإلى الآن تُطفئ حرائق الآخرين، ولم تتورَّط فى إشعالِ أىٍّ منها. إنها بلدٌ مُحبٌّ للحياة ومُجتهد فى سبيلها، وتخطو اليوم إلى تجربةٍ جديدة عنوانها الإرادة الصافية والطموح النزيه؛ بينما يملأ العالم الأوَّلُ مخازنَه بالموت الشامل، ويصمُت على غولٍ نازىٍّ يُكدِّس رؤوسَه النووية فى أنحاء فلسطين، ويُهدِّد بها المدنيِّين والعُزَّل.. يحقُّ لنا أن نفخر؛ لا بالضبعة مَوقعًا وأبنيةً وإنجازًا فقط؛ ولكن بأننا راسخون فى المبدأ، صادقون فى الممارسة، نسير إلى ما جعله غيرُنا أداةَ دمار؛ لنجعله منصّةً للأمل والتعاون والإعمار.