منذ 10 أعوام تقريبا ونحن مازلنا في مواجهه ذات السؤال المحير والمربك كلما هلّ علينا يوم 25 يناير.
هل نحتفي بأمجد أيام الشرطة المصرية في موقعةالاسماعيلية أم نحتفل بذكرى ثورة 25 يناير الفارقة في التاريخ المصري..؟
هناك جدل حقيقي -لايمكن اغفاله- ولن نسامح من وضع يناير 2011 في مواجهه يناير 52 ومن استصغر حدث الثورة وجعلها في مواجهه الشرطة المصرية وعيدها التاريخي وتضحيات أبنائها من المصريين ضد الاحتلال الانجليزي واعتبار " الشرطة عدوا " يجب التخلص منه وكسره وتحطيمه
وهو ما نجح فيه الى حد كبير من استولوا على الثورة وقفزوا فوق أسوارها واستغلال شعاراتها المبررة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فدبروا وخططوا لهدم الدولة وليس التخلص من الشرطة فقط بسيناريو شيطاني بدأ تنفيذه يوم الجمعة 28 يناير بالهجوم على أقسام الشرطة المصرية وحرق أكثرمن99 قسما واقتحام حوالي11 سجنا بالأسلحة الثقيلة وبالهواتف العابرة للأقمار الصناعية لاخراج أكثر من 23 ألف من المجرمين والجماعات الارهابية..في هذا اليوم كان المشهد مخيفا ومرعبا فما يحدث لا علاقة له بالثورة، فهو تخريب وتدمير ونهب وسرقة بشكل منظم ومرتب له لجماعات تعرف ماذا تفعل بالضبط في مؤسسات الدولة المصرية وخاصة مؤسسة الشرطة والقضاء والهيئات التابعةلها. وسمحت لآلاف المجرمين وأصحابق السوابق بالقيام بعمليات السرقة والنهب..شاهدت ذلك في مساء ذلك اليوم من فوق كوبري قصر النيل، عشرات الوجوه الغريبة تنهب وتسرق كلما تجده في طريقها وتستوقف أصحاب السيارات
وتحاول اقتحام الفنادق والبنايات المحيطة بميدان التحريرواقتحام المتحف المصري ونهب آثاره... صبية يدخلون الى مبنى الحزب الوطني ويخرجون حاملين أثاثه ومفروشاته وأجهزته الكهربائية وكلما في داخله ثم كان الحريق الهائل المفاجئ في المبني الشهير الذي كان احد معالم القاهرة وهو مبنى الاتحاد الاشتراكي.. ماحدث في القاهرة ...تكرر في باقي محافظات مصر .
الوجه القبيح ل25 يناير 2011 أظهره لصوص الثورة بعيدا عن طهارة وبراءة شعارات الميدان ...حالة «الانفلات الأمنى» المهولة وانتشار الجريمة المنظمة وتكوين 3 آلاف عصابة مسلحة، وهروب 23 ألف سجين جنائى، واقتحام وحرق عدد كبير من السجون وأقسام ومراكز الشرطة ونهب عدد كبير من الأسلحة النارية... لم يكن هناك مكان آمنا في مصر .. وحسب الإحصائيات الصادرة عن مصلحة الأمن العام فى وزارة الداخلية عام 2011 أكدت أن الجرائم تزايدت بنسبة 200 % مقارنة بمثيلاتها فى عام 2010 خاصة جرائم القتل والاغتصاب وخطف أطفال والمقايضة على حياتهم مقابل المال والسرقات بالإكراه تحت تهديد السلاح نهاراً وليلاً، وسرقة المنازل والمحال التجارية والآثار، وتجارة المخدرات، وحرق منازل ومزارع
مع استمرار غياب الشرطة زاد معدل انتشار الجرائم الخطرة خلال فبراير ومارس وابريل بنحو 300% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2010. تقاعس بعض الضباط عن أداء واجبهم، بسبب تعرض قيادات وزملاء لهم للمحاكمة فى قضية قتل المتظاهرين، لاسيما أنهم يعتقدون أن زملاءهم كانوا يؤدون واجبهم فى الدفاع عن أقسام الشرطة وحفظ الأمن فى البلاد، إضافة لنظرة بعض المواطنين ووسائل الإعلام لرجال الشرطة على أنهم خونة ومتخاذلون، أصابتهم بالإحباط والاكتئاب.
الانفلات تزيد معدلاته وماكينات العمل متوقفة والمصانع مغلقة وموارد الدولة تتقلص الى أدنى مستوى، والمستقبل هو المجهول الكئيب...الكل يتكالب على السلطة والوطن ينحدر نحو الهاوية.. وسط الضجر والخوف والفزع جأر الناس بأصواتهم يطالبون بالأمن ولا شيئ غيره في تلك المرحلة الحالكة السواد في تاريخ مصر . ضاعت الشعارت تحت سنابك المجرمين والمنحرفين والارهابيين الذين أرادوها فوضى عارمة وليست ثورة عاقلة.
تلك المشاهد لم تغب حتى الأن عن عيون كل من عاصر تلك الأيام وهي ليست بعيدة..وتواطئ من سطوا واستولوا على الثورة ضد مصالحالوطن العليا وصرخاته بالحفاظ عليه من أنياب ذئاب مفترسة قررت الانقضاض عليه، لولا قواته المسلحة الباسلة التي دافعت عنه وحافظت عليه من الضياع.
الثمن كان كبيرا ...والخسائر كانت فادحة ...وفقدت الثورة الوجه الناصع لها بفعل فاعل خرج من جحوره وهرب من سجونه ليعلن فوزه بالثمرة الكبرى وللاسف صدقه " الثوار" وتحالفوا معه.
لم ينتبه أويلتف لأحد لمصالح مصر واقتصادها وأمنها القومي، انهار كل شيئ اتسع عجز موازنة الدولة لتصل إلى ما يقارب 200 مليار جنيه مصرى فى العام المالى 2011-2012 حسب وزارة المالية المصرية .توقفت ايرادات الدولة وانخفضت عائدات السياحة الى أدنى مستوياتها،مستوى الاستثمارات الأجنبية صفر. تفاقمت الأزمات الاقتصادية حتى معقفز الاخوان على السلطة .كانت الدولة على شفا الافلاس الحقيقي . لولا ادارة القوات المسلحة.المطالبات لم تتجاوز مطلب "توفير الأمن" للنجاة مما يحدث ..استمر المطلب حتى مع 30يونيو ..والوقائع محفوظة والشهادات أيضا.." عاوزين الأمن ..الأمن"
كان هذا هو المشهد... ما بعد الثورة ليس ما قبلها...بلع الشباب الطعم من مرتزقة السياسة والأفاعي الانتهازية والنكرات فضاع الحلم.
القضية هنا لم تكن النيل من الشرطة المصرية وتدميرها بل كان المخطط والهدف هو اسقاط الدولة المصرية بعيدا عن الأبرياء والأنقياء الذين حلموا بثورة حقيقية لبناء وطن على دعائم الحرية و العدالة والعيش بكرامة وليس ثورة تدمير وخراب وانفلات وضياع وطن.
الاحتفال بعيد الشرطة في 25 يناير من كل عام هو تخليد لتضحيات وطنية حقيقية من أفراد الشرطة المصرية من أجل حرية وطن وكرامته ضد مستمعر انجليزي متغطرس، بعيدا عن أوهام من يظنون أن الاحتفال بها هو "مكايدة" لثورة يناير ..وهوغير صحيح .فنحن نحتفل بمناسبة وطنية خالدة في معركة شريفة دارت رحاها عام 1952 بين «البوليس المصري» بأسلحة بدائية تقليدية وبين عدوا مدججا بأحدث الأسلحة، ودارتالمعركة غير المتكافئة بشعار «إما الوطن أو الشهادة» فلم يهنأ العدو المحتل حينها بتدنيس وطنهم بالاستسلام، إلا بعد أن مر على أجساد خضبت الأرض بدماء صارت علامة من علامات التاريخ ليواجه مقاومة شرسة غير متكافئة العدة والعتاد...استشهد 50 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة المصرية، في ملحمة دخلوها اختيارا وليس اضطرارا، واجهوا حصار قوات الاحتلال البريطاني لمبني القسم الصغير، رفضوا الانصياع لإنذار عدو متغطرس لتسليم أسلحتهم والرحيل عن المنطقة. 130بطل في قسم بوليس "شرطة" الإسماعيلية، ومبنى المحافظة في الإسماعيلية،واجهوا ببنادقهم البسيطة بسبعة آلاف جندي بريطاني مزودين بالأسلحة، تدعمهم دباباتهم السنتوريون الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان
واستمرت المعركة ساعتين كاملتين هاجم فيها الإنجليز قوة الشرطة الصغيرة بدباباتهم ونيران مدفعيتهم، بينما لم يمتلك الرجال سوى أرواحهم وبنادق قديمة، ولم يستطع الإنجليز ان يتقدموا خطوة واحدة بتسليحهم الهائل، إلا بعد سقوط الشهداء والجرحى من رجال الشرطة البواسل، لم يستطع الجنرال الإنجليزي إكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال وقتئذٍ: "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعًا ضباطًا وجنودًا، وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريمًا لهم وتقديرًا لشجاعتهم النادرة".
هذه هي ملحمة 25يناير1952 ..ملحمة الفداء والتضحية من أجل الوطن والتي كانت بداية لتحرير هو استقلاله باستكمال رجال الجيش المسيرة في يوليو 52 والتي نحتفل بها منذ 70عاما
لا مجال ونحن نحتفل بها للتفسيرات والتحليلات الضحلة لأصحاب القلوب المريضة والنوايا الخبيثة من الجبناء والمرتزقة. فالثورة الحقيقية ليست ضد بطولات وتضحيات أبنائها في طريق حرية الوطن وكرامته واستقلاله