«الحرب العالمية الثالثة لا تلوح فى الأفق فحسب، لكنها بدأت بالفعل»، هذه رؤية الأمريكى، جوزيف إبستاين المحلل والباحث المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط، مؤكدا أنه ربما تكون واشنطن فى حالة إنكار، إلا أن روسيا والصين وإيران تخوض حربا علنية مع الولايات المتحدة، وقال إبساتين، فى مقال له نشرته مجلة «نيوزويك الأمريكية»: «إن هذه ليست حربا شاملة، بل هى حرب لا مركزية بجبهات قتال تبدو غير متصلة ببعضها وتمتد عبر قارات العالم. إنها حرب تُخاض بطرق هجينة، أى بالدبابات والطائرات وحملات التضليل الإعلامى والتدخل السياسى والحرب السيبرانية».
ويزعم إبستاين أن إستراتيجية هذه الحرب تطمس الخطوط الفاصلة بين الحرب والسلام والمقاتلين والمدنيين، «وتضفى ضبابا على ضبابها».
المقال ورغم أنه منشور منذ أكثر من شهرين، إلا أن توصيف ورؤية «إبستاين» صحيحان، إذا ما وضعنا فى الحسبان أن أوروبا الشرقية على صفيح ساخن، وهناك تحركات وحشد ضخم من حلف الناتو، باعتراف وزير الدفاع البريطانى جرانت شابس، بأن بلاده سترسل 20 ألف جندى إلى حلف الأطلسى فى مهمة جديدة، حسب وصفه، وأن هذه المهمة هى الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن بريطانيا ستنشر 60 ألف جندى حول العالم، وهو عدد يعد الأكبر لبريطانيا منذ أكثر من 40 عاما.
أيضا ما ذكرته «التيلجراف» بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستنشر أسلحة نووية فى المملكة المتحدة للمرة الأولى منذ 15 عاما لمواجهة التهديد الذى تمثله روسيا، وستتمركز الرؤوس الحربية فى قاعدة سلاح الجو الملكى البريطانى فى لاكينهيث.
وإذا كانت أوروبا الشرقية على صفيح ساخن، وهناك حالة رعب من اندلاع حرب عالمية ثالثة نظرا لقربها من روسيا، فإن أوروبا الغربية فى حالة غليان، ما بين مشاكل وأزمات اقتصادية، وقلاقل داخلية تتعلق بإضراب العمال العنيف والمتكرر، ما يهدد استقرار وأمن هذه الدول.
الحرب الروسية الأوكرانية لم تضع أوزارها، وكل السيناريوهات مفتوحة، وأن «النمر الصينى» يترقب المشهد عن كثب وبحذر شديد، ويعتكف على دراسة الوضع الدولى بعمق وتأن، وحسابات دقيقة، قبل أن يتخذ خطوة الانقضاض على تايوان، فى حين أن الوضع بين الكوريتين، على شفا اندلاع حرب مؤلمة.
وننتقل للشرق الأوسط، فالوضع أصعب وأكثر تعقيدا، فإسرائيل تقود المنطقة لحرب إقليمية كارثية، فعلا وقولا، فقد أطفأت حكومتها كل أنوار العقل، وحطمت كل أدوات المنطق، وبدأت دول المنطقة تضج من الحرب الوحشية فى غزة، وما يتعرض له الفلسطينيون، وهى الحرب التى غذت التنظيمات الإرهابية وضخمت الميليشيات المسلحة، فاشتعل الإقليم، وسط ترقب عالمى من اندلاع الشرارة إلى جنوب شرق أسيا وتسللها لأوروبا الشرقية، وتظل تتطاير الشرارة لتحرق العالم.
الوضع فى أفريقيا ليس أفضل حالا، فقد رفعت الدول عصا العصيان ضد الدول التى كان لها باع طويل فى القارة، واعتبرتها مستعمراتها التاريخية، ويجب أن تظل ترتدى عباءتها ولا «تخلعها» مطلقا، علاوة على الحروب الأهلية الداخلية، واحتكاكات الجيران وتهديدات بحروب مجنونة.
ومؤخرا فإن النار وصلت للولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، فما يحدث فى ولاية تكساس ورفعها راية العصيان ضد حكومة الرئيس جو بايدن، الفيدرالية، ما هو إلا إنذار قوى وعنيف يؤشر إلى تصاعد وتيرة انقسام الشعب الأمريكى وزيادة احتقانه، علاوة على أن البلاد مأزومة اقتصاديا.
ونعود إلى ما قاله جوزيف إبستاين، المحلل والباحث المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط، بأن الحرب العالمية بدأت فعليا، فقد سارع أغنياء العالم لتجهيز مخابئ استعدادا للحرب العالمية، كونها حربا نووية بامتياز، ووجدنا على سبيل المثال أن الملياردير الأمريكى، مارك زوكربريج، صاحب فيسبوك، قد اشترى أرضا فى جزيرة هاواوى بالمحيط الهادئ بقيمة 170 مليون دولار، ليبنى مجمعا شاملا ومُحصنا ضد أية انفجارات نووية، المجمع يشمل تربية حيوانات ومصادر مياه عذبة، ونفقا محصنا، يضمن العيش فيه لفترات طويلة حتى انقشاع الغبار النووى.
وسار على دربه عدد كبير من الأغنياء، بينما هناك دولا بدأت فى الاستعداد، بإنشاء ملاجئ، وتجهيز الملاجئ التى كانت موجودة بالفعل، مثل سويسرا التى تضم 8 ملايين و600 ملجأ، مجهزة للاختباء فيها وقاية من الغبار النووى فى حالة استفحال الحرب العالمية الثالثة، وأن هذه الملاجئ أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية، وأصبحت مطلبا جوهريا فى سبيعنيات القرن الماضى.
ويتبقى السؤال، هل استعد العرب لهذه الحرب، لحماية شعوبهم ومقدرات أوطانهم؟ أم أنهم لا يتحركون إلا بعد الدقيقة 90 أى فى الوقت الضائع؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة