من زاوية اقتصادية تربوية يقوم إعداد المواطن الصالح على إكسابه مجموعة القيم التي تجعله يرشد الاستهلاك ويتجنب كافة صور الترف الزائد، وكذلك الإسراف بأنماطه المتباينة، ومن ثم يستوعب ما تمر به الدولة من مشكلات تخص الجانب الاقتصادي، ويعمل جاهدًا على إيجاد حلول لتلك المشكلات متخذًا المبادأة ونمط التفكير الإيجابي، مقدرًا ما يبذل على الساحة من جهود تنموية بالوطن الحبيب بكافة القطاعات والمجالات الاقتصادية.
ويقوم الوعي الاقتصادي لدى الفرد على مسلمة رئيسة تشكل عماد الثقة بينه وبين الوطن، تتمثل في قناعته التامة بأن موارد الدولة المادية لا تنضب، ومواردها البشرية تمتلك من المهارات ما يصنع المستحيل، وقيادة الدولة السياسية راسخة كالجبال، وأن الجميع يصطف خلف دولته ليتجاوز المحن والتحديات والصعوبات ويحافظ على أمنها وأمانها مهما بلغت الأزمة وتفاقمت.
ويدرك المصريون أن الدفع بعجلة الاقتصاد يقوم على التحول النوعي في مجالات التصنيع؛ ليحتل المنتج المحلي مكانة تليق به في الداخل والخارج؛ لذا بات التشجيع على شراء المنتج المصري أمرًا بالغ الأهمية؛ حيث إن زيادة الخطوط الإنتاجية وتطوير المؤسسات الإنتاج سواءً لمخرجاتها أو خبرات العاملين بها أو آلات ومعدات التصنيع أو تجويد مراحل المنتج ليحقق التنافسية والريادة.
وثمت علاقة بين الانتماء وتشجيع المنتج المحلي تبدو جلية في مشاركة جموع الشعب في المساهمة الفاعلة في زيادة الدخل القومي والحد من استخدام النقد الأجنبي واقتصاره على استيراد أساسيات الحياة، وهنا تستطيع الدولة أن تستكمل إنجازات مشروعاتها القومية؛ لتحقق نهضتها المرتقبة والتي تجعلها في مصاف الدولة المتقدمة التي لا تعاني البتة من العوز في احتياجاتها الأساسية.
وحرص المواطن المُحب لوطنه يُلاحظ في ممارساته التي لها دلالة لقيمتا الولاء والانتماء؛ فنجد أن سلوكه الاستهلاكي يقتصر على شراء المنتج المحلي، وأن إنفاقه رشيد بشكل واضح؛ حيث يبتعد عن مظاهر الإسراف أو التبذير، متحملًا للمسئولية في مظهر تحديد الأولويات؛ فلديه وجدان وطني يدفعه للمشاركة في بناء ونهضة وطنه؛ إذ يدرك أن شراءه للمنتج المحلي يؤدي إلى تحسين الاقتصاد الوطني.
إن التربية على شراء المنتج المصري يحدث نقلة لاقتصادنا القومي؛ حيث تستطيع مؤسساتنا الإنتاجية بكافة تنوعاتها أن تستكمل بناء قواعدها الإنتاجية المحلية وتعدد من خطوط إنتاجها، وتنطلق منها لبوابة التصدير الذي يساعد في تدفق النقد الأجنبي، ومن ثم تزداد فرص العمل، كما يؤدي ذلك إلى تنافسية في عروض الأسعار مع الحرص على الالتزام بتحقيق معايير الجودة التي يجعل للمنتج المحلي ميزة تنافسية.
وفي ضوء فلسفة التخطيط الاستراتيجي لمؤسساتنا الوطنية الإنتاجية تنتهج إدارتها الفكر الاستباقي أو ما يسمى بالمستقبلي موظفة آليات التقويم المستمر الذي يوضح جوانب القصور في المنتج أو ما يسمى بالسلبيات؛ فيتم معالجتها على الفور، كما يكشف حجم الاحتياجات وما ينبغي أن يتوافر بهذا المنتج من مميزات؛ فتعمل المؤسسة الإنتاجية على تحقيقه لتفي بالمتطلبات والاحتياجات، وتلك السياسية تؤدي لنتيجة مرجوة وهي نيل رضا العميل، أو المستهلك، أو المستخدم.
وهناك تغيرٌ واضحٌ في سياسية التعامل مع موارد الدولة الخام؛ فقد نادت القيادة السياسية الحكيمة بفكرة استغلال الموارد الخام والوصول بها للمنتج الذي يستخدم في صورته النهائية على المستويين المحلي والعالمي، وهذا الأمر غاية في الأهمية؛ حيث تستطيع المؤسسات الإنتاجية الوطنية أن تحقق القيمة المضافة لمنتجاتنا المصرية، بما يعني تحقيق أكبر قدر من الاستفادة على المستويين المادي والخبراتي، وهو ما يحقق ماهية توطين الصناعات المصرية بكافة تنوعاتها.
إن دعمنا لشراء منتجاتنا المصرية ليسهم بشكل كبير في تشجيع الصناعة المحلية ويحسن بما لا يدع مجالًا للشك من مخرجاتنا الإنتاجية ويزيد من عمليات الاستثمار في ربوع المحروسة، ويرفع من كفاءة وجودة منتجاتنا المحلية، ويفتح آمال وأحلام وغمار التنافسية على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، ومن ثم تزداد آليات التسويق التي تخلق المزيد من فرص العمل المرتبطة بالجانب التقني وغير التقني.
إننا في مرحلة استثنائية تسعى الدولة فيها بكامل مؤسساتها أن تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن وتخفف عنه ثقل المعيشة، وهذا مرهون بالحد من سعينا للاستيراد بتقليص الواردات قدر الإمكان، من خلال الاكتفاء بالمنتج المحلي والعمل المستمر والمتواصل تجاه زيادة صادراتنا لنحدث حالة من التوازن في الجانب الاقتصادي، وبالطبع يرتبط هذا المنحى بفلسفة الأولويات المقدمة عن الرفاهيات أو ما تسمى بالكماليات.
وأود الإشارة إلى أمر مهم يتمثل في جسر الثقة بين المواطن المصري ومؤسساته الإنتاجية؛ إذ ينبغي على هذه المؤسسات مواصلة العمل وتجويده ليقدم بأفضل صورة للمواطن الذي يبدى رأيه بكل شفافية عبر طرائق التواصل التي تتيحها تلك المؤسسات؛ كي تعمل على مزيد من التحسين والتطوير لتشعر المواطن أنه محور الاهتمام.
ورسالة طمأنة يجب بثها؛ فقد بدى بوضوح التفاف المواطن المصري العظيم حول مؤسساته في مختلف الأعمار والمستويات؛ فنلاحظ على سبيل المثال فئة الشباب تقبل على المنتج المصري سواءً في المأكل أو المشرب أو الملبس، وهذا ترجمة واقعية لحب الوطن ووعى رشيد بما يحيط به من تحديات، وممارسة فاعلة في دعم الاقتصادي المصري، ومظهر راق للولاء والانتماء.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.