الظهور المفاجئ لأحد الغائبين يدفع الروح للانتعاش من جديد، كونه ينعش الذاكرة بمواقف من السنوات التي أكلها الزمن، لكنها تبقى محفورة في العقل ترفض المغادرة، نستحضرها كلما مرَّ عليها أصحاب الأثر.
عندما نودع أحدًا وتمر السنوات نستبعد العودة مرة أخرى ولو على سبيل المصادفة، وهو ما يجعل لمح الطيف مفاجأة مدوية في الروح، يُسمع صوتها في العقل، ونشعر إزاءها بفرحة غير مسبوقة.
للسنوات الأولى دائما وقع تحفر في مهد إقبالنا على الحياة بمعتركها مواقف في الذاكرة، تظل تلازمنا إلى ما لانهاية، وهو ما يجعل شيخا كبيرا يحكي قصة من ريعان شبابه كأنه يعيشها الآن، بينما لا يُلقي الحفيد بالا وهو يستمع إلى شغف جده بلحظاته التي لم تغادر روحه.
سنظل محتفظين بالمواقف والذكريات طوال حياتنا، وسنظل نحسب أعمارنا بمقياس البدايات، حتى إذا صادفنا أحدًا من تلك الحقبة نبتسم ابتسامة القلب الذي لا يسيعه الفرح.
حين يأخذنا الحنين لسنوات البراءة وطيبة القلب، بمواقفها وتفاصيلها نبدأ البحث عن أصحابها، نفتش في كل الأرجاء لعلنا نصادف الأشخاص الأنقياء.
ورغم أننا نستبعد العثور على أحدهم، تأتي المفاجأة غير المتوقعة، ها هو الشخص الذي بحثنا كثيرا للعثور على خياله، قد عاد من جديد ينير حياتنا، وقتها تنزل على قلوبنا فرحة كأننا عثرنا على أنفسنا من جديد.