حالة الغضب والحسرة والحزن عقب الخروج السيئ والمهين لمنتخبنا الوطني لكرة القدم أمام منتخب الكونغو الديمقراطية بعد أداء ممل وعقيم وعاجز، هي حالة مفهومة وطبيعية ولكنها ليست المرة الأولى التي يعيشها المصريون ويشعرون معها بحالة " قرف وزهق" من فريق يمثل دولة بحجم مصر في قارة أفريقيا وحاملة اللقب سبع مرات ومؤسسة للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ويخرج من البطولة بهذه الصورة التي لا تليق بسمعة بطل تقدره كل الفرق الأفريقية.
يبدو أن الفريق المصري أصبح " بطل من ورق" لم يعد هو الفريق المرعب والمخيف والذي لا يستطيع حتى الفوز على موزمبيق أو الرأس الأخضر. ولم يعد لديه هؤلاء اللاعبين من أصحاب الشخصية القوية في الملعب وأصحاب الطموح ويدركون جيدا الى أي بلد ينتمون وأي قميص يرتدون.
لقد عشنا الحالة ذاتها عدة مرات ويغضب الرأي العام والخاص وتهيج الدنيا وتقوم ولا تقعد ويملأ المسئولون الدنيا ضجيجا حول ثورة الإصلاح وتصحيح المسار وتعقد ندوات ومؤتمرات ولقاءات ومقابلات تنادي وتطالب وتقترح بإصلاحات جذرية ووضع خارطة طريق للنهوض بالكرة المصرية والرياضة عموما- الا لعبة أو لعبيتن أو ثلاثة لعبات فقط- ويكون على رأس المطالبين بالتغيير والإصلاح نفس الأشخاص الذين تسببوا في الكارثة سواء في اتحاد الكرة أو حوله من أصحاب المصالح المؤثرة على الاتحاد ورجاله.
خرجنا من الدور الأول عام 92 بعد كأس العالم مباشرة واحتل الفريق المركز الحادي عشر وفي 2004 أيضا من مرحلة المجموعات ولم نتأهل في بطولات 2012 و2013 و2015 وخرجنا من دور الـ16 في بطولة 2019 التي أقيمت بالقاهرة على يد جنوب افريقيا. علاوة على مرات الفشل في الوصول الى نهائيات كأس العالم. وفي هذه المرات كان ذات الضجيج يعلو والصرخات والتشنجات تملأ الأجواء من " أصحاب الكوارث إياهم" في الاتحاد وخارجه. ثم ماذا يحدث بعد ذلك..؟
لا شيء... فبعد أن تهدا الأمور ويتم التضحية كبش الفداء، سواء المدرب الأجنبي أو الجهاز الفني لتهدئة الرأي العام وتطييب خاطره وامتصاص غضبه وثورته ضد الأوضاع الكروية في مصر، تعود الأوضاع الى سابق عهدها " وتستمر ريما في مناصبها القديمة" فوق كراسي اتحاد الكرة وفي الاعلام انتظارا للغضب القادم.
الأزمة أو المشكلة الحقيقية في أزمة كرة القدم في مصر ليست في اللاعبين حتى لا نظلمهم أو في المدرب والأجهزة الفنية أو في النتائج السلبية الغير مسبوقة، وأنا هنا لا أتحدث عن الفريق الأول فقط فلدينا كوارث في الفرق الوطنية للناشئين والشباب -باستثناء المنتخب الأوليمبي حتى الآن- فالأزمة معروفة للجميع فكما قال الشاعر والكاتب المسرحي في احدى مسرحياته وهي " ليلى والمجنون" والتي صرخ فيها على لسان أحد أبطال العرض فان" الدودة في أصل الشجرة".
الأزمة في غياب التشريعات والقوانين والإدارة الاحترافية والتخطيط السليم والإدارة الملائمة واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدا عن لغة " المصالح و المحاسيب والأحباب والاقارب والشللية " واعلاء قيمة أهل الخبرة والعلم على فهلوة أهل الثقة والاستعانة بالخبراء الوطنيين الجاديين واستلهام تجارب الدول الآخرى سواء الدول العريقة في كرة القدم أو الدول التي بدأت بعدنا وسبقتنا بالعلم والتخطيط وبالقانون واللوائح وبالعدالة والشفافية.
لن أتحدث عن تفاصيل هنا وعن اهدار المال العام في ظل أزمة مالية تعاني منها الدولة، أو عن أحاديث العمولات، أو ماذا حدث داخل المعسكر من اتصالات أندية بلاعبين للتعاقد معهم وهم في مهمة وطنية. فقد حدث ما حدث وقد تكرر مرات قبل ذلك
قبل أن نتحدث عن التغيير والإصلاح في الأوضاع الكروية المصرية نسأل أولا " هل هناك رغبة وإرادة في التغيير والإصلاح" أم " مجرد مسكنات للتهدئة والتضحية بكبش فداء"
اذا كانت هناك رغبة وإرادة فلابد من تدخل الدولة بأجهزتها المعنية في وضع الأسس المطلوبة للتغيير والإصلاح بما يتلاءم والظروف الاقتصادية الراهنة للدولة واختيار الأشخاص على الكفاءات وليس على أسا المكافآت والفارق كبير جدا ولدينا الكفاءات الوطنية التي حققت إنجازات رياضية سابقة ولكن تم اقصاءها – اجبارا أو اختيارا- عن المشهد الرياضي.
لن أطالب بعقد مؤتمر قومي للنهوض بكرة القدم أو بالرياضة عموما فلن نخترع " العجلة"، فهناك تجارب للدول يمكننا الاستعانة بها وتطبيق ما يصلح لكرة القدم عندنا.. هناك تجارب دول متقدمة مثل إنجلترا أو دول آخرى مثل السنغال و...الراس الأخضر.
ولكن قبل ذلك كله، فالمطلوب أن تتنحى كل الوجوه المسئولة الحالية من المشهد الكروي، وإعطاء " العيش لخبازه" ومحاربة كافة مظاهر الفساد في المنظومة الكروية فاستمرار الوضع على ما هو مع بعض الرتوش والألوان سيصبح مثل من يغسل الفساد فسوف يبقى فسادا كما قال ذات مرة كاتبنا أديبنا يوسف ادريس