كُنت قد انتهيت من مهام عملي فى منطقة الدقي، وما أن صعدت نحو كوبرى أكتوبر، مُتجهة إلى مدينة نصر، نظرت يميناً ويساراً فشاهدتُ مياه النيل تجرى فى أمان وسلام، سرحتُ قليلاً وأنا أقود سيارتى طوال طريقي على كوبرى أكتوبر، وتذكرتُ أننا بصدد احتفالات مُستمرة بمناسبة مرور 51 عاماً على نصر أكتوبر العظيم، فى ثوان معدودة مَرت بخيالى مشاهد مُركبة مُعقدة، ظنى أن هذه المشاهد جاءت إلى خاطرى بعد أن أطلَتَ التفكير فى ما حققته القوات المسلحة من نصر عزيز فى حرب السادس من أكتوبر 1973، مشاهد كثيرة تذكرتها سريعاً وأنا أُقارن بين (مصر فى 5 يونيو 1967) و(مصر فى 6 أكتوبر 1973) و(مصر فى 6 أكتوبر 2024).
(مشهد مصر فى 5 يونيو 1967) كان مؤلماً قاسياً، انكسرنا، وقتها كان الرئيس جمال عبدالناصر _ الزعيم المُلهم _ قائداً لنا لكن الشعب المصرى خرج وملأ الشوارع ليقول له (لا تتنحى، سنقف بجوارك، سنبدأ من جديد، سنُعوض الهزيمة، سُنعيد الأرض والعِرض والكرامة، سنُزيل آثار العدوان).. لم يعرف اليأس طريقنا، كان لدينا أمل كبير فى الله وفى قائدنا وفى قواتنا المسلحة، بدأ التخطيط للحرب ورفعنا شعار "ما أُخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة"، وسريعاً بدأت "حرب الاستنزاف" وبدأ معها بطولات حققها الأبطال كُتبت فى أنصع صفحات التاريخ وكان هذا مؤشراً على أن (النصر قادم بإذن الله).
(مشهد مصر فى 6 أكتوبر 1973) تحول الانكسار إلى انتصار على يد القائد الزعيم أنور السادات، رفعنا رأسنا واستعدنا الأرض المُغتصبة وحطمنا خط بارليف وهزمنا الجيش الذى قالوا إنه "لا يُقهر"، أبهرنا العالم بخِطتنا وعزيمتنا وقوتنا وإرادتنا وشهامة جنودنا وضباطنا وقادتنا، احترمَنا العالم لأننا دفعنا الغالى والنفيس لكى تعود أرض سيناء الحبيبة، وها هى عادت مُخضبة بدماء أشرف الرجال الذين ضحوا من أجلها بعد أن أعطينا العدو درساً لن ينساه، كان الرهان على إرادة المصريين وقدرتهم على العطاء للوطن، كسب الشعب المصرى الرهان وبذل كل ما لديه حتى هزمنا العدو المُتغطرس.
(مشهد مصر فى أكتوبر 2024) هو مشهد مختلف عن سابقيه، مشهد مُركب، يضم مشاهد مُتعددة، جعلنى أطمئن وأتأكد من أن هذا الوطن فى أيدٍ أمينة قادرة على البقاء والبناء رغم التحديات المهولة والمخاطر الجَمة والتهديدات التى تُحيط بنا من كل جانب، مشهد جعلنى أشعُر بسعادة بالغة حينما رأيت الفريق أحمد خليفه رئيس أركان حرب القوات المسلحة يزور "رفح" فى الخامس من سبتمبر المُنقضي، وهو يقف وسط ضباطه وجنوده ويوجه رسالة طمأنة مفاداها (إن رجال القوات المسلحة قادرون على الدفاع عن حدود الوطن جيلاً بعد جيل).. مشهد وجود الرئيس السيسي وسط خريجى الكليات العسكرية خلال حفل التخرج والذى أُقيم بالعاصمة الإدارية الجديدة وتأكيده على كلمات لها مغزى واضح اعتبرها رسالة قوية لكل مواطن مصرى حينما قال (صمود هذا الشعب الأمين ووحدته هي نهر عطاء مستمر على مدار التاريخ، وستظل مصر بوحدة شعبها أكبر من جميع التحديات والصعاب وسيستمر تقدمها للأمام محفوظًا بنصر الله ورعايته وإرادة وعزيمة أبناء هذا الشعب الكريم).. أما المشهد الرئيسى، هو تلك المشهد العظيم المُتمثل فى تَفقُد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية والقائد الاعلى للقوات المسلحة لفعاليات اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني تزامناً مع الاحتفال بمرور 51 عاماً علي نصر أكتوبر العظيم 1973، يا الله على عظمة الرجال والتكتيك والتخطيط، ما هذا المشهد المهيب الذى نشر الطمأنينة فى قلوبنا جميعاً وجعلنا نتأكد من أن امتلاك "مصر" القدرة هو عامل أساسي لمجابهة التهديدات التى تحيط بنا من كل جانب؟، بالتأكيد فهو رسالة للخارج قبل الداخل، رسالة مفاداها: إن هذا الوطن لديه (قوة وقدرة وقيادة واعية).
ما أن أنهيت طريقى فى "كوبرى أكتوبر" وسَلكَت طريق العودة لمنزلي ، حتى قررت _ كالعادة _ الاستماع لآخر الأخبار فى الراديو، فكانت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الصحفي المشترك خلال زيارة دولة إريتريا بحضور رئيسي الصومال وإريتريا، كُنت مُنتبهة لها، كانت كلمة تؤكد على عُمق الفكر الاستراتيجى المصرى وعزمها على تأمين أمنها القومى وتحركاتها المحسوبة، قال الرئيس السيسي نصاً (اجتمعنا اليوم للتشاور والاستفادة من تبادل الرؤى إزاء سُبل التصدي لمخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار وتفكيك دول المنطقة وتقويض الجهود الدؤوبة لدولنا وشعوبنا الساعية للسلام والاستقرار والرخاء)، هُنا أدركت أننا أمام تحركات مصرية تتم بفِهم ووعى وإدراك لمجابهة التهديدات، تحركات يقوم بها الرئيس السيسي _ الأمين على الوطن _ ومعه رجال أمُناء يحافظون على الوطن رغم الصِعاب ورغم خط النيران المحيط بنا ورغم ذلك نحن آمنون مُطمئنون ونمتلك القوة والقدرة ولن نهاب أحد بل يهاب منا العدو.
وحينما وصلت لمنزلي، تلقيت رسالة من إحدى صديقاتى التى تحمل جنسية عربية وتُقيم فى مصر فقالت لى: أنا حزينة على لبنان، لبنان تُضرب، وصواريخ إسرائيل قصفت بيروت، وأنا أبكى لأن بعض المسئولين اللبنانيين قالوا فى مجلس الأمن نصاً: لابد أن يتم الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على لبنان، هذا ما حدث بالضبط مع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، الكثير من المسئولين العرب يقولون: لابد أن يقوم المجتمع الدولى بمسئولياته ويضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار فى غزة، من يتصدى لإسرائيل ويُخيفها ويهزمها مثلما فعل الجيش المصرى فى أكتوبر 1973.. هُنا شعرت بالحزن من حديث صديقتى، لكننى فى نفس الوقت شعرت بالقوة وقُلت لنفسي: إن وطنى العزيز قوى لا يستطع أياً ما كان الاقتراب من حدوده وأرضه وثرواته لأنه وطن قوى ولديه "القوة والقدرة"، وطن قوى بتلاحم جبهته الداخلية الواعية مع القائد والزعيم المُخلص عبدالفتاح السيسي ابن المؤسسة العسكرية الذى يعرِف قَدِر هذا الوطن ويعمل بكل أمانة وتفانٍ لخدمته ورفع رايته وصون أمنه واستقراره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة