تعتبر مصر واحدة من الدول المحورية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، التى تلعب دورا بارزا فى إدارة الأزمات الإقليمية نظرا لموقعها الجغرافى الفريد وتاريخها العريق، حيث أثبتت مصر على مر السنين أنها ركيزة أساسية للاستقرار السياسى والأمنى فى المنطقة، وهو ما منحها مكانة استراتيجية تمكنها من التأثير فى مجريات الأحداث والتعامل مع الأزمات بمرونة وفاعلية.
وعلى مدار العقود الماضية، واجهت المنطقة العديد من الأزمات التى تتطلب تدخلا استراتيجيا، ومن خلال استعراض كيفية تعامل مصر مع هذه الأزمات، يمكننا ملاحظة أن سياستها الخارجية تعتمد على عدة ثوابت استراتيجية أبرزها الالتزام بسياسة عدم التدخل المباشر فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مما يعكس احترامها لسيادة الدول، ويتمثل هذا النهج فى دعم الحلول السياسية دون الانخراط العسكرى المباشر، مما يعكس عقلانية الدبلوماسية المصرية التى تسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمى.
إن قدرة مصر على تحقيق التوازن بين حماية مصالحها الوطنية والعمل كوسيط لحل النزاعات تجعلها واحدة من الدول الرائدة، التى يمكن الاعتماد عليها لضمان استقرار المنطقة، حيث يعتمد الدور المصرى فى إدارة الأزمات الإقليمية على مزيج من الثوابت الاستراتيجية والدبلوماسية المرنة، والتحالفات الإقليمية وكل هذه الأمور تعزز قدرة الدولة المصرية على لعب دور الوسيط الفاعل فى العديد من الأزمات مكانتها الإقليمية، وتؤكد على أهمية دورها فى الحفاظ على الاستقرار فى منطقة مليئة بالتحديات.
ولعل أهم ما يميز الدبلوماسية المصرية قدرتها الفائقة على الموازنة بين استخدام القوة الناعمة والتحرك الدبلوماسى الهادئ، حيث تتبنى مصر سياسات تقوم على الحوار والتفاوض، وفى الوقت ذاته تمتلك مصر القدرة على التصعيد عند الضرورة وهذه المرونة جعلت القاهرة قادرة على إدارة علاقاتها مع القوى الإقليمية الكبرى رغم تباين المصالح والتوجهات السياسية بين هذه الدول، كما نجحت مصر فى إقامة نفسها كوسيط فعال فى العديد من الأزمات الإقليمية والدولية، ولعبت دورا كبيرا فى التوصل إلى حلول دبلوماسية ووقف العنف والحفاظ على مقدرات البلاد، وعلى سبيل المثال اتبعت مصر فى الأزمة الليبية سياسة واضحة تقوم على دعم الجيش الوطنى الليبى مع الحفاظ على وحدة الأراضى الليبية، وساهمت فى تنظيم لقاءات بين الأطراف المتنازعة ودعمت مسار السلام الذى تقوده الأمم المتحدة، وهذه السياسة الواضحة أكدت قدرة مصر على تقريب وجهات النظر، وتقديم الحلول المقبولة لجميع الأطراف المعنية، مما عزز استقرار ليبيا والدفع نحو إنهاء الصراع.
أيضا القضية الفلسطينية تعتبر واحدة من الأزمات المركزية التى توليها مصر أهمية قصوى، وأعلنت مصر دعم حق الفلسطينيين فى إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذى يؤكد التزام مصر بالمبادئ الأساسية للأمن القومى العربى، وجاءت التصريحات والمبادرات المصرية فى هذا السياق لتؤكد بوضوح دورها القيادى فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، ويعكس مكانتها كداعم رئيسى للقضايا العربية، وبالإضافة إلى ذلك لم تتردد مصر فى الدفاع عن مصالحها المائية، خصوصا فى ملف سد النهضة، حيث استطاعت المزج بين المسار الدبلوماسى والضغط فى الوقت نفسه للحفاظ على حقوقها المائية.
علاوة على دورها السياسى، قامت مصر بمبادرات إنسانية بارزة فى التعامل مع الأزمات الإنسانية والإغاثية فى المنطقة من خلال فتح معبر رفح، وقدمت مصر المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الأزمات كما قدمت دعما كبيرا للاجئين السوريين والفلسطينيين والسودانيين، وشاركت فى الجهود الدولية لتخفيف الأزمات الإنسانية فى دول مثل فلسطين واليمن والسودان ولبنان، وهذا التوجه يظهر أن مصر ليست فقط وسيطا سياسيا، بل أيضا طرف داعم للاستقرار الإنسانى، ويعبر عن التزامها بالمبادئ الإنسانية على المستويين الإقليمى والدولى. وفى ظل التصعيد المستمر للتوترات الإقليمية، اعتمدت مصر على تشكيل تحالفات إقليمية مع دول عربية وأفريقية، مع التركيز على تعزيز التعاون الأمنى والدفاعى لمواجهة كل التحديات التى تواجهها المنطقة، ومؤخرا عقد الرئيس السيسى لقاءات مع زعماء المنطقة مثل الرئيسين الصومالى والإريترى، خلال زيارته لدولة إرتيريا، مما يعكس جهود القاهرة لتعزيز الاستقرار الإقليمى وبناء جسور التعاون المشترك فى مواجهة التهديدات الإرهابية والتنظيمات المسلحة ومع ذلك، تواجه مصر تحديات كبيرة فى المستقبل، تتراوح بين الصراعات المستمرة فى المنطقة إلى التهديدات الإرهابية وقضية سد النهضة وكل هذه الملفات الحساسة تتطلب من مصر تبنى سياسات مرنة ومتوازنة تجمع بين القوة والدبلوماسية، ومن المتوقع أن تستمر مصر فى تعزيز دورها كوسيط إقليمى، خصوصا فى ظل استمرار التوترات فى مناطق مثل فلسطين ولبنان وسوريا واليمن.
فى الختام، تفاعل مصر مع أزمات الإقليم ارتبطت ببعدبن، هما رؤية خارجية ارتكزت على محورية الحفاظ على وحدة وتماسك الدول العربية وسيادتها وسلامتها الإقليمية، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على ترجمة تلك التوجهات إلى سلوك مؤثر على أرض الواقع، ويمثل الدور المصرى فى إدارة الأزمات الإقليمية فرصة لبناء مستقبل مستقر وآمن للمنطقة، واستمرار الأزمات والتحديات يتطلب من مصر تعزيز مواقفها والارتقاء بدبلوماسيتها، مما يجعلها ركيزة أساسية للسلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، وستظل مصر دائما فى طليعة الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار، مما يجعل دورها محوريا فى شكل مستقبل المنطقة.