في إحدى قرى محافظة بني سويف، كانت هناء محمد أبو طالب تعيش حياة هادئة وسط عائلتها الكبيرة، هناء، الصيدلانية الشابة، كانت تحلم دائما بمساعدة الآخرين، لكن لم تكن تدري أن الظروف ستضعها في اختبار شديد الصعوبة سيدفعها لتحقيق هذا الحلم.
بدأت القصة عندما أصيب والد هناء بمرض السرطان، تلك الكلمة المخيفة التي توقفت معها حياة الأسرة، على الرغم من أن والد هناء كان محاطا بالأطباء من أبنائه وأزواجهم – سبعة منهم يعملون في مهنة الطب – إلا أن المرض كان أقوى من كل الجهود المبذولة، وكان قضاء الله نافذًا، رحل والد هناء بعد معركة قصيرة ومؤلمة مع المرض، مخلفا وراءه ألما عميقا في قلوب الأسرة.
بالنسبة لهناء، لم يكن فقدان والدها مجرد خسارة شخصية، بل كانت نقطة تحول في حياتها، شعرت بثقل المرض الذي أخذ والدها وقررت أن تتصرف بطريقة تترك أثرا إيجابيا وتساهم في تخفيف معاناة الآخرين، كانت تعلم أن مرض السرطان لا يقتصر تأثيره على الألم الجسدي والنفسي فقط، بل يتعداه ليشمل أعباء مالية كبيرة ترهق المرضى وعائلاتهم بسبب غلاء أسعار الأدوية والعلاج.
من هنا، ولدت فكرة المبادرة قررت هناء أن تجعل من رحيل والدها مناسبة لفعل الخير، أسست مبادرة لتوفير أدوية مرضى السرطان بأسعار مخفضة، بهدف تخفيف العبء عنهم وعن أسرهم، وصدقة جارية على روح والدها، في البداية، كانت الفكرة بسيطة، وكانت هناء تعتمد على شبكتها من الأصدقاء والمعارف لتوفير الأدوية بتكلفة أقل، لكنها لم تكن تعلم أن ما بدأته سيكبر ويتحول إلى مشروع كبير له أثر واسع النطاق.
مع مرور الوقت، بدأت المبادرة تأخذ شكلا أكبر، وبدلا من مجرد تقديم الأدوية بأسعار مخفضة، تطورت الفكرة لتصبح توفير العلاج مجانا للمرضى الأكثر حاجة، شعرت هناء أن هذا العمل هو رسالتها في الحياة، وأنها تحقق من خلاله رسالة إنسانية نبيلة تخلد ذكرى والدها، كان كل نجاح في توفير العلاج لمريض يعزز إيمانها بأهمية ما تفعله.
تحكي هناء عن واحدة من اللحظات التي تركت أثرا عميقا في قلبها، حيث تمكنت من توفير علبة علاج لأحد المرضى بقيمة 52 ألف جنيه، بعد هذه اللحظة، لم تستطع تمالك نفسها فقامت لتصلي ركعتين شكرًا لله، مدركة أن ما تفعله أكبر من مجرد عمل خيري، بل هو رسالة حياة.
لم يكن طريق هناء سهلا ، حيث واجهت العديد من التحديات، من بينها نقص الموارد والتمويل، والتعامل مع حالات مرضية معقدة، لكن رغم كل الصعوبات، استمرت المبادرة في النمو، ما بدأ كمبادرة محلية صغيرة في بني سويف، تحول إلى مشروع يضم كافة محافظات مصر، فأصبحت المبادرة أملا للعديد من الأسر التي كانت تواجه مصاعب كبيرة في تحمل تكاليف العلاج. كما ساعدت في توعية المجتمع بأهمية التضامن ودعم المرضى.
تروي هناء في نهاية قصتها أن الحياة يجب أن تستمر، وأن الإنسان قادر على تحويل معاناته إلى فائدة، تقول إنه لا ينبغي أن نستسلم للألم، بل علينا أن نبحث عن الطرق التي تمكننا من المساهمة في تغيير حياة الآخرين، حتى ولو كانت مساهمتنا صغيرة، قد يكون تحويل الحزن إلى أمل هو أصعب التحديات، لكن هو ما يجعلنا أكثر قوة وأكثر إنسانية.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من انطلاق المبادرة، لا تزال هناء مستمرة في رحلتها، تواصل العمل بلا كلل، متسلحة بالأمل والعزيمة، متذكرة دائما أن كل مريض يتمكن من الحصول على علاجه هو خطوة إضافية في مسيرتها الإنسانية، وخطوة نحو تحويل الألم إلى حياة جديدة.
هناء ليست فقط صيدلانية، بل أصبحت رمزا للتفاني والإصرار على جعل العالم مكانا أفضل، ولو بعمل بسيط يحمل في طياته الكثير من الإنسانية والأمل.
هناء ووالدها
صيدلانية هناء محمد
علاج السرطان
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة