مازلنا نحتفل بالذكرى الـ51 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، ومازلنا نتذكر كبار القادة الذين تحملوا المسئولية التاريخية وتعاهدوا على التضحية لتحقيق النصر واسترداد الأرض واستعادة كرامة وعزة مصر والأمة العربية.
أحد هؤلاء القادة هو اللواء أركان حرب نوال السعيد، رئيس هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة المصرية خلال فترة حرب أكتوبر والتجهيز لها، وهو القائد الذي أدى دوره الوطني على أكمل وجه حتى تحقق النصر العظيم، ثم عاش في صمت دون ضجيج ولم يكن الكثيرون يعرفون أنه حي يرزق، ورحل أيضا في صمت في نهاية يونيو من عام 2014 وقد بلغ من العمر 88 عامًا.
اللواء نوال السعيد هو أشهر قائد عسكري يرتبط به اسم جيش، فقد ارتبط الجيش المصري باسمه قبل وأثناء معارك حرب أكتوبر كدليل على عظمة وأهمية هذا القائد الذي الذى كان مسؤولا مسؤولية كاملة عن تجهيز طعام ودواء ووقود القوات المسلحة خلال فترة الحرب، وبدون ذلك لم يكن الجيش يستطيع خوض المعركة. وتحديد ساعة الصفر للمعركة يعتمد بصورة كبيرة وأساسية على موافقة اللواء نوال رحمه الله.
لكن ما سر التسمية...؟
قبل حرب أكتوبر والتجهيز لها اجتمع الرئيس الراحل أنور السادات بكبار قادة الجيش للاطمئنان على جهوزية القوات لمعركة التحرير وكان حاضرا اللواء نوال، وسأل بعض القادة الرئيس السادات القائد الأعلى للقوات المسلحة عن موعد الحرب، فأجابهم وهو ينظر إلى رئيس هيئة الامداد والتموين، قائلا: «اسألوا نوال»، في إشارة إلى الأهمية الكبرى لدور الرجل ومسؤوليته في حرب أكتوبر.
كان على قدر المسئولية التي تولاها وهي ليست بالمسئولية الهينة، فالجيوش تمشى على بطونها كما يقال في العلوم العسكرية، والجيش المصري خاض الحرب ولم يشعر أحد أفراده وقادته بنقص في الغذاء أو الدواء أو الوقود بفضل خبرة وأفكار هذا الرجل الذى استحق أن يطلق الجيش على أسمه في حرب أكتوبر.
عبقرية وقدرة اللواء نوال السعيد يشهد بها الخبراء العسكريين وأساتذة إدارة الأزمات مثل اللواء جمال حواش، الذي قال إن اللواء السعيد شخصية لها فكر مستقبلي ومتقدم، فضلًا عن أنه كان مستمعا جيدا لأي فكرة يقدمها ضابط أو جندي صغير. ويتذكر أنه عندما كان ضابطا برتبة نقيب في هيئة الإمداد بالجيش الثالث الميداني، ومسئول الاتصال تحت قيادة اللواء السعيد، وأثناء حصار الجيش المصري من العدو الإسرائيلي كانت مهمة كتيبته إمداد قواتنا بالضروريات، وفي أحد أيام الحصار كان اللواء نوال يقوم بالتفتيش على الإمدادات التي نقوم بها، وقلت له عن فكرة توفر لنا الوقت، وتتمثل في استبدال السيارات «الزل» وحمولتها 3 أطنان فقط بأخرى من نوع «الكراز» التي تزيد حمولتها على 10 أطنان. ويضيف حواش: إن الفكرة أعجبت اللواء السعيد، وأمر بـأن اختبرها في الطلعة الأولى بثلاث سيارات كراز تقوم بالتحرك من القاهرة في رتل عسكري إلى الكيلو101 ثم يأخذها منا المسئولون عن الأمم المتحدة ويوصلونها إلى الجيش الثالث المحاصر، وعندما نجحت فكرتي قام اللواء نوال بتعميمها ووجدها توفر في الوقت وتزيد من حجم المواد التي يحتاج إليها الجيش أثناء حصاره. ومنذ ذلك الوقت تعلمت من اللواء نوال ألا أغفل أي فكرة حتى من جندي أو ضابط صغير فبإمكان الفكرة أن تنقذ جيشا، وهذه الدروس أصبحت محفورة لدى الأجيال التي عاصرت هذا العظيم في الفكر والتخطيط.
لم يفكر في كتابة مذكراته وإبراز دوره إعلاميا، رغم أن كثير من القادة والخبراء العسكريين تحدثوا عنه وأشادوا بدوره الحيوي والاستراتيجي في المعركة وعاش مكتفيا وقانعا بما قدمه لوطنه حتى تحقق النصر، وتولى منصب كبير مستشاري كلية القادة والأركان.
التاريخ لن ينساه كما لن يغفر لتنظيم الاخوان الإرهابي وعناصره من الجهلاء والسفهاء الذين حاولوا السخرية من الجيش المصري وخاصة بعد فض الاعتصام الإرهابي والمسلح في رابعة فأطلقوا عليه «جيش نوال» ظنا منهم أن هذا يقلل من عظمة و قدرة وشأن قواتنا المسلحة دون أدنى معرفة أو إدراك بسر التسمية، فقد أغناهم الله بجهل عن كل علم ومعرفة، فلم يعلموا من هو نوال، وظنوا أنه سبة للجيش عندما يرددون كالببغاوات اسمه مقرونا ومصحوبا باسم الجيش المصري، وهو ما كان يكشف الجهل الفاضح لهذه الجماعة وأنصارها.
رحل نوال السعيد الشافعي – ابن الشرقية - وبقي حيا في الذاكرة الوطنية المصرية ولا يذكر اسمه الا بذكر النصر والتاريخ المجيد في حرب أكتوبر 1973، فيما ذهبت الجماعة إلى "مزبلة التاريخ" ولن تذكر إلا مقرونة بالإرهاب والقتل والدم.. تحية تقدير واحترام وسلام سلاح لأحد قادة أكتوبر الكبار في ذكرى النصر.. اللواء نوال السعيد.