قليلون كانوا يرون أن أحداث 7 أكتوبر كانت مقدمة لتحولات أكثر اتساعا وتعقيدا، فقد تحولت إلى حرب إبادة من قبل الاحتلال الإسرائيلى، على مدى أكثر من عام، دمرت أكثر من نصف غزة، بمبانيها ومستشفياتها ومدارسها، وكل ما تم ترميمه أو بناؤه طوال عشرات السنين، وامتدت الحرب لأكثر من عام، بينما كل الجولات السابقة لم تكن تتجاوز الشهر.
ثم إن التحول فى شكل ومضمون الحرب، أنها للمرة الأولى تتحول إلى صدام ومواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، وليس حربا بالوكالة، واتخذت المواجهة شمال إسرائيل شكلا جديدا، من الاجتياح بجانب تنفيذ اغتيالات لعدد كبير من قيادات الصف الأول والثانى والثالث لحزب الله، كما جرت مواجهات واغتيالات داخل إيران، أبرزها اغتيال إسماعيل هنية.
رافقت الحرب عمليات إسناد من قبل حزب الله لجبهة غزة، لم تنتج الكثير من الإسناد، فلم تخفف الضغط عن غزة، بينما ضاعفت الضغط على لبنان وجنوبه، وحتى العمليات التى نفذتها جماعة الحوثى باليمن، أو بعض المجموعات فى العراق ضد إسرائيل، منحت الاحتلال المبرر للمواجهة المباشرة مع إيران، وتحولت العمليات ضد إسرائيل إلى محفزات لفتح جبهة مع إيران لا تزال تمثل خطوة متوقعة، بجانب ما تحمله من خطر اتساع الحرب إقليميا لأول مرة، خاصة وقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية طائرات وسفنا حربية إلى الشرق الأوسط.
إرسال السفن والبوارج الأمريكية، واستمرار دعم إسرائيل بالسلاح، ومؤخرا نظام الصواريخ المضاد للصواريخ فى إسرائيل، يضاعف من غموض وتناقض الموقف الأمريكى، فقد صدرت تحذيرات مغلفة من الولايات المتحدة تطلب من إسرائيل إنهاء الحرب خلال شهر، أو تقليل الدعم العسكرى الأمريكى، وهى تحذيرات سبق وتم إطلاقها فى مايو الماضى، ولم تنفذ، خاصة وقد مارس نتنياهو ابتزازا انتخابيا لكل من بايدن ثم كمالا، وأيضا ترامب، حيث تخضع الولايات المتحدة لابتزاز إسرائيلى، ظهر فى خطابات دعائية لنتنياهو فى مايو الماضى عندما قال «إذا تركتنا أمريكا سنحارب وحدنا»، أو اتهام بن جفير وزير الأمن للرئيس الأمريكى جو بايدن أنه ينحاز لحماس وهو ابتزاز معروف، وإسرائيل لا يمكنها مواصلة الحرب أكثر من عدة أيام من دون جسور أمريكية وبريطانية ودعم من كل النواحى واقتصادها يكاد ينهار بعد أسبوع، واليوم تدعم الولايات المتحدة إسرائيل، ويمارس نتنياهو الابتزاز عندما يقدم نفسه فى صورة الدولة المعتدى عليها، مستغلا خطابا دعائيا للخصم يصور نفسه على أنه منتصر وهى دعايات غير صحيحة.
بعد كل هذه الشهور من الحرب على غزة، يبدو الاحتلال ورئيس الحكومة نتنياهو مصرين على توسيع الصراع إقليميا، بالرغم من الفشل على مدى شهور فى جر إيران إلى حرب إقليمية، لكنهم وظفوا وما زالوا العمليات الصغيرة لميليشيات هنا أو هناك فى استعمالها كمبرر لشن الحرب التى يقدمونها على أنها دفاعية.
الشاهد أن الحرب بعد أكثر من عام وطوال الشهور الماضية بدت أنها حرب نتنياهو والمتطرفين فى كل الجبهات من هنا يمكن تفهم التحذيرات المصرية المتعددة من توسيع رقعة الصراع بشكل يضاعف من خطر مواجهات غير محسوبة، وقد حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اتصالاته ولقاءاته مع رؤساء ورؤساء وزراء وخارجية على مدى شهور من استمرار غياب دور دولى فاعل لمواجهة هذه الحرب، لأنه يفتح توقعات بجبهات متنوعة، وهو ما تحمله الرسائل المصرية طوال الوقت، والتأكيد على أن هذه الجولة من الحرب غير تقليدية وتختلف عن عشرات المواجهات السابقة، وتسعى خلال شهور إلى تخفيض التوترات، والتقليل من احتمالات اتساع الصراع الإقليمى، بدا ذلك فى تصريحات الرئيس مع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان والبيان المصرى السعودى المشترك، وأيضا فى تصريحات الرئيس لوزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل ألباريس وزير الخارجية والاتحاد الأوروبى والتعاون الإسبانى، الذى زار مصر لبحث التطورات الجارية، وأعلن الرئيس السيسى تقدير مصر للموقف الإسبانى الداعم للسلام.
وقد كانت مصر ولا تزال قبلة للأطراف الإقليمية والدولية بحثا عن سلام ينهى الحرب الدائرة فى غزة ولبنان، ويمنع اتساع الصراع، حيث استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس وزير الخارجية الإيرانى «عباس عراقجى»، وذلك بحضور الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية، وأكد الرئيس الموقف المصرى الداعى لعدم توسّع دائرة الصراع وضرورة وقف التصعيد، للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة، داعيا لتكثيف الجهود الدولية الرامية لوقف إطلاق النار فى غزة ولبنان، ووقف الانتهاكات والاعتداءات فى الضفة الغربية، وإنفاذ المساعدات الإنسانية العاجلة والكافية لإنهاء المعاناة المتفاقمة للمدنيين.
الوزير الإيرانى أعرب عن تقدير بلاده للجهود المصرية المستمرة لتحقيق الاستقرار والأمن بالمنطقة، مشيدا بالدور المصرى فى ذلك الصدد على جميع المسارات.
كل هذه الخطوات والحروب التى تخوضها مصر سياسيا ودبلوماسيا، هدفها وقف التدهور أو الانزلاق لحرب شاملة، وكانت رؤية مصر واضحة من البداية، لكل الأطراف التى خلطت الحسابات ووقعت فى فخاخ الغرور والدعاية، وطوال الشهور الماضية تسعى مصر مع أطراف إقليمية ودولية للتوصل إلى وقف الحرب، وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية بوصفها الحل لقضية الحرب والسلام فى المنطقة.
مقال أكرم القصاص