الخوف هو السلاح الذي يُهدد الإنسان في مقتل، فالخوف يقتل صاحبه بالبطيء، ويا ليته يقف عند مرحلة الإحساس بالخوف فحسب، بل إنه يمتد إلى درجة أنه يصنع منه شخصية أخرى ربما يصل به إلى أن يكون مسخًا دميمًا لا صلة له بإنسانيته المعهودة، فيتحول إلى شخص آخر لا يعرفه، وهنا يكون في عداد الأموات، ومن وجهة نظري أن مَنْ يتيقن أنه ميت في جميع الأحوال، فعليه أن يختار الموت بشجاعة حتى يظل احترامه لنفسه قائمًا حتى آخر رمق.
فقد كان هناك ديكًا يؤذن عند كل فجر، وذات يوم قال له صاحبه: "أيها الديك، لا تُؤذن وإلا سأنتف ريشك"، فخاف الديك وقال في نفسه: "الضرورات تُبيح المحظورات، ومن الذكاء أن أتنازل وأن أنحني قليلاً للعاصفة حتى تمر حفاظًا على نفسي، فهناك ديوك غيرى تؤذن..."، ومرت الأيام والديك على ذلك الحال، وبعد أسبوع جاء صاحب الديك وقال: "أيها الديك إن لم تُكاكي كالدجاجات ذبحتك"، فقال الديك في نفسه مثل ما قال سابقًا: "الضرورات تُبيح المحظورات، ومن السلامة أن أتنازل وأن أنحني قليلاً للعاصفة حتى تمر حفاظًا على نفسي "، وتمر الأيام والديك الذي كان يُوقظ الناس لصلاة الفجر أصبح وكأنه دجاجة، وبعد شهر قال صاحب الديك: "أيها الديك، الآن إما أن تبيض كالدجاج أو سأذبحك غدًا"، عندئذٍ بكى الديك وقال: "يا ليتني مِتُّ وأنا أؤذن".
فهذه هي نهاية أي شخص يُقرر أن يتنازل عن مبادئه بسبب خوفه من بطش الآخرين، ففي البداية يظن أنه يأمن نفسه ويحفظها سالمة، ولكنه في النهاية يكتشف أنه هو الذي بطش بنفسه، فلقد حل محل مَنْ يُهدده، وقرر أن يُؤذي نفسه ويُدمرها لآخر لحظة، حتى تسبب في موتها تدريجيًا دون أن يشعر.
والحقيقة أن مَنْ يفعل ذلك، سيظن لفترة طويلة أنه اختار الاختيار الصحيح، ولكنه في النهاية سيكتشف أنه قضى على إنسانيته، واستعبد ذاته وهانت عليه، لدرجة أنه سيتمنى ذات أمنية الديك الذي قال: "ليتني مِتُّ وأنا أؤذن""، فهنا سيقول في نفسه: "ليتني مِتُّ وأنا مُتمسك برأيي"، "ليتني مِتُّ وأنا مُحترم نفسي"، والأكيد أنه سيقول: "ليتني مِتُّ"، أي أنه سيتمنى الموت الذي خاف منه في البداية، وتخيل أنه بتنازله واستسلامه سيقي نفسه منه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة