نؤمن بأن غياب العدالة يؤدى إلى العديد من المظاهر السلبية، ويأتى فى طليعتها إثارة الاستياء وزعزعة الاستقرار، ومن ثم تكمن ثمرة العدل فى نزع أسباب الفرقة والصراع وإحلال السلام بين الطبقات المجتمعية، أو الشعب الواحد؛ لذا فإن العدالة أمر لا غنى عنها للسلم والتقدم للفرد والمجتمع على السواء.
وفى خضم تأكيد الرئيس على ضرورة التزام الدولة عبر مؤسساتها الوطنية وفى مقدمتها منظومة التقاضى فيما يخص بتأصيل ماهية الاستقلال؛ فإن هذا يؤصل فكرة أن نعمل جميعًا دون استثناء على دحر الظلم، والتصدى لصوره، وفق الآليات التى اعتمدتها الدولة، وفى ضوء المسار الطبيعى المؤسسى الذى يضمن صون الحقوق وتجنب صور الجور، وهذا دون مواربة يشكل أحد مظاهر العدالة.
وفلسفة التطوير التى أشار إليها سيادة الرئيس فيما يتعلق بمنظومة التقاضى المصرى تضمن تسهيل وتيسير الحصول على الخدمات بمختلف تنوعاتها، وهذا يؤكد على ماهية تكافؤ الفرص والتى غابت كثيرًا، وترسخ بدلًا منها ماهية أخرى بديلة تضير بالمجتمع وتهتك نسيجه؛ فمن جوانب تكافؤ الفرص الحصول على الحق والمستحق، ومنها الخدمات بكل أشكالها، وهذا يعنى الإتاحة للجميع، وهو مظهر رئيس من مظاهر العدالة، أما الماهية غير المرغوب فيها فقد رصدناها سلفًا فى المحسوبية وصور الفساد الإدارى بكل أنماطه.
وسيادة القانون قد يعنى فى أحد مقوماته السير وفق منهج حديث يواكب مفردات العصر التقنى ويضمن للجميع نيل حقوقهم بمختلف صورها عبر تلبية كافة الاحتياجات، أو تطبيق نص قانون، أو إزالة معوق، أو توفير فرص أفضل للاندماج المجتمعى وتحقيق أمنه وأمانه، وهذا لا ينفك عن منظومة رقمية متطورة تعين من يقومون على تطبيق وتنفيذ القانون فى إنجاز مهامهم بصورة حرفية، بما يرسخ فى الأذهان ماهية سيادة القانون، وبما يضمن تجنب انتهاك حقوق المواطن، ومن ثم يحدث الرضا المجتمعى الذى يساعد على النهضة والتقدم.
ونعى أن فلسفة القانون فوق الجميع ترسخ لثقافة السلام المجتمعى بصورة فاعلة وناجزة؛ حيث إن هناك ضرورة فى تفعيل مجموعة القيم والتصرفات والسلوكيات المنسدلة عنها، والتى تعكس وتشجع قيم التفاعل الاجتماعى وبناء عقلية تشاركية، وهذا يقوم على مبادئ الحرية المسئولة، والعدالة الشاملة، والديمقراطية التى تصب فى مصلحة الوطن ولا تتعارض مع غاياته الكبرى.
وندرك أن سيادة القانون يضمن فى طياته حقوق الإنسان، ويؤكد على قيم التسامح والتضامن بين فئات المجتمع، ويسهم فى نبذ العنف، ويعمل على درء النزاعات بدحر أسبابها العميقة، ويؤدى إلى حل العديد من المشكلات بالحوار والتفاوض، ويضمن ممارسة كاملة لحماية الحقوق والمقدرات؛ إذ يسهم ذلك كله فى إيجاد نمط من الشراكة والمساهمة المجتمعية فى عملية التنمية بشتى مجالاتها بوطننا الحبيب.
إن بناء جمهوريتنا الجديدة ينبغى أن يقوم على ضمانة حقيقية للعدالة؛ فبدون شعور الفرد بأنه آمن على حقوقه، لا يستطيع أن يؤدى واجباته الموكلة إليه بشكل صحيح، وقد يلجأ لفكرة التحايل على القانون ومخالفته بأى صورة كانت، وهذا يقوض جهود الدولة ومؤسساتها الوطنية، وقد يؤدى إلى خلق حالة من الارتباك والفوضى المؤسسية التى تهدر الوقت والجهد والمال، وتؤدى إلى سلبيات أخرى تؤثر على مسار النهضة والتقدم.
وتأكيدنا على أن القانون فوق الجميع يضمن غرس ماهية الاحترام فى نفوس الجميع؛ حيث إن التقدير والاحترام والانصياع لنصوص القانون تؤكدها شمولية التنفيذ على أرض الواقع، ويصدقها عدالة الإنجاز أو ما نسميها بالعدالة الناجزة، وهذا لا يعنى القصور فى الإجراءات أو مراحل التقاضي؛ لكنه يعنى ضرورة التطوير المؤسسى وتوظيف التقنية فى تحقيق الغاية بما يضمن حوكمة المسار والوصول للمنشود فى وقت قياسي، وتجنب صور التلاعب من ذوى النفوس الضعيفة.
إن حرص الرئيس على استقلالية القضاء يؤكد على ضرورة الالتزام بقيم النزاهة والشفافية، بما يسهم قطعًا فى حماية مقدرات الوطن وشعبه العظيم، وهذا أيضًا يحتم على كل مسئول بمؤسسته أن ينتهج مبدأ الشفافية، بما يؤكد ويعزز لدى الرأى العام ثقافة الشفافية والنزاهة، ويعضد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة ويشعر الجميع بالطمأنينة، ويجنب مشروعية اللجوء للطرائق غير الشرعية فى اقتناص الحقوق.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.
أ.د/ عصام محمد عبد القادر أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة - جامعة الأزهر