وماذا عن مصير حزب الله والمقاومة بعد اغتيال الرمز الأسطورى للحزب والملهم لحركات المقاومة فى المنطقة حسن نصر الله؟ هل انتهت المقاومة بعد الضربات التى وجهها العدو الإسرائيلى إلى مقاومى حزب الله واختراق نظام الاتصالات والسيطرة عليه واغتيال أعضاء العسكرية القيادة العليا؟
هذا هو السؤال الذى طرحه الملايين فى الشرق والغرب.. فاغتيال الشيخ حسن نصر الله ليس حدثا عاديا وإنما بمثابة زلزال وصدمة هزت المنطقة وليس تنظيم حزب الله فقط، واعتبرها المتابعون للصراع أكبر ضربة أو هزيمة للحزب بدأت ملامحها مع عملية "البيجر" والسيطرة على نظام اتصالات حزب الله ولبنان عبر عملية شديدة التعقيد، وراح ضحيتها المئات من المقاومين وتبعها عمليات اغتيال للقيادات، حتى بلغت هذه العمليات ذروتها بالقضاء على "سيد المقاومة" حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.
أيا كانت تفاصيل عملية الاصطياد والاغتيال فليس هناك يقين أو تثبت حتى الآن لتوجيه أصابع الاتهام لمن يقف وراء القضاء على "نصر الله"، وإن كانت هناك شكوك وريبة لا تستثنى أحدا، فإسرائيل ليست وحدها التى تخوض حرب الإبادة فى غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن، فالكيان ليس فى قدرته اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا بمفرده خوض حرب على عدة جبهات لأكثر من شهر. فما بالك وقد أوشك العام الأول على حرب غزة وجنوب لبنان على الانتهاء.
توقيت الاغتيال هو ما يثير الشكوك حول حديث الصفقات المشبوهة والمصالح الإقليمية المتقاطعة و"البيع السياسى"، ورفع الغطاء والحماية مقابل صفقة ما تتشكل ملامحها حاليا فى رحم الأيام القادمة وعلينا أن ننتظر. فاغتيال نصر الله جاء بعد شهرين تقريبا من اغتيال إسماعيل هنية القيادى الأبرز فى حركة حماس ورئيس المكتب السياسى، ولم يكن بعيدا عن رصاصات إسرائيل التى لوحت فى مناسبات متفرقة بأنها قادرة على الوصول إليه، وإنما تنتظر التوقيت المناسب.
البعض فى المنطقة للأسف يعتقد أن القضاء على حزب الله يصب فى مصلحة مستقبل المنطقة. فحركات المقاومة تقف عقبة وشوكة فى مسار المخططات الموضوعة للمنطقة بالتعاون مع أطراف إقليمية ولا بد من حزب الله وباقى حركات المقاومة أن ترفع الراية البيضاء للاحتفال "بالنصر الإسرائيلى" فى فلسطين ولبنان وسوريا واليمن..! وانتظار الجائزة الكبرى من واشنطن وباقى العواصم الأوروبية الداعمة والمؤيدة لإسرائيل.
ليس هناك شك أن حزب الله يمر بأوضاع صعبة للغاية ويواجه مصيره، فغياب حسن نصر الله عن المشهد ليس بالأمر السهل فهو القائد الذى يحظى بشعبية واسعة فى لبنان ودول عربية أخرى، واللافتة العريضة لحزب الله والمؤسس الفعلى للحزب وتحوله إلى الرقم الصعب فى الخريطة السياسية فى لبنان وخارجها منذ أن تولى منصب الأمين العام فى عام 92 ولم يكن يتجاوز عمره 32 عاما، وطوال هذه الفترة أصبح حزب الله الذى تأسس عام 85، أهم الأحزاب السياسية فى لبنان وأكبر قوة مسلحة والعنوان العريض للمقاومة فى المنطقة ضد النفوذ الإسرائيلي.
فى واقع الأمر لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون هذه الضربات الاستخباراتية والعسكرية العنيفة ضد حزب الله بعد الفشل العسكرى والأمنى للآلة العسكرية الإسرائيلية فى غزة، والفشل فى تحقيق أهداف الحرب على القطاع، وصورة الانتصار التى تصدرها إسرائيل الآن ويحتفل بها نتنياهو أمام الرأى العام الإسرائيلى الذى كان شريحة كبيرة منه تطالب باستقالته قبل عملية البيجر والاغتيالات لقادة حزب الله فى لبنان.
إسرائيل تحاول الآن الضغط على الجبهة اللبنانية لتحقيق أهدافها فى ظل صمت مفهوم وموافقة ضمنية من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
فهل تنجح إسرائيل فى لبنان فيما فشلت فى تحقيه فى غزة؟ وهل حان الوقت للاحتفال بنهاية المقاومة؟
المقاومة لا يمكن أن تنتهى وواهم من يتصور أو يتحدث عن ذلك. فالمقاومة فكرة إنسانية حية دائما فى الضمير طالما هناك ظلم وعدوان واحتلال. أكبر وأضخم الجيوش لم تستطع القضاء على حركات المقاومة فى فيتنام وأمريكا اللاتينية. قد تغتال قادتها لكنها من المستحيل أن تقتلعها من جذورها العميقة فى مجتمعاتها الإنسانية. فالمقاومة فكرة أشمل وأعم وأكبر من مجرد تنظيم او تشكيلات عسكرية. فهى حركة شعوب لا تموت.
إسرائيل تكرر ما قامت به فى عام 92 عندما احتفلت وابتهجت باغتيال الأمين العام الأول لحزب الله عباس الموسوى وتوقعت أن يموت حزب الله بموت قائده". فجاء نصر الله وحول الحزب إلى أقوى قوة عسكرية غير نظامية فى العالم.
المقاومة فكرة والأفكار لا تموت بموت أصحابها مع الاعتراف بأخطاء التنظيمات والحركات المقاومة التى فى بعض الأحيان تتورط فى أخطاء ومواقف سياسية تشوه صورتها لدى الشعوب، وهو ما فعله حزب الله ومن قبله منظمة التحرير الفلسطينية.
فالفكرة لن تهزم، وفى داخل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية هناك يقين أن هزيمة حزب الله ما زالت بعيدة رغم الضربات القوية التى تلقاها، فما زالت هناك بيئة حاضنة له ولأفكاره داخل لبنان وخارجها، وهناك تقديرات أن الحزب ما زال يمتلك ترسانة مسلحة قوية ما بين 150 و200 ألف صاروخ وقذيفة. كما أن فى صفوف الحزب ما بين 40 و50 ألفاً من المقاتلين المدربين تدريبا عال المستوى ومتحمسين للقتال.
فى المقابل لا يمكن أن ننكر أن الأوضاع فى غاية الصعوبة والإدانات والشجب والتهديد وحدها لا تكفى والبرجماتية السياسية لن تجدى وباتت مكشوفة للجميع، والأيام والأسابيع القليلة القادمة ستأتى ومعها الإجابة عن كل الأسئلة الغامضة عن الصفقات المشبوهة والمخططات المريبة، وعن مستقبل المنطقة إذا كان لها مستقبل بعد أن أتت نيران الحروب والصراعات على جزء كبير من دولها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة