ألقت التطورات الأخيرة فى الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى بظلالها على منطقة الشرق الأوسط بأكمله، حيث تشهد المنطقة تصعيدا عسكريا خطيرا بين إسرائيل وعدة جهات إقليمية تجاوزت الحدود الفلسطينية لتشكل تهديدا واسعا للأمن الإقليمى للمنطقة بأكملها، الأمر الذى يؤكد أن وقف الحرب ووقف الأعمال العسكرية والبحث عن حلول دبلوماسية وإنهاء الحرب المستمرة أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لحماية الفلسطينيين، بل لضمان استقرار المنطقة بأسرها.
التصعيد الإسرائيلى والعمليات العسكرية التى تقوم بها إسرائيل تحت ذريعة حماية أمنها القومى لا يمكن تبريره بأى شكل من الأشكال باستهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية للدول، وأصبحت سياسة «الحرب الاستباقية» التى تتبناها إسرائيل سببا رئيسيا لتأجيج الصراع، وزعزعة الاستقرار فى المنطقة بأكملها، وتهديدا حقيقيا للأمن الإقليمى والدولى على حد سواء بعد اتساع دائرة الصراع لتشمل تأثيرات خطيرة على دول مجاورة مثل لبنان، سوريا، وإيران، بالإضافة إلى تأثيرها غير المباشر على دول أخرى مثل الأردن ومصر، واستمرار هذا التصعيد قد يؤدى إلى انفجار شامل فى الشرق الأوسط، ما يفتح الباب أمام المزيد من الحروب الإقليمية، ويعزز من دور الفاعلين غير الدوليين، مثل الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، التى تزدهر فى مثل هذه الأوضاع الفوضوية والتى تهدد العالم أجمع.
إن الحرب الإسرائيلية والتصعيد من قبل الحكومة الإسرائيلية زاد من حدة التوترات بين إسرائيل ولبنان، عبر حزب الله، بالإضافة إلى تهديدات محتملة من سوريا وإيران، وجعل الوضع أكثر تعقيدا وخطورة بعد تبادل الهجمات، سواء كانت جوية أو صاروخية، وهو ما يقرب المنطقة من حرب إقليمية أوسع وأمام هذا التصعيد لا يمكن التغافل عن ضرورة وقف هذا التصعيد حتى لا تتفاقم الأمور، وتنزلق المنطقة نحو حرب شاملة سيكون لها تأثير على العالم أجمع وليست المنطقة فقط.
وأمام هذا التصعيد لا يمكن التغاضى عن الأبعاد الإنسانية الكارثية لهذه الحرب، وأصبحت الأوضاع المعيشية فى مناطق الحرب متدهورة بشكل كبير، حيث يعانى السكان من نقص حاد فى المياه، والكهرباء، والمواد الغذائية، والأدوية، كما أن استمرار الحصار الإسرائيلى يزيد من صعوبة حياة المدنيين، مما يجعل الوضع الإنسانى لا يحتمل بجانب استهداف المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس والمنازل فى انتهاك صارخ للقانون الدولى الإنسانى، ما يساهم فى تعزيز حالة العداء والكراهية، الأمر الذى سيؤدى إلى صعوبة الوصول إلى أى حلول سلمية مستقبلا، ولعل المجتمع الدولى بات اليوم مدركا لحجم الكارثة الإنسانية التى تتعرض لها غزة، ولكن التحركات الدبلوماسية حتى الآن لم تصل إلى مستوى الضغط الفعلى الذى يوقف هذه الكارثة.
ودائما ما تأتى الحروب والصراعات العسكرية بتكاليف اقتصادية هائلة، حيث يهدد التصعيد الإسرائيلى فى المنطقة بنسف التقدم الاقتصادى الذى حققته العديد من الدول الإقليمية فى السنوات الأخيرة، حيث تتسبب الحروب فى تدمير البنية التحتية الحيوية، وتقوض الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتزيد من معدلات البطالة والفقر، ودول المنطقة بحاجة ماسة إلى التنمية الاقتصادية، وليس إلى المزيد من الصراعات التى تعرقل جهود إعادة البناء والإصلاح الاقتصادى، وإسرائيل نفسها لن تكون بمنأى عن التبعات الاقتصادية السلبية، لأن التصعيد المستمر يتسبب فى نزوح الاستثمارات، وزيادة الأعباء العسكرية، وتفاقم الأزمات الداخلية المتعلقة بميزانية الدولة، ويجب على الأطراف الإقليمية أن تدرك أن الحل العسكرى لن يكون مجديا على المدى الطويل، وأن التعاون الإقليمى يمكن أن يكون البديل الأمثل لتحقيق استقرار مستدام.
من الضرورى أن يدرك الجميع أن التصعيد العسكرى لن يؤدى إلا إلى مزيد من الخراب والدمار، ولن يحقق أى طرف انتصارا حقيقيا من خلال استمرار الحرب، وأن السلام هو الخيار الوحيد الذى يمكن أن يحقق الاستقرار والازدهار لكل شعوب المنطقة، ويجنبها المزيد من المعاناة، وفى هذا السياق يجب أن تتضافر الجهود الدولية والإقليمية لوقف التصعيد فورا والعودة إلى طاولة المفاوضات، فمن دون حوار سياسى بناء يتضمن كل الأطراف المعنية، لن يكون هناك حل دائم للصراع كما يجب على المجتمع الدولى، بما فى ذلك الأمم المتحدة والدول الكبرى، الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها العسكرية والجلوس للتفاوض حول القضايا العالقة، كما أن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى دورا حاسما فى هذا الإطار، حيث يمكنهم استخدام نفوذهم للضغط على إسرائيل لوقف التصعيد واحترام القانون الدولى، ويجب أن تدرك هذه القوى أن دعمها لإسرائيل دون فرض أى شروط أو قيود يعزز من حالة التوتر ويؤدى إلى استمرار النزاع.
وأمام هذه الأوضاع، فإن مصر أثبتت مرارا وتكرارا أنها عنصر محورى فى حفظ الاستقرار الإقليمى، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من خلال دورها الدبلوماسى النشط، وسعيها الدائم من أجل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وفتح قنوات الحوار بين الأطراف المتنازعة وتدرك مصر تماما أن استمرار هذا النزاع لن يؤدى إلا إلى زيادة الفوضى فى المنطقة، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومى، وقد استضافت مصر مؤخرا العديد من الاجتماعات والقمم الدولية بهدف التوصل إلى حلول سلمية تنهى الصراع، كما أنها تلعب دورا إنسانيا كبيرا فى تقديم المساعدات الإغاثية للشعب الفلسطينى، خاصة من خلال فتح معبر رفح، وتسهيل وصول المساعدات الطبية والإنسانية إلى قطاع غزة.
إن وقف التصعيد العسكرى يجب أن يتبعه جهود جادة لتحقيق حل سياسى دائم وشامل، فالحلول المؤقتة ووقف إطلاق النار لفترات قصيرة قد يخفف من حدة المعاناة، ولكنه لا يحل جذور المشكلة وقضايا الشرق الأوسط تحتاج إلى حل سياسى قائم على أساس الشرعية الدولية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، لذلك يجب أن يكون الهدف النهائى لأى جهود دبلوماسية هو التوصل إلى تسوية سياسية تضمن حقوق الشعب الفلسطينى وتحقق الأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة.
إن إنهاء التصعيد الإسرائيلى فى المنطقة بأسرها أصبح ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل، لأن استمرار الحروب والصراعات لن يؤدى إلا إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، وتهديد الأمن الإقليمى والدولى، ويجب على المجتمع الدولى أن يتخذ خطوات حاسمة لوقف التصعيد ودعم الحلول السياسية التى تضمن حقوق جميع الأطراف المعنية، وبدون تدخل دولى فعال، ستظل المنطقة عرضة للمزيد من الحروب والمعاناة، ما يجعل تحقيق السلام والاستقرار أمرا بعيد المنال ورسالتنا واضحة «لا للحرب.. نعم للسلام».