حالة من الزخم حظت بها قمة بريكس، ساهمت بصورة كبيرة في تسليط الضوء عليها، من قبل العديد من دول العالم والصحف والمنابر الإعلامية، في انعكاس صريح لحقيقة دامغة، مفادها أن المجموعة باتت فاعلة، ولها تأثير كبير، في المجتمع الدولي، في لحظة فارقة، في ظل العديد من المعطيات، أبرزها تعدد الأزمات العالمية، وفي القلب منها مستجدات الشرق الأوسط، والأوضاع في أوكرانيا، وكلاهما يحمل تأثيرا بالغا على الأوضاع في كل دول العالم، خاصة مع العجز الكبير في تحقيق أي طفرة من شأنها تقديم حلول فعلية، سواء للأزمات أو لعلاج ما ترتب عليها من تداعيات كبيرة، تلامست مع الشعوب، جراء تأثيراتها البالغة على قطاعات حيوية، لم تقتصر في نطاقها على دول العالم النامي، وإنما وضعت المعسكر الغربي، في مأزق.
ولعل الاهتمام البالغ بقمة بريكس، رغم حداثة عهد المجموعة، في ظل أزمات طاحنة، لم تفلح معها مساعي القوى الكبرى، يعكس بجلاء حالة من الإدراك العالمي، بنهاية النظام العالمي، بصورته الحالية، القائم على الهيمنة الأحادية، في ضوء عجز قوى واحدة، أو حتى مجموعة محدودة من الدول، عن تقديم حلول فعالة للأزمات، وبالتالي فإن المجموعة باتت محط أنظار العالم، في ضوء قدرتها على المشاركة، خاصة بعدما توسعت عضويتها، لتشمل دولا أخرى، تمثل كل منها قوى إقليمية مهمة في مناطقهم الجغرافية، وبالتالي فلديها قدرة، ليس فقط على حماية مصالحها، وإنما الحديث باسم أقاليمها، خاصة فيما يتعلق بما يحيط بهم من أزمات.
وهنا يبدو أن النفوذ الذي باتت تحظى به مجموعة بريكس، والاهتمام البالغ بقمتها التي انعقدت في مدينة قازان الروسية، مرتبطا بالعديد من العوامل، منها مكان انعقاد القمة (على الأراضي الروسية)، في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية، خاصة مع حضور العديد من الشخصيات البارزة، وعلى رأسهم سكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بالإضافة إلى وجود الصين، وما تمثله من أهمية دولية كبيرة، خاصة على الصعيد الاقتصادي، يؤهلها للمنافسة على قمة النظام الدولي، وبالتالي فيمكنها المساهمة بشكل بناء في تقديم حلول للأزمات المحيطة بالعالم، لتقديم نفسها للعالم باعتبارها قوى قادرة على حل الأزمات الدولية، بينما تبقى مشاركة مصر، وهي أحد أهم الأعضاء الجدد بالمجموعة، بمثابة خطوة فارقة، فيما يتعلق بأزمة غزة، ما ترتب عليها من أزمات كبرى في المنطقة، تضعها، حال الفشل في احتوائها، على أعتاب حرب إقليمية شاملة.
وفي الواقع، عند التركيز على مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في قمة بريكس، نجد أنها حققت نجاحا بالغا، في وضع المستجدات في منطقة الشرق الأوسط، كأولوية قصوى للمجموعة، في لحظة فارقة في تاريخ الإقليم المشتعل، وهو ما يمثل امتدادا صريحا لحالة الحشد التي تنتهجها الدولة المصرية، منذ بداية العدوان على غزة، عبر تحقيق التوافقات الدولية على ثوابت القضية الفلسطينية من جانب، والأوضاع الإنسانية في مناطق الصراع الجغرافية من جانب آخر.
ويعد الحديث عن دور مجموعة بريكس، في علاج الأزمات الدولية، محورا مهما في كلمة الرئيس السيسي، خلال قمة قازان، في ضوء ما توفره المجموعة من مساحة لتبادل الرؤى، وهو ما يمثل في واقع الأمر امتدادا لحالة جديدة، سوف تعتمد بصورة كبيرة على إرساء مبدأ الديمقراطية الدولية، والقائمة على احترام الدول وإرادتها وسيادتها، وهو ما يختلف عن منهج الديمقراطية العالمية، والتي طالما استخدمتها القوى الكبرى لأكثر من ثلاثة عقود، كذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتوجيه بوصلتها بما يتوافق مع مصالحها، بينما كانت تستخدم العديد من الآليات لتحقيق ذلك، منها ما يرتبط بإدارة المنظومة الدولية في صورتها الجمعية، على غرار حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، والذي يمنح دولا لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة صلاحيات مطلقة لإدارة العالم بأسره.
أجواء الديمقراطية، في صورتها الدولية، تفتح المجال بصورة كبيرة، أمام إدارة الأزمات الإقليمية، بما يتوافق مع ظروفها سواء السياسية أو الاقتصادية أو الجغرافية، بعيدا عن الإملاءات القادمة من تلك الأبراج العاجية في الغرب، والتي ساهمت في تفاقم العديد من الأزمات، حول العالم، بينما لم تحرك ساكنا لحلها، لعقود طويلة، وعندما تحركت، لدرء التداعيات المترتبة عليها والتي طالت شعوبهم، عجزت تماما.
الديمقراطية في صورتها الدولية، تبدو واضحة، في حالة التنوع التي تحظى بها المجموعة، والتي يمكن استلهامها بالنظر إلى عضوية المجموعة، والتي تتسم بكونها متجاوزة للأقاليم الجغرافية، بالإضافة إلى الطبيعة التنافسية بين عدد من الدول الأعضاء، على غرار التنافس بين الصين والهند، وكذلك تباين المواقف تجاه الولايات المتحدة، باعتبارها القوى المهيمنة، على العالم، في ضوء وجود أعضاء يرتبطون بعلاقة قوية مع واشنطن، على غرار الهند والبرازيل، على عكس المعسكر المناهض للأحادية، كروسيا والصين، في حين يبقى فريقا ثالثا يعتمد نهجا متوازنا، وهو ما تمثله مصر ودولا أخرى.
وهنا يمكننا القول بأن عضوية مصر في مجموعة بريكس ومشاركتها في قمة قازان، يقدم مساحة جديدة لدعم منطقة الشرق الأوسط، وخدمة قضاياه، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، في ضوء مواصلة الحشد، انتصارا للشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين، بالإضافة إلى تعزيز جهود وقف إطلاق النار في غزة، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق قدر من الاستقرار في المنطقة، وهو ما ترجمه البيان الختامي للمجموعة، والتي شددت على دعم جهود الدولة المصرية وقطر لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى دعمها لحصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو ما يمثل خطوة جديدة تصب في صالح الإقليم وقضيته المركزية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة