الجملة الاعتراضية هى الجملة المحضونة التى تفيد معنى متعلقا بالجملة الحاضنة، وتوضع بين شرطتين (ـ ـ)، أو بمعنى آخر هى التى تأتى بين متلازمين كالمبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل وغيرهما، وعرفها الزركشى فى كتابه "البرهان فى علوم القرآن" بقوله: "هو أن يؤتى فى أثناء الكلام، أو كلامين متصلين معنى، بشىء يتم الغرض الأصلى بدونه". و ذكرها ـ بخلافه ـ الزمخشرى فى الكشاف، وابن جنى فى الخصائص، وابن هشام فى المغنى، مع إقرارهم "بكثرة وقوعها فى کلام العرب".
وللتوضيح عزيزى القارئ أسوق إليك مثالا اصطنعه بالقول: "المصريون يواصلون ـ ليل نهار ـ كفاحهم". ف"ليل نهار" هنا هى الجملة الاعتراضية.
ولعلك لاحظت أن هذه الجملة يمكن حذفها دون أن يتأثّر المعنى العام، وإن كان ـ فقط ـ سيخسر ما تضيفه من معنى "ذى صلة"، وهو ما قصده الزركشى بقوله: "يتم الغرض الأصلى بدونه"، فيمكننا الاكتفاء بالقول: "المصريون يواصلون كفاحهم"، ونستغنى عن دلالة "المداومة والتأكيد" التى أضافتها الجملة المحضونة.
وقد علق النحاة على هذا الأسلوب فذكروا له فروقا فى المعنى تبعا لنوع الجملة: اسمية أو فعلية، وما يهمنا من كلامهم هو إجماعهم على وظيفيته فى "التأکيد وتحقيق تماسك اللفظ وقوة المعنى"، ومن ثمّ فشرطه أن يكون بكلام "مفيد"، ما يقلل من توفيق التسمية القديمة لـ"الاعتراض" بـ"الحشو"، كونها شكلية.
وكعادة القرآن العظيم فى استخدامه المهيمن على اللغة، نجده ينسج على منوال هذا الأسلوب بعض آياته لأغراض بلاغية شتى، منها قوله تعالى: {ويجعلون لله البنات- سبحانه- ولهم ما يشتهون} (57 النحل)، فالاعتراض هنا هو كلمة "سبحانه"، وغرضه التنزيه، وأيضا قوله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم – ومن يغفر الذنوب إلا الله – ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (157 آل عمران)، فالاعتراض بجملة "ومن يغفر الذنوب إلا الله"، يحث على الاستغفار مع بيان مدى لطف الله بعباده.
كما أدخل القرآن العظيم الاعتراض داخل اعتراض، فى مثل قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} (76 الواقعة)، فالاعتراض الأول: "إنه لقسم عظيم"، ويحتوى ـ بدوره ـ اعتراضا أصغر بجملة "لو تعلمون"، والاعتراضان يتخللان الجملة الحاضنة الرئيسية: "فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم"، أيضا استخدم القرآن العظيم الاعتراض بجملتين متتابعتين فى قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ، وفصاله فى عامين} (137 ص).
وإليك بعض التوجيهات المتعلقة بلغة الكتابة عند استخدامك لهذا الأسلوب:
1ـ لا يصح تأخير هذه الجملة عن مكانها وإلا فقدت كينونتها كجملة اعتراضية، أى أنها جملة لا تتزيل الكلام.
2ـ من الأفضل فقد الجملة الاعتراضية بتأخيرها إذا احتضنتها بعض المتلازمات، مثل: الجار والمجرور والمضاف والمضاف إليه والنعت المفرد ومنعوته، لثقل الجملة هنا، اللهم إلا إذا استخدمت عن وعى لغرض بلاغى مقصود.
(بعبارة أخرى: إذا شعرت - بحسك اللغوى - ثقل الاعتراض فاحذفه، سواء بإلغائه أو بتأخيره لنهاية الكلام).
3ـ هذه الجملة هى إحدى الأنواع التسع من الجمل التى لا محل لها من الإعراب، والجمل التى لا محل لها من الإعراب هى الجمل التى لا يفسر معناها بالمفرد كجمل الحال والوصف وغيرهما.
4ـ رغم أن هذه الجملة تبنى أغراضا بلاغية ودلالية بالغة الأهمية، لكن لا يحسُن بك أن تكثر منها كونها "تفكك" الرصف المعجمى ومن ثمّ المعنى، تماما كالتوابل فى الطعام، الإسراف فيها يفسده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة