الأسبوع الماضي، إحدى صديقاتي أرسلت لى مَقطع فيديو لحوار شاهدتهُ - بالصُدفة البحتة - لأحد الشخصيات المحسوبة على الإعلام والسياسة، خلال حديثه عبر "بودكاست" يبدو أنه على صلة وثيقة بإعلام الجماعة الإرهابية لِمَا يتضَح به من تطرف وفتنة وسموم ضد مصر، ويستضيف كل مَن يُضمر العداء لـ "دولة 30 يونيو". صديقتى قالت لي: أنا شاهدتُ هذا الحوار المسموم على "اليوتيوب"، وعليك مُشاهدته للضرورة القصوى، وأطلُب مِنكِ الإدلاء برأيكِ فيما قاله هذا الإعلامى، وهل هو على حق وكلامه صائب؟ أم أنه مُخطئ ومُبتز؟ أم أنه يعاني من أمراض نفسية طرأت عليه من جراء انحسار الأضواء عنه، وابتعاده عن المشهد الإعلامى والسياسي طيلة السنوات العشر الماضية.
بصراحة لم أهتم وقُلت: لن أنجَرِف إلى الاستماع لمثل هذه الحوارات "الفارغة"، ولن أُضيع وقتى فى مُشاهدة إعلامى "امتهن" السياسة في البداية، وظل يتصدر شاشات الفضائيات لسنوات ليست بالقليلة، كان خلالها يُطِل علينا بأغنية "الدنيا ربيع والجو بديع".
وبعد إنقاذ الوطن من أيدى الجماعة الإرهابية، والدخول إلى عصر "الجمهورية الجديدة" بكل ما تحقق على أرض الواقع من إنجازات ومشروعات في كل المجالات، تَحَوَل - للأسف الشديد - إلى "مُحتقن سياسي"، وفشل للأسف في أن يكون حتى "مُعارض سياسي"؛ لأن المعارضة السياسية نحترمها، ونحترم من ينتمون إليها على أرضية الوطن، خاصة إذا ما التزموا بالأصول والقواعد والقوانين.
لكن صديقتى كررت طلبها، وحاولت تشجيعي على مُشاهدة الحوار واستفزتنى بجملة "هذا الإعلامي أهان كل شيء فى مصر، وكرر أكاذيب وأفكارا باطلة وضالة ومُضَلَلة ومُضَلِلَة، كما سخر من الشعب والبرلمان والمشروعات القومية، وكأنه "عدو" لهذا الوطن الذي أغدق عليه من خيراته، ومنحه "مكانة" لا يستحقها بكل تأكيد.
وأكملت صديقتي: لقد تحدث عن مصر، وكأن في يده "سكين"، يقطع به هذا البلد إرباً إربا، دون رقيب أو حسيب، ودون حتى أن يرتجف له جفن. أرجوك عليكِ مشاهدة الحوار، وأن تَرُدى عليه مدافعة عن "مصر"، فإذا لم تتصدى لهذه المهمة، فمن يقوم بها، هل نستورد "أغراب" للدفاع عن بلدنا؟
على الفور شعرت بـ"صواب" منطق صديقتى، واقتنعت بوجهة نظرها، وتراجعت، وقررت مشاهدة هذا "الحوار المشئوم.. للإعلامي المغمور".
بالفعل، بدأت مُشاهدة الحوار، وبعد مرور ثلاث دقائق ليس أكثر، لم أحتَمِل رأيه المجنون، ولا طريقته العابسة، ولا أسلوبه البائس، ولا منطقة اليائس. أنهيت الفيديو، وأنا أشعر بغرابة شديدة من وجهات النظر "الرخيصة" لهذا الإعلامي الـ"..."، فقد تَنَطَع على عدد من الدول العربية الشقيقة، وهاجم شعوبها، وحرضهم - فى نفس الوقت - على حُكامهم، فهل هذا يليق أو يدخل في نطاق المقبول؟!
ألا يُعد ذلك بمثابة تدخُل في شئون الأشقاء العرب، خاصة أن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، بل تمادى ورفض تسليح وتحديث الجيش المصري، وتَهَكَّم من مشروعات التنمية، عندما قال نصاً: "لماذا كل هذه الكبارى والطرق، فلم تعد هناك سيارات تسير عليها بعد ارتفاع أسعارها؟".
هذا الإعلامى الذي عمل بالسياسة، وانحسرت عنه الأضواء، وصف الرئيس "السادات" بأبشع الألفاظ، مستخدمًا لغة "ركيكة" وعفى عليها الزمن.
من وجهه نظري، نحن أمام حالة "مُراهقة سياسية مُتأخرة"، أو إن شئنا الدقة مرحلة "طيش سياسي مُتأخِر"، فهو لا يُدرك عواقب ادعاءاته، ولا يعرِف أن الحرب كلمة ذات أبعاد "ثقيلة" ولا تقال من باب "المكايدة" أو البحث عن "بطولة كاذبة". الحرب ينبغي أن يكون لها أسبابها التي تتعلق بالأمن القومي، وحساباتها التي تعني مواجهة التبعات، وأهدافها التي تضع المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار.
بالتأكيد، أصيب هذا الإعلامي بحالة من "الطيش السياسي"، فقد معها ما تبقى من عقله، وربما وطنيته؛ لأن المنطق الذى يتحدث به "ضعيف" و"فاسد" ومجرد "طق حَنَك". لقد خرج من هذا الإعلامي السياسي "الكبير سنًا" و"الصغير عقلاً"، ليقول كلاماً "أهوج"، لا يمت للواقع بصلة، ولا يعرف للمنطق طريق، ولا يضع للوطن أي اعتبار.
أُؤمِن تمامًا بحرية الرأي والتعبير، بل أطلُب المزيد والمزيد منها، ومُستعدة للتضامن مع زملائى في هذه المسألة إلى أبعد مدى، لكني فى نفس الوقت أرفض التجاوز والتمادي فى السب والقذف وإلقاء التُهم جُزافاً على حق هذا الوطن المنكوب ببعض أبنائه!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة