الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، يؤثر ويتأثر بها، وإذا كان الاقتصاد هو الهدف الأول لتجمع «بريكس بلس» فإن السياسة تبقى فى كل خطوة، ثم إذا كان الاختلال الاقتصادى يمتد إلى ما بعد الحرب الثانية، فإن الاختلال فى النظام الدولى يمتد لنفس الفترة، وبالتالى فإن الدعوة لإصلاح النظام الدولى سياسيا بشكل يجعله أكثر فاعلية ويخرجه من الجمود والعجز، فإن نفس الأمر يتعلق بالوضع الاقتصادى وربط اقتصاد العالم بتحولات الاقتصاد الغربى والأمريكى على وجه التحديد.
وخلال القمة 16 التى عقدت فى قازان بروسيا، كانت الحرب فى غزة مطروحة على قائمة القمة، وركز خطاب الرئيس السيسى على ضرورة إنهاء الحرب والتوجه نحو الدولة الفلسطينية، وهو ما أكد عليه الرئيسان الروسى والصينى وباقى الحضور، وبجانب السياسة كان الاقتصاد حاضرا بشكل أساسى حيث تسعى دول الجنوب لبناء نظام اقتصادى يعالج اختلالات النظام الاقتصادى الذى تم إقراره بعد الحرب العالمية الثانية، واستمر خلال الحرب الباردة، بل إنه بعد خروج المعسكر الشرقى ظهرت أكثر عيوب وظلم النظام الاقتصادى الحالى.
وخلال تأسيس تجمع بريكس، كشفت الأزمة المالية العالمية 2008-2009 ، للبلدان النامية ضعف وفشل المنظومة الغربية، والأمريكية خاصة فى السيطرة على مؤسساتها المالية، الأمر الذى أطلق العنان لأزمة مالية حادة، انعكست على دول العالم بدرجات متفاوتة، ثم إن الاقتصاد يبدو مرتبطا بشكل أساسى مع السياسة العالمية التى تعانى على مدى عقود من ازدواجية وعجز عن التدخل فى الأزمات والنزاعات.
ثم إن دول الجنوب ذات الاقتصادات الناشئة تواجه نظاما اقتصاديا مختلًّا وظالمًا، مع تدخلات وسيطرة لأدوات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين جعلتها امتدادا للنظام الاستعمارى، لم تسعَ لتعديل يناسب تطورات العالم، خاصة مع ظهور وصعود دول اقتصاديا، وغياب معايير العدالة والتوازن.
وبالتالى فإن «بريكس» هو استجابة لتفاعلات لم تتوقف وانتقادات تجاه نظام الاقتصاد العالمى القائم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتثبيت عملات أجنبية مقابل الدولار، وتشكيل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والتى تعكس غياب المعايير العادلة، وتحمل قدرا من التعسف والضغط والشروط التى جعلت هذه المؤسسات أدوات ضغط وتسلط أكثر منها أدوات تعاون ومشاركة ودعم لطموحات الدول فى الاستقلال والتنمية.
توسيع مجموعة «بريكس» إلى «بريكس بلس» بعد انضمام 5 دول أعضاء أهمها مصر والسعودية والإمارات وإيران، بمثابة نقلة نوعية، ويضم التجمع 6 من أكبر 9 دول منتجة للنفط، وتتزامن دعاوى إصلاح المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية مع مطالبات بتعديل النظام العالمى ليكون أكثر استجابة للتطورات والطموحات، فى نظام يناسب التطورات الجارية، خاصة أن النموذج الغربى الذى ساد بعد الحرب الثانية، يفترض أن يتغير بعد انتهاء الحرب الباردة، وخروج الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشرقى من الحرب الباردة، وانفراد الولايات المتحدة بالنفوذ على مدى أكثر من ثلاثة عقود تراكمت فيها الأزمات وساد فيها الاستقطاب، ضمن نموذج لم يعد مناسبا للقرن الوحد والعشرين.
الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد فى كلمته أمام القمة ضرورة تكاتف الدول النامية، وتعزيز التعاون «جنوب – جنوب»، كأحد السبل المهمة لمواجهة التحديات وتعتبر «بريكس بلس» منصة لدفع التعاون وتعزيز التشاور، بين تجمع البريكس ودول الجنوب، وأشار إلى أهمية تعظيم الاستفادة من بنوك التنمية متعددة الأطراف لتكون أكثر قدرة على تعزيز نفاذ الدول النامية للتمويل الميسر، ترى مصر الدور المهم لكل من «بنك التنمية الجديد»، و«البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية»، لتوفير التمويل اللازم والميسر للدول النامية، لتنفيذ المشروعات التنموية فى قطاعات متعددة، ودعا الرئيس إلى ضرورة استثمار اجتماعات «بريكس بلس» لتكثيف تبادل الخبرات.
فيما أشار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إلى أن هناك بعض الدول تحاول التلاعب بصناديق النقد وتنتهك حقوق الإنسان، وكلها طرق غير صحيحة تؤدى لظهور أزمات جديدة وتصعد الأزمات القديمة، مما يؤدى إلى زعزعة الاستقرار وتقويض مبدأ الأمن الموحد وغير المتجزئ، بينما أكد الرئيس الصينى «شج جين بينج»، أن مبادرة «الاستثمار العالمية» تهدف إلى بناء عالم أفضل للشعوب، والصين مستعدة لإنشاء تحالف لدول مراكز الجنوب اللوجستى لتدعيم بناء الخبرات وإجراء الحوار.
كل هذه يجعل من تجمع بريكس بلس، طريقا لإصلاح النظام الاقتصادى، والخروج من تسلط المؤسسات الاقتصادية الكبرى، من خلال استخدام العملات المحلية فى التبادل التجارى بين الدول الأعضاء، لتخفيف الطلب على الدولار، وبناء سياقات لمواجهة تسلط وديكتاتورية المؤسسات الكبرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة