أحمد إبراهيم الشريف

بهاء طاهر .. الصعيدي الطيب

الأحد، 27 أكتوبر 2024 05:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رحل بهاء طاهر في  أكتوبر 2022 لكنه لا يزال يعيش بينا بأثره كما عهدناه حلقة مهمة فى تاريخ الكتابة المصرية والعربية بتاريخه المهم كروائى ومترجم ومخرج مسرحى.

وتكمن قوة بهاء طاهر في مزيج متفرد من عناصر عدة، جعلت منه أحد أعمدة الأدب العربي المعاصر. لا يمكن اختزال هذه القوة في جانب واحد، بل هي نتاج رؤيته العميقة للإنسان، قدرته على المزج بين البساطة والتأمل الفلسفي، وموهبته في التقاط أعمق المشاعر الإنسانية بأسلوب غير متكلف.

وكلما جاءت سيرة بهاء طاهر أو طالعتنى صورة له مشورة  فهمت كيف كان يكتب هذا المبدع  رواياته، إنه لا يبذل فيها مجهودًا يذكر، إنه فقط يخاطب شخصياتها وتخاطبه.

تعرّفت على عالمه الأدبي لأول مرة في مسلسل "خالتي صفية والدير" في تسعينيات القرن الماضي. حينها، توقعت أن يكون بهاء طاهر شبيهًا بشخصية "حربي" في المسلسل، بملامح حادة وحركة انفعالية، لكنه لم يكن كذلك. ظننته صعيديًا صلبًا، لكنني فوجئت حين علمت أنه من مواليد محافظة الجيزة. ورغم ذلك، احتفظت ملامحه بهدوء أهل الصعيد، فكان هادئًا رتيب الخطوات، وكأنما في طريقه لحضور حلقة ذكر أو عائد منها.

من بين أعماله، شعرت أن "نقطة النور" تعبّر بصدق عن فلسفته في الحياة وطريقة تفكيره، في حين أن رواية "حب في المنفى" كانت أشبه بصرخة ضرورية، وكأنها الرواية التي كان لا بد أن تُكتب.

اشتهر طاهر بنأيه عن صخب الأحداث، لكنه كان يترك بصمته في اللحظة الحاسمة. ظهر ذلك جليًا في مواقفه السياسية، وأبرزها مشاركته في الاعتصام الذي شكّل شرارة الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في 2014. لم يكن طاهر ممن يخوضون المعارك اليومية، بل كان يراقب بهدوء، وعندما تحين اللحظة، يقول كلمته الحاسمة.

حين قرأت "واحة الغروب"، قبل أن تُحوّل إلى عمل درامي، أدهشني فهمه العميق لشخصية الضابط محمود عبد الظاهر، وإيمانه بأن الإنسان الذي يفقد ذاته لا يمكن لأي شيء مادي أن يعيدها إليه. ومع ذلك، شعرت أن الجزء المتعلق بحياة الإسكندر الأكبر في الرواية بدا غريبًا، وكأنه لا ينسجم مع روح بهاء طاهر المعتادة.

اللافت في أعماله أن الأصدقاء نادرًا ما يتفقون على رواية واحدة بوصفها الأفضل. هناك من يرى أن "وقالت ضحى" هي الأجمل، بينما يفضل آخرون "حب في المنفى"، وآخرون يميلون إلى "واحة الغروب". وهذا الاختلاف ليس إلا دليلًا على ثراء تجربته الأدبية وتنوّعها، ما يعكس نجاحه في الوصول إلى أعماق قرّاء مختلفين.

وبالمجمل كان بهاء طاهر يكتب بلغة سهلة تتسلل بسلاسة إلى القارئ، لكنها تحمل في طياتها معاني عميقة عن الحياة والحب والغربة. هذه البساطة جعلت رواياته قريبة من القارئ العادي والمثقف على حد سواء، وهو ما عزز شعبيته الأدبية. يمكن للقارئ أن يشعر بأن الرواية تحاوره مباشرة، وكأنها كُتبت من أجله.

كما اهتم بمناقشة قضايا الإنسان المعاصر، مثل المنفى النفسي والسياسي، والبحث عن الذات، والصراع بين الواقع والقيم. في رواية "حب في المنفى"، تجلى وعيه السياسي الحاد، حيث رصد معاناة الإنسان في زمن الأنظمة القمعية والصراع من أجل حرية التعبير. لكنه لم يقدم قضايا سياسية مباشرة، بل عالجها من منظور إنساني، مما أضفى على أعماله بعدًا عالميًا.

وعلى الرغم من كون رواياته ليست كثيرة، إلا أنها متنوعة في أفكارها وأساليبها. فنجد في "نقطة النور" بعدًا صوفيًا وتأملًا في معنى الحياة، بينما في "وقالت ضحى" نواجه نقدًا اجتماعيًا وسياسيًا ضمنيًّا. هذا التنوع يعكس ثراء تجربته، حيث كان قادرًا على التجديد في كل عمل دون أن يفقد بصمته الخاصة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة