بعد أيام من البيانات والتوقعات، نفذت إسرائيل ضربة على مواقع عسكرية إيرانية، وذلك ردا على هجوم طهران الذى وقع مطلع أكتوبر، ونفذته إيران بالصواريخ والطائرات المسيرة، وبالرغم من بقاء المواجهة بين تل أبيب وطهران فى سياق محدود، لا تزال هناك احتمالية للدخول فى حرب إقليمية أكثر اتساعا.
وإذا كان من الصعب تحديد الخسائر التى أوقعها القصف الإسرائيلى، فإنها لم تتجاوز ما حققته الضربات الإيرانية من قبل، ويسعى كل طرف إلى التقليل من فاعلية الضربات، بما حول الأمر فى بعض الصور إلى سباق على مواقع التواصل وصور وبيانات مختلفة.
اللافت للنظر أن الإعلان عن الضربة الإسرائيلية تم على مراحل سواء من خلال تحديد المواعيد أو الأهداف، فقط تم التراجع عما تم الإعلان عنه من قبل عسكريين إسرائيليين بأن الضربات قد تشمل منشآت نووية، ويبدو أن الاتصالات التى تمت أنهت فكرة ضرب منشآت نووية، حيث سبق وأعلن الناطق باسم الخارجية الإيرانية بأن ايران ترى قضية حزب الله أمرا لبنانيا يمكن إنهاؤه بحوار داخلى لبنانى، وهو ما قد يعنى فك الارتباط بين طهران وحزب الله، خاصة أن إسرائيل نفذت على مدى العام الماضى ضربات استراتيجية وأسقطت الحرب بالوكالة ونفذت اغتيالات لقيادات كبرى فى حزب الله بدأت بفؤاد شكر رئيس أركان حزب الله ثم الأمين العام حسن نصر الله وخليفته، وعدد من قيادات الحزب قدروا بأكثر من 400، بجانب اختراقات وعمليات نوعية كشفت عن ارتباك وغياب للتماسك والقدرات التكتيكية والاستخبارية لحزب الله، وتعددت التفسيرات والتحليلات لرصد هذه الثغرات وما إذا كانت تمثل تحولا فى موازين القوة والمعلومات والنفوذ .
ومما يضاعف من فكرة فك الارتباط أنه عندما تعرض منزل بنيامين نتنياهو لهجوم طائرة بدون طيار، وهدد بعقاب من أسماهم عملاء إيران سارعت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة بالنفى، وقالت إن طهران ردت على هجمات تل أبيب وأن الهجوم الأخير نفذه حزب الله، بالرغم من أن الحزب لم يعلن مسؤوليته، وكان النفى تحولا فى العلاقة بين طهران والحزب، بعد سنوات كان ممثلا لها فى المنطقة مع نقاط أخرى، يضاف اليها اعتبار حزب الله قضية لبنانية تخضع لحوار داخلى.
ثم إن الاغتيالات والاختراقات بدا أنها تمهيد لتصاعد الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان والإعلان عن مصادرة كميات من الأسلحة والصواريخ والراجمات، بالطبع هناك مقاومة من قبل حزب الله ، وعمليات نوعية ضد قوات الاحتلال، التى تدخل وتخرج ولا تقوم بعمليات احتلال فى الجنوب على عكس الاجتياحات السابقة.
ومن الواضح أن الهجمات الإسرائيلية تتم بتنسيق واضح مع الإدارة الأمريكية فى البيت الأبيض والبنتاجون، حيث سبق الهجوم بساعات وصول سرب من مقاتلات إف 16 الأمريكية إلى المنطقة، ومع هذا فقد نقلت شبكة سى إن إن «CNN» عن مسؤول فى إدارة بايدن أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تشارك فى الهجوم الذى نفذته إسرائيل فجر السبت، ضد أهداف ومواقع عسكرية فى العاصمة الإيرانية طهران.
وحسب موقع فوكس نيوز الأمريكى إن رئيس الولايات المتحدة جو بايدن اطلع على مستجدات الرد الإسرائيلى باستهداف عدة مواقع فى العاصمة الإيرانية طهران، وأكد مسؤولون فى البيت الأبيض فى تصريحات إعلامية أن الهجوم لم يستهدف مواقع نفطية أو نووية، بل وجه لأهداف عسكرية داخل إيران، بما يشير إلى سياق محدود للمواجهة يدور فى إطار بعيد عن المناطق الحساسة والدقيقة التى قد تفتح الباب لمواجهات أوسع وأخطر.
وعلى الجانب الآخر، قالت وكالة تسنيم الفارسية إنه لم يتم استهداف أي مراكز عسكرية للحرس الثورى غرب وجنوب غرب طهران، واعتبرت الخارجية الإيرانية، الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية انتهاكا للقانون، وأكدت الخارجية فى بيان لها «من حقنا الدفاع عن النفس ضد أى عدوان أجنبى وفق ميثاق الأمم المتحدة، واعتبرت استمرار ما أسماه «الجرائم الصهيونية بالمنطقة» بدعم عسكرى وسياسى أمريكى وغربى عامل للتوتر»، وأكدت الخارجية الإيرانية استخدام كل إمكانياتها للدفاع عن أمننا ومصالحنا والتزامنا بالأمن الإقليمى.
كل هذه التطورات تمثل خطوات تبقى فى إطار محدد بسياقات، يرصدها مراقبون أنها تظل فى سياق محكوم، وأن ما تم من قصف لم يكن على مستوى التصريحات التى سبقت الضرب، بل إن هناك تقارير تقول إن إسرائيل أبلغت طهران بالهجوم قبل تنفيذه بساعتين، وأن ما تم هو نتيجة مساع واتصالات ورسائل تضع المواجهة فى سياق محدد وتسعى أطراف إقليمية إلى إبقائها فى إطار يمنع انفجار المنطقة.
وتشير بعض التحليلات إلى أن الضربة الاسرائيلية، تأتى لحفظ ماء الوجه ، وأن الاتصالات والرسائل المتبادلة قد تسفر عن أوضاع تفصل بين إيران ووكلائها، وهو ما تضمنه بيان جيش الاحتلال الذى أعلن فى بيانه وقال إن رده على هجمات إيران ضدها فى الشهور السابقة وأنه مستعد هجوميا ودفاعيا، ويتابع التطورات من إيران ووكلائها، وهو يقصد حزب الله والحوثى، وأيضا أى تمركزات فى سوريا والعراق التى تنطلق منها عمليات ضد المصالح الأمريكية وأيضا ضد الاحتلال.
بالطبع فإن ما يجرى فى العلن من مواجهات، هو الصورة الأخيرة، التى تتم بعد الاتصالات والمساعى، ويظل خطر الحرب الشاملة واردا، ما لم يتم عقد اتفاقات وربما صفقات تغير من توازنات النفوذ وشكل المواجهات فى الإقليم .
مقال أكرم القصاص
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة