أشعر بخوف كبير على مجتمعنا المصري الذي ظل محافظاً على هويته وأصالته وأخلاقياته لقرون طويلة ، لم يتأثر فيها بمحتل أو استعمار أو حروب أو أزمات ، ظل فيها يؤثر على كل من دخل هذا البلد ولم يتأثر سوى بما هو إيجابي ، ثم أرى ما أصابه اليوم بسبب ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي من مهازل ، وكيف أن تدهوراً كبيراً يصيب البعض ويتبارى على تلك المواقع لعرض كل ما هو قبيح ومبتذل ومنحط .
بل هناك من يفتعل مواقف لا تخطر على بال بشر من أجل الحصول على المال الذي توفره بعض المواقع بسبب ارتفاع المشاهدات أو المتابعات ، فهذا عريس في ليلة زفافه يفاجئ عروسه بأنه يحب صديقتها وأنه سيتركها ويرتبط بالصديقة ، وتنهار العروس ثم يعترف لها بأن هذا مقلب دبره مع صديقتها المقربة ، وذاك عريس افتعل اختطافه في سيارة أثناء الزفة وجرى وراءه المعازيم وهم يصرخون بأن العريس قد خُطف ، وثالث يطلق زوجته على الهواء ويتبادلا الشتائم ، وأخرى تصنع طعاما تعافه النفس وتأكله هي وبناتها وزوجها بطريقة مقززة، وأخرى توجه الشتائم والسباب لوالدها ولأهلها ، وأخرى تتاجر ببناتها ، وغيرهم كثيرون لا حصر لهم ، كلهم يتبارون في نشر أسوأ ما فيهم وما فينا بابتذال لا مثيل له ولم أسمع عنه من قبل ، وما كنت أظن أن هناك من يجرؤ على الإقدام عليه على الملأ !
صحيح أن لدينا مشاكل كثيرة ، ولدينا أسر فقيرة ربما تمضي ليلها بلا عشاء ، ولكن هناك الأكثر ممن يملكون من عزة النفس والكبرياء ما يمنعهم حتى من التفكير في المتاجرة بفقرهم أو احتياجهم ، ولكن من هم هؤلاء الذين هبطوا علينا ليتاجروا بكل ما هو رديء ؟ ولا يقتصر هذا على الفقراء ، فبعضهم من طبقات اجتماعية مرتفعة وهم أيضاً يستعرضون ما حباهم الله به دون مراعاة لشعور من لا يملكون ولا يقدرون ، فيستعرضون بيوتهم وطعامهم وسياراتهم وأملاكهم ، الكل أصبح يتاجر على هذه الوسائل التي أصبحت تشكل لعنة تتزايد خطورتها يوما بعد يوم ، حتى أصبحت البيوت مكشوفة والعلاقات المشوهة على الملأ ، والتنافس على التدني بلغ منتهاه ، ولا أحد يقدر على إيقافه !
هذا الأمر خارج عن نطاق الرقابة على تلك المواقع ، وبعيد عن عمل الجهات الأمنية ، لكنه بالتأكيد يقع في نطاق المهتمين بالعمل الأكاديمي والبحث الاجتماعي ، وكيفية إيقاف هذا التدهور الغريب الذي يتزايد ويتسع نطاقه ، ولم يسلم منه ريف أو حضر ، ولا فقير أو غني، وأصبح كل من يحمل جهاز موبايل به كاميرا وانترنت يقتحم البيوت والعقول ، وينطلق عبر الحدود لشعوب أخرى تظن أن هذا هو حال كل المصريين ، وبعضهم يستخدمه للمعايره ونحن منه براء .
هناك غيري كثيرون يشعرون بالإشمئزاز لما تقع عيونهم عليه في كل يوم ، ويجدونه أمامهم ، لكن الأبشع هو تصديق البعض وتتبع البعض وتقليد البعض ممن يعتقدون أن هذا هو الطريق إلى الثراء . لقد أصبحت الصفات والأخلاق والقيم المصرية التي كنا نطلق عليها ( أصيلة ) في خطر حقيقي ، ولا أعرف كيف يواجه من لايزالون يتمسكون بقيمهم كيف يواجهون هذا الإعصار المدمر خاصة مع صغارهم ، وكيف يحمونهم من هذا الوباء ؟ ثم لا أعرف ماذا فعلت مؤسسات مهمة مثل المركز القومي للبحوث الاجتماعية وأقسام علم الاجتماع بالجامعات المختلفة حيال ما نواجهه وهل لديهم حلول ورؤى أم علينا الرضا بالأمر الواقع والاستسلام لهذا التدهور الغير محسوب العواقب ؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة