هل أبلغت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية إيران بموعد الضربة لمواقع محددة ومحدودة في العاصمة طهران؟
هناك معلومات وتقارير عربية وغربية تحدثت عن الموعد والاتفاق لضرب مواقع عسكرية إيرانية لإرضاء الغرور الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني الأخير على تل أبيب.
وماذا يعني ذلك؟
يعني أن قرار الحرب والسلم بيد واشنطن، وأن وقف العدوان وردع إسرائيل عندما تمثل سياساتها تهديدا مباشرا وخطيرا للمصالح الأمريكية بالمنطقة وتعريض قواعدها العسكرية وقواتها في منطقة الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية القريبة من إيران للخطر.
الولايات المتحدة لها حوالي 30 قاعدة عسكرية وما يقرب من 30 ألف جندي في منطقة الشرق الأوسط وبخاصة الدول العربية المجاورة لإيران والقريبة للغاية، علاوة على الممر الملاحي الاستراتيجي والأساطيل البحرية الأمريكية في الخليج العربي وممر خليج هرمز.
بالتالي فهذه التواجد يمكن أن يتعرض للخطر المباشر والفعلي في حالة جموح إسرائيل وتنفيذ ما هددت به من ضربة قوية غير مسبوقة لإيران- قبل الهجمات الأخيرة التي تمخضت عن اللاشىء- فالتصعيد بالصورة التي هددت بها إسرائيل قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لدول في الشرق الأوسط ومنها إسرائيل بالتأكيد كان سيدفع بالمنطقة إلى حرب مجهولة النهاية، وتورط أطرافا دولية في هذه الحرب المجنونة في منطقة غاية في الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة والعالم.
جاءت الضربة الإسرائيلية محدودة النطاق، وليست بحجم التهويل بالإعلام الإسرائيلي- كما أعلن الجيش الإيراني- وزعم أنه أسقط كل الأهداف الجوية المعادية ولا أضرار أمنية تذكر.
وما يلمح إلى وجو اتفاق ثلاثي على موعد الضربة والأماكن المستهدفة ما ذكرته وسائل إعلام أمريكية، والتي وصفت الرد الإسرائيلي بـ"المحدود ولحفظ ماء الوجه"، فيما عبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن "خيبة الأمل الكبيرة التي أصابت مؤيدي نينتياهو"، وتساءلت: "هل هذا هو الرد الذي يتحدثون عنه؟! فقد تحدث قادة إسرائيل عن ضربة مهولة اقتصرت في النهاية على ضربة على مواقع عسكرية متروكة في أطراف مدن الجمهورية الإيرانية..! ولم تسفر سوى عن مقتل جنديين في الدفاعات الجوية الإيرانية فقط.
هل تكتفي إسرائيل بهذه الضربات وفقا للتعليمات الأميركية؟.. وهل ترد إيران؟
هذا هو سؤال اليوم التالي في المنطقة الآن لدى كافة الأطراف داخل المنطقة وخارجها. فإيران الدولة البرجماتية بامتياز في سياستها الخارجية وفي مهارة تحقيق المكاسب من كل أزمة تدرك أن الضربة الإسرائيلية- حتى لو كانت لرد ماء الوجه- هي المرة الأولى منذ الحرب الإيرانية-العراقية في منتصف الثمانينات التي تتعرض فيها العاصمة الايرانية لهجوم مباشر بغض الطرف عن تفاصيل الضربة وامكانيات سلاح الجو الإسرائيلي بطائراته الحديثة في الطيران لحوالي 1200 كيلو متر بدون التزود بالوقود، أو ما اذا كانت هذه الطلعات من إحدى القواعد الأمريكية بالمنطقة والقريبة من ايران.
فهل تلجأ للتصعيد في ظل الإنهاك الذي أصاب أذرعتها بالمنطقة في غزة وجنوب لبنان واليمن، وتستغل انشغال الإدارة الأميركية في الانتخابات الرئاسية التي اقترب موعدها الشهر المقبل، فواشنطن من جانبها تراهن على عدم وقوع رد آخر من إيران، إلى ما بعد الانتخابات، وهو سيناريو محتمل.
وهذا التأخير المحتمل سيفيد الإدارة الحالية من خلال تجنب صراع إقليمي ودولي محتمل قد يؤثر على الناخبين وسط ظهور استطلاع للرأي تفيد بإحجام العرب والمسلمين عن التصويت لمرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس بسبب تصريحاتها ضد غزة وإعلان دعمها الكامل لإسرائيل.
أم تلجأ للتهدئة واستغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب ذاتية عبر مفاوضات تحسن إدارتها وتوظيفها جيدا، وهو ما مهدت له التصريحات الصادرة من طهران بـ"فشل" الضربة الإسرائيلية و اعتراضها بنجاح، بدليل عودة الحياة الطبيعية للعاصمة الإيرانية في صباح ذات اليوم.
أم تبقى على استراتيجية القدور الساخنة بجعل الأوضاع متوترة بحرب طويلة بلا انتصار حقيقي لأي طرف.
في إسرائيل هناك انتقادات واسعة لنتائج الضربة والحرب المستمرة منذ 375 يوما، دون تحقيق النتائج المعلنة وبدت المخاوف من اليوم التالي للحرب، رغم ما يزعمه اليمين الإسرائيلي الحاكم من نجاحات عسكرية. لكن الحرب في مجملها تقدر بميزان النتائج النهائية سواء على المستوى العسكري أو السياسي. فمعنى عدم تحقيق الأهداف هو كارثة محققة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والنخبة الحاكمة. وكما يشير الكاتب في صحيفة هآرتس- الأرض- الإسرائيلية روجل ألفر فان "ما ينتظر إسرائيل في اليوم التالي هو حرب أهلية. الحرب الأبدية تؤجل الحرب الأهلية. ولذلك، يفضل المواطنون الأولى على الثانية، حتى لو لم نسمع ذلك علانية لكنه مغروس في وعي المجتمع". الحرب لا تخدم فقط المصالح الشخصية لنتنياهو، "بل تدعم أيضاً فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي تتوق إلى الوحدة الوطنية بأي ثمن". الثمن هو "التضحية بالرهائن، والتضحية بالجنود في ساحة المعركة كل يوم تقريباً، وسحق الاقتصاد". ويتساءل: ”إلى متى ستستمر الحرب الأبدية؟ ليس إلى الأبد. لا شيء يدوم إلى الأبد.
على المستوى الإقليمي فقد أعربت دول عربية عن قلقها ونددت مصر والسعودية والإمارات وعمان ودول عربية أخرى، الهجوم الإسرائيل، والتخوف من تأثيرات محتملة قد تزعزع استقرار الشرق الأوسط وتهدد بتوسيع دائرة الحرب والصراع.
الكل يراقب بقلق، فالتصعيد قد يغير المشهد الإقليمي بشكل كبير. لكن ربما أن تعقيد الأزمة والوصول إلى سياسة "حافة الهاوية" قد تؤدي إلى الحل الدبلوماسي والسياسي لتجنب المنطقة والعالم أزمة لا يعلم مداها أحد.