حذر مرصد الأزهر في تقرير له وحدة رصد اللغة الإسبانية من تفشي الإسلاموفوبيا في أوروبا وما يرافقها من عداء متجذر تجاه المسلمين، حيث تتسع رقعتها يومًا بعد يوم، ولا نستثني من ذلك إسبانيا؛ هذه الأرض التي كانت يومًا ما شاهدًا على انسجام الحضارات وتمازج الثقافات، لم تعد بمنأى عن تلك التوترات التي تسللت إلى أوصال المجتمع الإسباني الذي يحتضن ما يزيد عن مليوني مسلم، جاء أكثرهم من شمال إفريقيا، وخاصة المغرب، يحملون معهم إرثًا حضاريًّا غنيًّا، في حين ينتمي آخرون إلى أصول إسبانية متفرقة.
ففي إحدى جلسات البرلمان القطلوني، تصاعدت موجة من التوتر السياسي إثر تصريح لاذع أدلت به النائبة المتطرفة "سيلفيا أوريولس"، زعيمة حزب "التحالف القطلوني" اليميني المتطرف. كان الحديث في بدايته منصبًّا على قضايا تتعلق بتشكيل الحكومة الإقليمية، غير أن "أوريولس" سرعان ما استغلت المنبر لتحويل النقاش إلى هجوم شخصي على النائبة المسلمة "نجاة درويش" بسبب ارتدائها الحجاب.
وفي كلمتها التي غلب عليها التحريض، لم تكتفِ "أوريولس" بالتشكيك في الوجود الإسلامي داخل المؤسسات السياسية، بل وصفت الحجاب بأنه "رمز للتمييز ضد المرأة"، محاولة بذلك زرع بذور الكراهية ضد الإسلام والمسلمين بين أروقة البرلمان.
وتابع المرصد أن الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد كلمات أو تصريحات عدائية تتردد على ألسنة المتطرفين، بل تحولت إلى سياسات وقوانين تمييزية ترسخ التفرقة وتزيد من معاناة المسلمين.
تتجلى هذه الظاهرة في الاعتداءات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها المسلمون يوميًّا، فضلًا عن المضايقات المتكررة التي تتعرض لها النساء المحجبات خاصةً، وهن الأكثر عرضة للاستهداف والتمييز حيث تسعى التنظيمات المتطرفة جاهدة إلى تشويه صورة المسلمين عبر ربطهم بالإرهاب والتطرف، ما يعمق الهوة بين مكونات المجتمع الإسباني، ويزيد من حدة الانقسامات والتوترات. وفي هذا المناخ المتأزم، يجد مسلمو إسبانيا أنفسهم في مواجهة حملات عدائية تتفاوت بين الخطابات المتطرفة والإساءات العلنية، وبين حوادث العنف الجسدي التي لا تفرق بين الأفراد والممتلكات.
ولعل الهجمات المنظمة ضد النساء المحجبات اللواتي أصبحن هدفًا للخطابات السياسية والتهجم الإعلامي أبرز مظاهر الإسلاموفوبيا حيث يُستخدم الحجاب رمزًا للهجوم على عقيدتهن وقيمهن.
ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن هذه الحوادث تظل تذكيرًا قويًّا بضرورة التصدي للإسلاموفوبيا بجميع أشكالها ومظاهرها. كما أن محاربة هذه الظاهرة لا تقتصر على الاستجابات السياسية فحسب، بل تستدعي أيضًا نشر الوعي، وتعزيز ثقافة التسامح، والاحترام المتبادل.
ويشدد المرصد على أن هذا الجهد يتطلب التزامًا عميقًا بإرساء مبادئ العدالة والمساواة، وتجسيدها في كل جانب من جوانب الحياة، ما يعكس التزامًا راسخًا ببناء مجتمع متماسك ومزدهر، ينعم بالتنوع ويدعمه بكل السبل الممكنة.
ويلفت المرصد إلى أن القضاء على الإسلاموفوبيا يُسهم في تأسيس مجتمع قائم على العدالة والمساواة، إذ يتمكن الأفراد من العيش بحرية دون خوف من التمييز أو الاضطهاد على أساس الدين. إن مكافحة الإسلاموفوبيا، تعزز من قيم التعايش السلمي وتقبل الآخر، ما يقوي الروابط الاجتماعية بين مختلف الفئات، مما ينعكس إيجابيًّا على استقرار المجتمع وازدهاره، حيث يصبح التعاون والاحترام المتبادل الأساس لبناء مستقبل أكثر شمولية وتضامن لجميع أفراد المجتمع على حد سواء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة