عصام محمد عبد القادر

السادس من أكتوبر.. نصر مجيد

الجمعة، 04 أكتوبر 2024 06:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حققت الدولة المصرية انتصارًا مستحقًا في حربها العادلة مع إسرائيل في السادس من أكتوبر عام 1973م؛ حيث أسقطت القوات المسلحة المصرية النظرية المزعومة بالأمن الإسرائيلي حينذاك، وفي هذه الحرب رصد العالم المترقب لُحمة الجيش والشعب والقيادة السياسية؛ فكان البأس شديد شهد له العدو قبل الصديق وسطره التاريخ بأحرف من نور في ملحمة أكدت للجميع أن تحقيق النصر قرين الإيمان بالله الذي يتأتى من طاعة وإخلاص في العقيدة.

وذكرى حرب أكتوبر المجيد لها دلالات في النفوس مستمدة من الإيمان الراسخ تجاه حب الوطن والولاء والانتماء له وصون ترابه ومقدراته؛ فتحرير سيناء كان التحدي الحقيقي الذي تمخض عنه معدن المصريين الأصيل؛ فقد ظهرت آنذاك علو الهمة ومن ثم تفجرت الطاقات وازدادت قوة الإرادة، وأصبحت ساحة الجهاد والقتال أسمى غاية يتمنى أن يلتحق بها من كان لديه استعداد ومقدرة على بذل النفس والدم والرغبة في نيل الشهادة، وهكذا كانت الصورة الحقيقية للجندي المصري.
ورغم أن هناك حسابات خاصة للحروب؛ إلا أن حرب أكتوبر المجيدة خيبت توقعات الأعداء المتربصين بالدولة المصرية وشعبها الجسور، فقد تناغمت إرادة الشعب مع تخطيط القيادة السياسية والعسكرية؛ ليقوم جيشنا العظيم بتلقين العدو دروسًا ما زال أثرها باق في ذهن الأعداء وما زلنا نحن المصريين نستلهم منها القوة وتبيان الحق؛ فهي معلمة وعبرها لا تنتهي، فقد دُرست في مشارق الأرض ومغاربها.
وفي حرب العزة والكرامة علا تكبير المصريين جندًا وشعبًا فأرهب وأرعب العدو الغاصب وزلزل أركانه وبنيانه؛ فبات يتخبط وتعلوه الدهشة والخزي من هول الموقف وجسارة الجيش وقواته التي تحلت بالصبر والإيمان وقوة الرباط والجأش؛ لذا أضحى الحفاظ على جيشنا العظيم وتعضيده وتعزيزه بالعتاد الحديث والتدريب المستدام في مقدمة أوليات الدولة المصرية؛ حيث يمثل السيف والدرع الذي يقهر ويردع العدو في كل وقت وحين.
إن قواتنا المسلحة المصرية وشعبها المرابط المقاوم الذي لا يقبل الدنية ويؤمن بالعزة والكبرياء والفخر، أثبتا للعالم بأسره حالة الثبات في وقت الشدائد، وقوة العزيمة والإرادة اللتان حققتا العبور وحطمتا الخطوط والقلاع والحصون على أرض سيناء الطاهرة التي ارتوت بالدماء الذكية، وشهدت بطولات أجيال تلو أجيال؛ فتلك البقعة المقدسة التي لم ولن يفرط في رمالها جيش مصر الباسل والقيادة السياسية الجسورة والشعب العظيم.
إن حرب السادس من أكتوبر المجيد أطاحت بأكاذيب وأساطير ومعتقدات واهية وذهبت بها أدراج الرياح؛ ليعي الجميع أن مصر مقبرة الغزاة؛ فلديها جيش يمتلك العقيدة الراسخة؛ إذ أن تربية منتسبيه ممنهجة يتدرب فيها الفرد على الصبر والتحمل والإصرار والمثابرة من أجل بلوغ الهدف، كما لديه مقدرة متفردة على ضبط النفس، ولا يتوانى في أن يُعلي من لياقته البدنية بتدريب مستدام يُكتسب من الخبرة ويزداد قوة وإرادة وصلابة.
وفي خضم ذكرى أكتوبر التي تملء قلوبنا عزيمة وإصرار على حماية وطننا الغالي؛ فإننا نثمن جهود قيادتنا السياسية التي حدثت وطورت من الأسلحة القتالية ليصبح جيشنا العظيم على الدوام ذو جاهزية بنيرانه التي يردع بها العدو في كل الاتجاهات بشتى ربوع الوطن؛ فمواجهة كل من تسول له نفسه الاعتداء على مصر ودحره والقضاء على مخططاته أمر لا شك فيه ولا مواربة.
لقد أيقن العالم بأن السلام الذي يقوم على قوة خير وأبقى من السلام الذي يقوم ويؤسس على ضعف واستسلام؛ لذا جاءت نتائج أكتوبر المجيد مؤكدة على أن حب مصر وشعبها للسلم والسلام لا يعني التنازل على حبة رمل؛ فهذا الشعب المغوار رجالاً ونساءً أثبت أنه عظيم بمواقفه النبيلة على مر التاريخ؛ فقد قدم لجيشه صور الدعم والمساندة المختلفة؛ فكانت هناك صفوف المتطوعين بالنفس والمال والدم وتقديم الرعاية.
إن تضافر جهود الشعب المصري الأصيل ومقاومته الجسورة مع جيشه الباسل المقدام أثناء حرب السادس من أكتوبر أثلج صدور المقاتلين على جبهة القتال، وبعث فيهم الأمل والتفاؤل بالنصر المبين، وقوى من شوكتهم، ودفعهم للتقدم نحو تحقيق الغاية، وهو ما نراه في كل التحديات، أو الصعوبات، أو المخاطر، أو التهديدات التي تتعرض لها الدولة المصرية؛ إذ أن الجميع في رباط واصطفاف خلف الدولة وقيادتها وجيشها وشرطتها؛ لنثبت للعالم كله أن مصر باقية قادرة صامدة.
لقد أسست حرب السادس من أكتوبر المجيد على عقيدة وعمل؛ حيث قامت مؤسسة مصنع الرجال بتجهيز المقاتل الجسور نفسيًا وبدنيًا وعقديًا؛ ليدحر الحق الباطل ويزيل العدوان؛ فتأكد في الأذهان أن الموت في سبيل هذا المسعى غاية ينشدها ويتطلع إليها؛ ولهذا خارت قوة العدو وهزلت عزيمته وانكسر أمله وبهت منطقه وتأكدت لديه الهزيمة التي أدحرت مخططاته المستقبلية، وصدق العزيز الحكيم في محكم تنزيله إذ يقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111).. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله مصر جيشًا وشعبًا وقيادة أبد الدهر.
______________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة