دار الإفتاء توضح الحقوق المشتركة بين الزوجين.. احترامها لأهلهما واجب.. والمحافظة على النظام والنظافة والطهارة من دعائم البيت القوى.. ولا ينبغى أن ينشغل الرجل بما ليس ضروريا ويترك لزوجته مسئولية تربية الأبناء

الجمعة، 04 أكتوبر 2024 03:00 ص
دار الإفتاء توضح الحقوق المشتركة بين الزوجين.. احترامها لأهلهما واجب.. والمحافظة على النظام والنظافة والطهارة من دعائم البيت القوى.. ولا ينبغى أن ينشغل الرجل بما ليس ضروريا ويترك لزوجته مسئولية تربية الأبناء دار الإفتاء
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحياة الزوجية مبناها على السكن والرحمة والمودة ومراعاة مشاعر كلٍّ من الطرفين للآخر أكثر من بنائها على طلب الحقوق، وفِقه الحياة والخلق الكريم الذي علمنا إياه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقتضي أن تتقيَ الزوجةُ اللهَ تعالى في زوجها وأن تَعْلَمَ أن حُسنَ عشرتها له وصَبْرَها عليه بابٌ من أبواب دخولها الجنة، وعلى الزوج أيضًا أن يراعيَ ضَعفَ زوجته ومشقة خدمتها طوال اليوم للبيت والأولاد، وأن يكون بها رحيمًا، وأن لا يُحَمِّلَهَا ما لا تطيق، فبهذه المشاعر الصادقة المتبادَلَةِ يستطيع الزوجان أداءَ واجبهما والقيامَ بمراد الله تعالى منهما، وسَحْبُ ما هو عند القضاء إلى الحياة غير سديدٍ؛ قال تعالى في كتابه الحكيم: {يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗا}

واوضحت دار الافتاء الحقوق المشتركة بين الزوجين ومنها:

احترام القرابة:

من القيم التي ينبغي أن يراعيَها كلٌّ من الزوجين أيضًا: احترام قرابة كل من الطرفين واعتباره في مكانة قرابته من النسب، فاحترام أهل الرجل وقرابته هو من احترامه وتقديره، والحطُّ من شأنهم حطٌّ من شأنه، وكذلك يجب على الزوج احترامُ أهل الزوجة وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم؛ فهم أصلها ومعتمدها بعد زوجها، واحترامهم من احترامها، والحط من شأنهم حطٌّ من شأنها، ويشهد لهذا المعنى ما رواه أبو ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستفتحون مصر وهي أرضٌ يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإنَّ لهم ذمةً ورحمًا))، وفي رواية: ((فإذا افتتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمةً ورحمًا))، أو قال: ((ذمةً وصهرًا))، قال العلماء: الرحم التي لهم: كون هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم منهم، والصهر: كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ففي هذا الحديث اعتبار الود والاحترام والتقدير لأهل الزوجة.

الحثُّ على الخصال الطيبة:

مما ينبغي على الزوجين أيضًا حثُّ كل منهما الآخر على الالتزام بتعاليم الإسلام، يقول الله تعالى: {وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡ‍َٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} [طه: ١٣٢]، وقال جَلَّ شأنه عن النبي إسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِوَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا} [مريم: ٥٥]، وقال عَزَّ من قائل: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} [التحريم: ٦]، قال عَلِيٌّ رضي الله عنه في قوله: { قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا} قال: «علموا أنفسكم وأهليكم الخير»، وقال مجاهدٌ: «{قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ}: أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم»، وقال قتادة: «مروهم بطاعة الله، وانهوهم عن معصيته»، قال الله تعالى: {وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤]، وقال تعالى: {خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، وقال تعالى: {وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ * وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ} [فصلت: ٣٤، ٣٥]، وقال تعالى: {فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥]، وقال تعالى: {وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡ} [النور: ٢٢].

وينبغي أن يحثُّ كلٌّ من الزوجين على النظام والنظافة والطهارة الظاهرة والباطنة، قال الله سبحانه: {كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ}.

كما ينبغي أن يُعلِّم كلٌّ من الزوجين الآخر أو يُيَسِّرَ له تَعَلُّم كل ما يحتاج إليه في إحسان حياته الدنيوية والأخروية، وليلتزم الزوجانِ الحلال الطيب والاقتصاد في الإنفاق؛ قال الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} [الفرقان: ٦٧]

المشاركة في تربية الأولاد:

فكلُّ واحد من الزوجين له دَور في بناء الأسرة وتربية الأولاد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((والرجل راعٍ في بيت أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها))(251)، ولا ينبغي أن ينشغل الرجل بما ليس ضروريًّا ويترك لزوجته كامل مسؤولية تربية الأبناء، فتجد الأم نفسها تحمل من المسؤوليات التربوية ما لا قِبَل لها بها؛ فيدفعها ذلك إلى التقصير عن القيام ببعض الأدوار، فيكون الأبناء ضحيةَ ذلك

هذه أهم الحقوق والواجبات التي قرَّرها الإسلامُ، وبها تستقرُّ الأسرة وتقوم بدورها كنواة للمجتمع، مما يحقق الأمن والأمان والسعادة للأفراد والمجتمعات والأوطان.

وقد راعت الفتوى هذه الحقوق والتوازن بينها، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا:

فقد حثَّت الفتوى على الأمانة في العلاقة الزوجية وعدم إفشاء أسرارها، ومما جاء في هذا الصدد: فتوى دائرة الإفتاء الأردنية جاء فيها: «وأما إفشاء أسرار الزوجية الخاصة التي تكون بين المرء وزوجه، ومن غير سبب شرعي، فذاك من المحرمات التي ورد النهي الخاص عنها، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا.

كما تناولت الفتوى المنضبطة مسألة الرفق بالزوجة وحسن العشرة، جاء في فتوى دار الإفتاء المصرية: «أمر الإسلام الزوج بإحسان عشرة زوجته، وأخبر سبحانه أن الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة، فقال تعالى: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ٢١]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)

ولم يضرب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من زوجاته أبدًا: فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل))

وأضافت الفتوى: «ولا شكَّ أنَّ الضرب المبرح أو الجلد أو العقاب البدني -وهو ما يطلق عليه: العنف الأسري- محرم بالإجماع، ويجب على جميع البشر الوقوف ضده، وممارسة العنف ضد الزوجة لا علاقة لها بالإسلام، بل المصادر التشريعية للمسلمين تحثُّهم على الرحمة والمودَّة في الحياة الزوجية ولا تدعوهم بحالٍ إلى ضرب النساء وظلمهن، يقول تعالى: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ٢١]، وفقهاء المسلمين يقفون ضدَّ هذا الضرْب والعنف، والنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن العلاقة بين الرجل والمرأة تقومُ على المودَّة والرحمة، وهذا يتنافى مع الضرب والإيذاء، ولذلك يستنكرُ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك استنكارًا شديدًا، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((أَيَضْرِبُ أَحَدُكُم امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْم؟!)) أخرجه البخاري في «صحيحه»، والبيهقي في «سننه الكبرى» واللفظ له، وفي ذلك ردٌّ على من زعم أنَّ الإسلام أهان المرأة وأباح للرجل ضربها.

وحثَّت الفتوى المنضبطة كذلك على حسن العِشرة بين الزوجين، جاء في فتوى دار الإفتاء المصرية: «الأحكام الشرعية المتعلقة بالحياة بين الزوجين لا تؤخذ بطريقةٍ يبحث فيها كلٌّ من الزوجين عن النصوص الشرعية التي تبيِّن حدود حقوقه وواجباته، أو تجعله دائمًا على صوابٍ والطرفَ الآخر على خطأٍ؛ بحيث يجعل الدين وسيلةً للضغط على الطرف الآخر وجَعْلِهِ مُذعِنًا لرغباته من غير أداء الواجبات التي تجب عليه هو.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة