في ذكرى رحيل الكاتب السوري خالد خليفة، أقيمت في الأيام القليلة الماضية ندوات عدة، منها ندوة أقامتها دار العين بالقاهرة، شارك فيها الأستاذة علا الشافعي، والأستاذة عبلة الرويني، والأستاذ سيد محمود (الصديق المقرب لخالد خليفة، والذي أعلن عن تدشين جائزة جديدة باسمه)، والأستاذ حمدي الجزار، والفنانة ناندا محمد.. هذا في القاهرة، وقد كانت هناك ندوات أخرى في المعهد العربي في باريس، وفي دمشق.
في حياة خالد خليفة القصيرة (1 يناير 1964 - 30 سبتمبر 2023) ، أسهم في كتابة عدد كبير من المقالات، والمسلسلات والسيناريوهات، لكن إنجازه الأكبر تمثل في فن الرواية، وهو صاحب مسيرة روائية مهمة أنجز خلالها أعمالا كبيرة القيمة، منها (حارس الخديعة)، و(مديح الكراهية)، و(الموت عمل شاق)، و(لم يصلّ عليهم أحد)، و(لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) التي نال عنها، قبل أكثر من عشرة أعوام، جائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة.. وقد شرفت بالمشاركة في لجنة تحكيم هذه الجائزة، وأستعيد الآن بعض الفقرات من التقرير الذي كتبته عن هذه الرواية:
"هذه رواية كبيرة عن قهر الجسد والروح. فى عالمها قسمات وملامح لمشهد كبير: عن عائلة بشخصياتها المتعددة، وعن مدينة حلب، بقلبها وحوافها وهوامشها، وحقول الخسّ التى تتراجع من حولها، وأجواء الكابوس الجماعى الذي تعيشه فى فترة مرجعية بعينها، والملاحقة، وأيضا عن الرغبات الموءودة، والتوق إلى مدن بعيدة يتم الاقتراب منها لأوقات استثنائية، والإدانات متعددة الأشكال لممارسات حزب واحد مهيمن، كلىّ القدرة تقريبا، فى فترة تاريخية محددة، وما يتهدد هذه الهيمنة فى فترة أخرى.
تنتقل الرواية نقلات عدة بين نقاط ماثلة على هذه الشبكة الممتدة، عبر هذه العائلة، بشخصياتها وبالشخصيات التى تتماسّ معها... وعالم هذه الرواية، بشخصياتها المتباينة، وبعلاقاتها المتشابكة، وبانتقالاتها المكانية والزمنية.. هذا العالم يتخطى دائرة الراوى المتكلم المفترض، الذى يطل علينا هنا وهناك، إلى مجالات بعيدة، لا تراها عيناه.
الشخصيات المتنوعة، وربما المتناقضة، فى هذه الرواية، بعوالمها المتغايرة التى يتم تجسيدها، تفترض أن هناك "حوارية" ما بين أطراف شتى.
عنوان الرواية، الذي يومئ، فيما يومئ، إلى مدينة منزوعة السلاح، والذي يتصل بشخوص مسالمين، فى مواجهة قمع يستقوى بكل الأسلحة.. يصوغ ـ هذا العنوان ـ نوعا من المفارقة، إذ لا يلم بالخيوط التى تدفقت بعيدا عن هذه المدينة (خلال الانتقال إلى أماكن أخرى)، ولا يحيط بالعالم الواسع الذي مضى بعيدا عما يومئ إليه هذا العنوان.
هل يمكن أن يتهم بعض القراء هذه الرواية بأنها تناوئ طرفا من الأطراف فى معركة راهنة، تخاض الآن، خارج الزمن الذى توقفت عنده الوقائع الروائية؟ ..هل سوف يرى بعضهم ـ خطأ ـ أنها فى شجبها لممارسات فريق واحد إنما تنتصر لضحاياه (ومنهم من هم أكثر تسلطا ووحشية من هذا الفريق)؟ ربما كان هذا سؤالا يجب علينا أن نفكر فيه، وأن نتأمل أبعاده، لأن الرواية قد أثارته بوضوح".