الخرافة من الأجناس الأدبية الصغيرة التى تغزو الرواية، ساعية إلى تحويل أنماط التعبير اللصيقة بالواقع الاجتماعى والنابعة منه إلى أشكال وتقنيات روائية (كما يقول محمد البدوى فى كتابه الرواية الحديثة فى مصر) خاصة مع الجو الغيبى/ الميتافيزيقى والفلكلورى السحرى الذى تمنحه للسرد، وهى تختلف عن الأسطورة، والقصص الشعبى، لكنها قريبة منهما فى فيما تؤديه من وظائف بنائية ودلالية، وبدأ استخدامها روائيا فى أوروبا على يد الكاتب الفرنسى جان دى لافونتين (1695 ـ 1621م)، لتصبح بعد ذلك إحدى أبرز جدائل الرواية سواء التقليدية أو الجديدة، العربية أو الغربية، وكان من كتابنا الأوائل المهتمين بهذا اللون التعبيرى: "عبد الحميد جودة السحار" و"محمد عبد الحليم عبد الله" و"نجيب محفوظ" و"طه حسين" و"يوسف إدريس"، والأخير بنى هيكلا روائيا كاملا عليها بعمله الرائع "النداهة" الصادر سنة 1970، غير أن الخرافة احتلت مكانا بارزا فى سرد الأجيال التالية لنجيب محفوظ خاصة فى عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، واللذان شهدا "انفجارا روائيا عظيما" صادرا عن "الثقافة المحلية"، ومعبرا عن شريحة واسعة من السكان تعانى الفقر والتهميش.
وكان من أبرز الكتاب المميزين الذين نسجوا على هذا المنوال: يوسف أبورية فى أعماله جميعها وأبرزها، وصنع الله إبراهيم وإبراهيم عبد المجيد، ورضا البهات ومحمود الوردانى، وعبده جبير وغيرهم. وكما تعبر الخرافة عن خصوصية الشكل فى الرواية المصرية الحديثة، تعبر أيضا عنها فى الرواية العربية، فشعوب الجوار لديهم تراث شعبى بعضه مشترك وبعضه خاص ومن الضرورى أن تكون "الخروفةُ أو الحزاية" (باللهجة الخليجية) إحدى جدائل هذا التراث، إلا أن "الخرافة المصرية" حققت رواجا وانتشارا بسبب "الإشعاع الثقافى والفنى" الذى أشرقت به مصر على المنطقة فى فترات عدة من التاريخ، قبل أن تأفل وتنزوى ليتوزع هذا الإشعاع الآن على أقطار عربية أخرى.
ورغم أن تعريف الخرافة فى المعجم الوجيز هو "الكلام المستملح المكذوب"، إلا أن التراث الشعبى لا يتعامل معها دوما على هذا الأساس، فبينما يستهزئ الناس بالوحش الخيالى المفترس المسمى بـ"الغول"، ومثله: "أبو رجل مسلوخة"، و"البعبع"، ويبتسمون مع ذكر "حورية البحر"، و"ست الحسن"، و"بساط الريح" و"الفانوس السحرى" و"طقية الإخفا"، نجدهم قد يتعاملون بجدية مع "السلعوة"، و"النداهة"، و"العفاريت"، و"الأشباح"، "والمردة".
وعلى أى حال فقد نجحت الخرافة فى منح السرد قيما جمالية ومضامين فكرية، لكن الأهم أنها وشته بجزء أصيل من ثقافة شعب بدّل لغته ودينه عدة مرات لكن الغزوات المتعاقبة لم تستطع أن تغير شيئا من تراثه الشعبى وعاداته تقاليده.
غير أن هذه "الممانعة التاريخية" تراوح مكانها الآن بفعل الغزو الثقافى الذى اجتاح المصريين من الشرق والغرب، لتلامس حرارة التغيير تراثهم التليد، هنا قد تنزوى بعض أوراق الخرافة دون الجذوع والجذور التى "ظلت ـ وأغلب الظن أنها ستظل لفترة طويلة ـ قوية وثابتة"، كما تنبأ بذلك محمد جبريل فى كتابه المهم "مصر فى قصص كتابها المعاصرين"