عصام محمد عبد القادر

عن أبطال حرب أكتوبر أتحدث

الأحد، 06 أكتوبر 2024 06:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن احتفالنا واحتفاءنا بذكرى حرب أكتوبر المجيد وفخرنا بالانتصارات التى حققتها المؤسسة العسكرية المصرية ومدى تأثيراتها العسكرية والسياسية البالغة على المنطقة والعالم بأسره، يجعلنا هذا كله نتذكر أبطال حرب أكتوبر، تلك الشخصيات التى أدت واجبها على أكمل وجه، وحققت ببسالة كافة ما وكل لها من مهام جسام، بل وتفانت من أجل تحقيق النصر الذى من الله به علينا، وهذا ما ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب: 23.


لقد ساهم أبطال الحرب المجيدة فى تغيير الفلسفة العسكرية التى ارتكنت على ماهية حمقاء؛ إذ تحدثت حينذاك أن هناك جيشًا لا يقهر، وأن المنعة والحصانة والقوة لا ينال منها أحد مهما بلغت من عتاد وعزيمة؛ لكن أبطال أكتوبر حطمت وفندت وأطاحت بتلك الأكاذيب، وأيقظت الأذهان وعضدت الأفهام بقول الحق والصدق بأن الله أكبر فوق كيد المعتدى وأن النصر صبر ساعة، وأن الله مع المتقين الذين عقلوها وتوكلوا عليه، ومن قبل أعدوا عدتهم لدحر العدو الذى تكبر وتجبر؛ فكان الله المؤزر حليفًا لأبطال رفعوا راية الحق وهامة العزة والكرامة.
إن تضحيات أبطال حرب أكتوبر المجيد لم تقف ثمرتها اليانعة عند حد تحقيق النصر وإلحاق الهزيمة بالعدو، بل أجبرته لأن يخضع للسلم والسلام، وأن يضع فى حسبانه أن جيش مصر ورجاله لا يخشون الموت، ولا يتقون للحياة؛ فشرف الأمة ونصرتها وعزتها وكرامتها دونها الرقاب، وهذا ليس من قبيل المبالغة؛ فوجود الأبطال حقق المعادلات الصعبة التى لم تكن فى الحسبان لدى جميع الأطراف؛ حيث فرضت المسيرة السلمية والمفاوضات، ودشنت المعاهدات التى تضمن الحقوق ولا تتجاوزها مهما تباينت المتغيرات.


وحديثى عن حرب أبطال أكتوبر أعنى به تذكير نفسى وكل من يعشق تراب هذه البلاد العظيمة بما قدموه هؤلاء الشرفاء؛ إذ أخرجوا الأوطان من حال الخزى والمهانة إلى حال القوة والفخر والتعالى عن عدو كثيرًا ما تشدق كذبًا بقدراته ومقدرته فى ضوء ما يمتلكه من دعم وعتاد عسكري؛ فقد أطاح أبطالنا البواسل بزيف الغرور وألقوا به فى تموجات البحور التى لا تعود؛ فبدلوا غرورهم بانكسار ومذلة ومهانة ستبقى أبد الدهر بفضل الله تعالى.


وأبطالنا البواسل كانت لهم الريادة التى ذكرها التاريخ العسكرى فى الانضباط والالتزام والأخذ بأسباب النصر؛ فكان الاهتمام بالتدريب ورفع الكفاءة القتالية يجرى على قدم وساق وفى سرية لم يلاحظها العدو الماكر، وكان الصبر على التعبئة تتم فى طى الكتمان وبجهود دبلوماسية رفيعة المستوى، وكان الابتعاد عن ملذات الحياة والانغماس فى العمل العسكرى محفزًا للجاهزية التى انتظرها أبطالنا كثيرًا حتى وقعت ساعة الصفر التى برهنت عن استنفار عسكرى من قبل الأبطال لا يضاهيه نظير ولم يسبق له مثيل فى الحروب الحديثة.


ووقائع التاريخ تشهد بأن أبطالنا البواسل لم يتذوقوا للراحة طعمًا، ولم يهنئوا بملذات الحياة المشروعة، كما لم يصبهم الفتور أو الرغبة فى التراخى تجاه الأخذ بالثأر واسترداد الأرض والعرض؛ فما جال فى خواطرهم هو النصر أو الشهادة؛ فكلاهما فخر ومأمول ومحمود، ومن ثم كانت عقيدهم راسخة تجاه ما يبتغون وما يخططون.


وفى فترة تجهيز الحرب المجيدة عام 1973م صنعت المؤسسة العسكرية أبطالًا تميزوا بالانضباط العسكرى والتزموا بالمهام التى كلفوا بها، واحترموا وحدة الاصطفاف قبل الحرب وخلالها، وأصبحوا نسيجًا متماسكًا أثناء التحضير والتنفيذ؛ فتمت إدارة الحرب وفق الاستراتيجية التى وضعت لها من القيادة السياسية وقيادات المؤسسة العسكرية العليا حينذاك.


ندرك أن لنا ولدينا شخصيات ونماذج مشرفة تعد فخرًا لأجيالنا جيل تلو الآخر شاركت فى حرب أكتوبر وسطرت الملاحم، وهناك تجارهم الرائدة التى سطرتها الكتب والمؤلفات، ومن ثم نود أن تدرس لأبنائنا بسائر السلم التعليمى المصري؛ ليدرك أبناء المصريين أن أجدادهم لهم تاريخ مشرف ومجد بطولات فاقت الخيال وأبهرت الوجدان؛ فقد قدمت الدماء فى حرب العزة والكرامة بسخاء.


وليس من قبيل المغالاة أن أتحدث فأقول: أن ما حققه أبطال حرب أكتوبر المجيد يعد ضربًا من الإعجاز الربانى، ونموذجًا يتدارسه أصحاب الألباب على مر التاريخ؛ فمقومات نجاح هذه الحرب تمثلت فى تضحية ممزوجة بقوة وإرادة ورباط بين الأبطال تجاه تحقيق الهدف، ولا ننكر دور القيادة السياسية الحكيمة حينها التى تحلت بالإيمان والصبر والتخطيط الرشيد والاستعانة بالبطانة التى تمتلك الخبرة والتحدى.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.

 

 

أ.د/ عصام محمد عبد القادر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة