عصام عبد القادر يكتب عن مثلث تدمير الشعوب: خطورة الانحراف الفكري مقابل ضرورة تحقيق الأمن الفكري.. الاعتراف بالظاهرة.. أمد التقويم وصعوباته.. تصورات وتوصيات ومقترحات المعالجة

الإثنين، 07 أكتوبر 2024 01:51 م
عصام عبد القادر يكتب عن مثلث تدمير الشعوب: خطورة الانحراف الفكري مقابل ضرورة تحقيق الأمن الفكري.. الاعتراف بالظاهرة.. أمد التقويم وصعوباته.. تصورات وتوصيات ومقترحات المعالجة عصام عبد القادر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُعد الانحراف الفكري أحد مداخل الشيطان إلى القلوب؛ إذ يعمل على إضعاف الثقة بين الفرد وكل ما هو صحيح أو ثابت أو جاء بنص شرعي لا تأويل فيه، ومن ثم تضطرب العقول وتأتي بما يخالف ما يؤمن به المجتمع من قيم نبيلة وخلق حميد، ثم تتوالى الحدة لتصل لحد المغالاة التي قطعًا تفضي إلى نزاع واحتدام بصورة لا تتقبلها المجتمعات الواعية الراغبة في التماسك والتضافر بغية بلوغ النهضة والإعمار.

وتقديم صور العلاج ومن قبلها أساليب الوقاية من خلال تعزيز الفكر القويم الذي ينبري على عادات وقيم المجتمعات التي استلهمت من عقيدتها السمحة، و يعد من ضروريات التنشئة الصحيحة لأجيال يقع على عاتقها استكمال مسيرة الإعمار في الأرض، ويتوجب عليها أن تتوحد تجاه التغيرات والتحديات والأزمات التي يعاني منها العالم بأسره، سواءً أكانت في صورة انحرافات فكرية أو عقائدية أو سلوكيات غير سوية لا تتفق مع الطبيعة الإنسانية في كليتها.

ويبدو أن تحقيق الأمن الفكري يتوقف على قناعتنا بضرورة ممارسة المناقشة والحوار، واتباعها كأسلوب حياة نتوصل من خلالها إلى أمر غاية في الأهمية، يتمثل في تصويب الفهم المغلوط، أو المشوب، أو المشوه، أو المغاير لما هو صحيح، أو ما نسميه نحن التربويون الفهم الخطأ، وبعد مرحلة التصحيح أو التصويب نستطيع أن نصل لمرحلة القناعة وتعزيز الفكرة في إطارها السليم، وهذا ما يجب أن نقوم به مع أبنائنا على مدار الساعة في شتى القضايا الحياتية منها وغير الحياتية.

ودعونا نرتقب ما تسفر عنه المناقشة من نتائج لنعمل على تحليلها، ونستكشف الأسباب والمسببات ومصادر تشويه الفكر لدى الفرد، وهنا نستطيع أن نحدد مسار العلاج ونرسم خطواته كي يؤتي ثماره؛ فالأمر لا يقتصر عن حد إصلاح الفكر المنحرف لدى الفرد أو الجماعة، وإنما يؤكد حاجتنا الماسة لتعزيز الفكر الصحيح بمزيد من الممارسات الإيجابية في إطار فعاليات جاذبة ومختلفة تُسهم في دعم التوعية لدى الفئة المستهدفة، وتضمن صقل الفكر القويم وتعزيز الخبرات الصحيحة بما تشمله من معارف ومعلومات تخلو من الشوائب.

وندرك أن ميثاق الإنسانية يستهدف أن يمارس الإنسان السوي كافة السلوكيات الصحيحة التي تلبي احتياجاته المادية منها والمعنوية، وبالطبع لا ينفك هذا عن امتلاكه لوجدان راق بمجموع ما يمتلكه من أفكار قويمة تتسق مع صحيح ووسطية المعتقد، وهناك ندق ناقوس الخطر إذا ما رصدنا حالات تنامي الفكر المنحرف بين المجتمع؛ حيث الفريضة العينة الجمعية في مواجهة المشكلة أو الظاهرة بكافة الأساليب العلمية الممنهجة.

وندرك أن تصويب الفكر المنحرف ليس بالأمر السهل أو البسيط؛ فهناك فشلًا متوقعًا ومقاومة غير طبيعية في بداية مسار العلاجات التي تقدم لصاحب الفكر المشوب؛ فهناك العديد من المناقشات والحوارات التي أبرمت مع فئات مستهدفة للعلاج؛ لكنها بائت بالفشل، مما استدعى حتمية اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تبدأ بما أقره الدستور والقانون؛ لنضمن حصر المشكلة في إطار محدود، ونتجنب انتشار الأفكار غير السوية بين أطياف المجتمع وفئاته المختلفة.

إننا على يقين تام بخطورة الانحراف الفكري؛ فنتائجه الوخيمة تؤدي إلى تكدير السلم والأمن المجتمعي، ومن ثم ينبغي أن تتخذ حياله الدولة متمثلة في سلطاتها التشريعية والتنفيذية ما يلزم من إجراءات تحافظ بها على الأمن القومي للبلاد، بعد استنفاذ كافة المحاولات التي تتضمن أساليب وطرائق المواجهة المختلفة والمستهدفة لتصحيح هذا الفكر المشوب، إزاء جهود تبذلها المؤسسات المعنية بهذا الأمر ووفق ضوابط ومراحل وخطوات تعمل على إقناع الطرف الآخر بالعدول عن فكره المنحرف وتبني الفكر القويم.

وإذا ما أردنا أن نتحصل على نتائج طيبة حيال تصويب الفكر المنحرف يتوجب علينا اتباع مراحل التقويم والتي تبدأ بتعرف الفرد الذي يمتلك الفكر المنحرف بخطورة ذلك، وأن تقدم له الشواهد والأدلة على تأكيد مضار وسلبيات هذا الفكر، وذلك من أجل أن يدرك جوانب القضية ويتعمق فيما سيصل به الحال إذا لم يعمل على مراجعة ما لديه من بنى معرفية مشوبة.

وهنا يستلزم أن نقدم للفئة المستهدفة كل ما يرتبط أو يتعلق بالأمن الفكري؛ حيث عرض المعلومات والبيانات والحقائق المتعلقة بالقضية محل الاهتمام؛ لنعمل على إحداث صراع معرفي لدى الأذهان ونصل لنقاط اتفاق نبني عليها باقي مراحل العلاجات التي تضمن ثبات واستقرار الأذهان على ماهية الفكرة القويمة، ونبذ الفكرة المشوبة أو غير الصحيحة.

وثمة أهمية قصوى للمتابعة المستدامة للفئات التي استهدفت بالعلاجات؛ لنضمن مسار التحسن ونستوثق من فعالية العلاج الذي قدم، ومن ثم نعمل على تعزيز جوانب القوة ومعالجة نقاط الضعف التي قد نستكشفها أثناء هذه المرحلة التي نطلق عليها تجاوزًا مرحلة البناء للفكر الرشيد، وبما لا يدع مجالًا للشك أنها مرحلة طويلة المدى تستغرق قسطًا وفيرًا من الوقت.

ونود الإشارة إلى أهمية العمل تجاه إحياء فلسفة التقييم والتقويم الذاتي لدى من نقدم له العلاج اللازم لتصويب الفكر المشوه، وهذا يحتاج إلى يقظة في مسار الملاحظة؛ كي ينتبه لنقاط ضعفه ويعمل على مواجهتها، وهنا نطالع المقومات التي تعمل على تفعيل الضمير أو ما نوسمها بالنفس اللوامة التي تحض الفرد دومًا على المراجعة ومن ثم لا يتابع مسارات الضلالات ويقع فريسة للفكر المنحرف.

ورغم ما قد نبذله من جهود متواصلة تجاه تصويب الفكر المنحرف والعمل على تحقيق ماهية الأمن الفكري لدى الفرد؛ إلا إننا قد لا نوفق في هذا الأمر، وهنا وبعد نفاذ الصبر يجب علينا أن نفرض دون مواربة حالة الأمن الفكري؛ حيث يتوجب أن تقوم مؤسسات الدولة القانونية بأدوارها المتمثلة في المساءلة ومن بعدها المحاسبية لمن يعتنقون الفكر المنحرف؛ فيتم توجيه الاتهام لهم، وبعد إدانتهم وإصدار الأحكام المنصوص عليها، تؤدي السلطات التنفيذية ما عليها، وبالطبع يساعد ذلك مجتمعًا على وقف المزيد من المناصرة أو التأييد لأصحاب الفكر المنحرف، وكذلك بتر طرائق زيادة اتباعهم ومريديهم.

وما تمت الإشارة إليه يؤدي بالضرورة إلى إعادة الأمور لنصابها الطبيعي؛ حيث حالة الاستقرار والانسجام المجتمعي في شتى ربوع الوطن لمجتمعنا المسالم الذي يؤمن بفكرة التعايش السلمي ويعتنق الوسطية في شتى أموره الحياتية والعقائدية.

وفي ضوء ما تقدم نؤكد على أن فلسفة التقويم تشير إلى أن طريق العلاج ما يزال قائمًا رغم الوصول لمرحلة الاستقرار وتعضيد الأمن الفكري في البلاد؛ فلا نترك أصحاب الفكر المنحرف في معزل ولو بعد تقييد حركتهم؛ حيث ينبغي أن تقدم لهم البرامج الممنهجة التي تستهدف دحر الأفكار المغلوطة؛ فهناك على سبيل المثال مبدأ المحاججة، الذي قد نصل من خلاله إلى حالة الاقتناع، ومن ثم تعديل المعوج من هذا الفكر.

ونؤكد أن هناك أدورًا منوطة بأصحاب الخبرة في مجال تصويب الفهم المغلوط والمغاير لصحيح المعتقد وقيم المجتمع النبيلة، وهؤلاء هم العلماء بمختلف تخصصاتهم العلمية؛ فقد أثبتت التجربة المصرية المتفردة نجاحًا مبهرًا في تقويم منهج أصحاب الفكر المنحرف؛ حيث عقدت الجلسات المخططة في أماكن تقييد حريتهم، وبعد مقارعة ومقابلة الحجة بالحجة، وتفيد الأفكار غير الصحيحة، بدأ أصحاب المناهج المغلوط في الاعتراف بخطأ الطريق، ومن ثم سهلت العودة للمسار الصحيح.

ويجب أن نتفهم أنه ليس معنى رجوع أو عدول الفرد عن فكرته المغلوطة، أننا نطمئن لحالته بصورة مطلقة؛ فالتجربة تؤكد علينا أهمية مواصلة التقويم المستمر والمتابعة المتواصلة، وضرورة العمل على انخراطه في المجتمع من خلال مهام وأداءات يقوم بها؛ كي يستشعر أهميته، ومن ثم نضمن ولائه وانتمائه للوطن، ويدرك أن الاستقرار يقوم على الفكر القويم، وأن دعامته الرئيسة تكمن في تحقيق الأمن الفكري.

ويجب أن نعي أن التوعية المستمرة والمتواصلة أمر وجوبي، وتقع على الجميع دون استثناء؛ إذ تبدأ بالأسرة مرورًا بالمؤسسة التعليمية التي تمتلك من الأدوات ما تشكل به الوعي الصحيح منذ المهد؛ بالإضافة لدور المؤسسات المجتمعية بمختلف تنوعاتها وتخصصاتها، وفي هذا السياق نؤكد على أهمية التنسيق والتواصل الفعال بين مؤسسات الدولة تجاه تعضيد الأمن الفكري، والذي يشكل لبنة الأمن القومي المصري.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة