سموها كما تسمونها .. حرب الجيل الرابع أو الخامس أو حتى السادس، لكني أراها هي حرب استنزاف شرسة ضد مصر واستقراراها وأمنها القومي وفي الأساس ضد شعبها وأمانه وسلامه الاجتماعي والنفسي . وهذا هو الهدف من حرب الشائعات التي تصوب مدافعها تجاه الداخل المصري الآن لاثارة حالة من الارتباك والفوضى وعدم الثقة والشك واشاعة مناخ من الاحباط واليأس بين أفراد الشعب لكسر وتفتيت التماسك الاجتماعي
هي حرب غير تقليدية وأكثر تأثيرا من الحروب العادية وأشد قسوة منها. فالحروب العادية – أو كما تسمى بحروب الجيل الثاني بين الجيوش- معروف أطرافها وأبعادها وأهدافها سواء في حالة النصر أو الهزيمة. فالعدو واضح والهدف معروف. أما في حرب الشائعات فالمواجهه ليست سهلة والعدو يختبأ خلف جدران افتراضية ولديه كافة أدوات ووسائل هذه الحرب غير المكلفة في استخدامها لكنها ذات قوة تدميرية مهولة، فهي تستهدف العقل والوعي. والعدو الحالي يدرك أن الخطر ليس في السلاح الذي في الأيدي ولكنه الخطر هو السلاح الذي في العقل. فمن يسيطر على العقل يمكنه السيطرة على أي شيئ آخر دون عناء
مصر ومنذ 2013 تواجه حرب استنزاف غير عادية تستهدف الداخل الاقتصادي والاجتماعي والأمني والصحي أيضا..آلة مدفعية وماكينة طلقات لا تتوقف ..تعمل على مدار الساعة في اطلاق شائعات عبر صفحات التواصل الاجتماعي في كل اتجاه بأخبار كاذبة وحكاية ومعلومات غير حقيقية في اطار حرب شرسة وغير مسبوقة ولم يسبق لدولة أن تعرضت ومازالت تتعرض لها. فهل هناك دولة -كما يكشف تقرير مركز معلومات مجلس الوزراء- تتعرض لحوالي 7 آلاف شائعة شهريا، و223 شائعة يوميًا، و10 شائعات كل ساعة. بالأمس فقط حوالي 4 شائعات في توقيت واحد وفي أقل من ساعة حول زلزال مدمر في شرم الشيخ واخلاء دير سانت كاترين وبيع بحيرة البردويل وأسود كوبري قصر النيل.
في العام الماضي رصدت التقارير نحو 90 ألف شائعة بزيادة حوالي 19% عن عام 2022 وكأنها شائعات تشبه الخلايا السرطانية التي تنتشر وتتكاثر داجل الجسد لاضعاف مناعته ثم الاجهاز والقضاء عليه وتدميره، الى درجة أن الحكومة بات من بين مهامها وواجباتها اليومية، الرد على الشائعات المتناثر والمتكاثرة على صفحات السوشيال ميديا، وأصبح من الأمور العادية يوميا ردود النفي الرسمية على هذه الشائعات واستنزاف الجهد الحكومي بدلا من توجيهه الى أمور آخرى.
القائمون على ادارة حرب الشائعات، خبراء ومدربون يعملون في اطار تنظيمي وشبكة عنكبوتية وليسوا كافراد وربما أطراف هذه الحرب ليسوا فقط جماعة الارهاب الاخوانية ومنصاتها المتعددة وانما أجهزة دول يهمها عدم استقرار مصر واستنزافها وارباكها وعرقلة عملية البناء والتنمية فيها وخلق فجوة من عدم الثقة بين الشعب وقيادته. بالتالي فالشائعة تدرس بعناية فائقة حتى تنتشر بسرعة وتصيب أكبر قدر من أفراد الشعب من خلال فبركة أخبار وحكايات عن موضوعات تمس الحياة المعيشية والأمنية والمشاعر الوطنية، بالاضافة الى نشر هذه الأخبار بصورة غامضة.. على سبيل المثال وليس الحصر بالأمس قرأت احدى " البوستات على الفيس بوك بخلفية سوداء لاتحوى سوى كلمات بسيطة تثير الفضول والخوف والقلق والانزعاج.. تقول يارب استر.. ايه اللي بيحصل في شرم الشيخ".
نرى هنا جزء بسيط من الحقيقة عن وقوع زلزال عادي لا تأثير له لكن كتابة الخبر وترويجه يحاط بالاثارة والغموض وكأن أمرا جللا حدث في تلك المدينة السياحية المهمة في مصر. وهنا يصعب فصل الحقيقة عن الخيال، أو يصعب التعرف على الحقيقة من الخيال.
قد يرى خبراء الاعلام وتكنولوجيا الاتصالات أن هناك أسبابا وراء انتشار الشائعات بهذة الصورة، منها الاتاحة المعلوماتية الصحيحة والكاملة عبر وسائل الاعلام التقليدية، المقروءة والمرئية والمسموعة ونشرها على الفور دون تردد وعدم الانتظار دائما في حالة " رد الفعل والنفي". فهناك ضرورة للارتقاء بالوعي بالمعلومات الدقيقة والصحيحة وبالمصارحة والمكاشفة، فالمجتمع غير الواعي يسهل التأثير فيه بصورة كبيرة بالشائعات، ويصبح بيئة خصبة وفريسة سهلة للغاية للأكاذيب وتصديقها لعدم قدرته على التحقق والتوثيق من صحة المعلومات
وفي زمن الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات أصبحت الأدوات متاحة ومنتشرة وسهلة التوظيف مثل " نصل السكين" القاتل في مجتمعنا بترويج الشائعات في وقت قصير للغاية وفي ظل غياب قوانين رادعة ضد مروجي الشائعات. ومثلما هناك قوانين ومواثيق تنظم آلية العمل الصحفي والاعلامي الرسمي، فالضرورة تستدعي وجود تشريعات واضحة لمواجهه حرب الاستنزاف بالشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي.
فالحرب مستمرة وأغراضها الخبيثة وأهدافها العدوانية الدنيئة معروفة والانسياق وراءها هو الخطر الحقيقي على الوطن وخاصة من الشباب عصب هذة الأمة وحاضرها ومستقبلها.