تقترب الحرب فى غزة من شهرها الرابع عشر، من دون أفق واضح لنهايتها، وقد تأكد أن أطرافا أخرى لن تنضم إلى الحرب، بل ربما هناك انسحاب مباشر أو غير مباشر لأطراف إقليمية كانت تظهر فى بداية الحرب ضمن الأطراف الفاعلة والمؤثرة، لكنها الآن تتخذ مواقف دفاعية أكثر منها هجومية على العكس مما كان فى أعقاب 7 أكتوبر، فى تأكيد على أن ما رتبته هذه الجولة من تحولات يتجاوز الكثير مما تم خلال عقود، فالحرب التى لم تكن تتجاوز الأسابيع، دخلت عامها الثانى.
أيضا أصبحت المواجهة بين إسرائيل وإيران مباشرة فى سياقات محددة، بينما أعلنت إيران أنها ليست طرفا فى الصراع، ثم إنه تم فتح جبهة فى جنوب لبنان مع استمرار الحرب فى غزة، وهو ما يخالف توقعات سابقة عن خطر «الجبهتين»، ويشير إلى أن غزة لم تعد إسنادا لجنوب لبنان، بينما الجنوب يخوض حربا دفاعية أكثر منها حرب إسناد، مثلما كان معلنا فى بداية الحرب.
كل هذه المعطيات تشير إلى تغير كمى وكيفى فى قوة وتأثير الجبهات، وتفرض تفكيرا تحليليا لهذا الواقع من جوانب عسكرية وسياسية، حتى يمكن البناء على الواقع، وليس على افتراضات بلا أساس، أو الاستناد إلى جبهات انسحبت حتى من الدعم السياسى، وخرجت من الصراع، بينما استمتعت أطراف فاعلة.
وإذا كان نتنياهو يتجه إلى مزيد من التصعيد ويريد الحرب، فعلى الأطراف الأخرى أن تواجه هذه الرغبة من قبل المتطرفين، وتوجه إلى سياقات أخرى تنتهى بأوراق سياسية على الأقل، ونقصد هنا الرسائل التى أصبحت متاحة من قبل أطراف إقليمية فاعلة تشير إلى رفض استمرار الحرب، ورفض مخططات التهجير والتصفية.
ونقص ما أعلنته مصر أمام القمة العربية الإسلامية فى الرياض، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى وقوف مصر «ضد جميع المخططات، التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة»، وهو أمر لن نقبل به تحت أى ظرف من الظروف، وأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها «القدس الشرقية» هو السبيل لاستعادة الاستقرار فى المنطقة، مؤكدا التزام مصر بشكل كامل بتقديم العون للأشقاء فى لبنان، دعما لصمود مؤسسات الدولة اللبنانية، وفى مقدمتها الجيش اللبنانى، وسعيا لوقف العدوان والتدمير، الذى يتعرض له الشعب اللبنانى الشقيق، وتكثيفا للجهود الرامية للوقف الفورى لإطلاق النار، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن «1701».
الرئيس انتقد اختلال وضعف النظام الدولى وعجزه عن التدخل ووقف العدوان على غزة ولبنان، وحذر من استمرار الخطر على المنطقة والعالم، ووجه رسائل حول السلام كحل والتمسك به، وأن مصر التى اختارت مسار السلام تستمر فى إحياء الأمل مع رفض العدوان واستمراره.
من جانبه، أعلن ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، فى كلمته بافتتاح القمة العربية الإسلامية غير العادية، إدانة المملكة لجرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة ولبنان، مؤكدا أن فلسطين مؤهلة لعضوية كاملة بالأمم المتحدة، ودعا للحشد من أجل هذا، كما أدان الاعتداء على لبنان، ومنع وكالة الأونروا، وجدد رفض بلاده للهجمات على إيران، وضرورة قيام دولة فلسطينية، مشيرا إلى أن بلاده أطلقت مبادرة عالمية لدعم حل الدولتين.
جاءت كلمات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، والرؤساء وممثلى الدول العربية والإسلامية لتؤكد هذا الواقع، بما يجعل القمة رسالة متعددة لكل الأطراف، بأن الدول الفاعلة التى تمسكت بالموقف الرافض للعدوان تقدم فرصة للسلام، من خلال مسار واضح باتجاه الدولة الفلسطينية. المفارقة أن الدول الفاعلة التى تتمسك بدعم القضية هى التى تواجه المزايدات، بينما المزايدون ينسحبون من أى مواجهة حقيقية.
رسائل القمة تتجه إلى كل الأطراف، بما فيها الأطراف الفاعلة، وتشير إلى تجديد رسائل السلام وإنهاء الحرب، الرسائل إلى الولايات المتحدة والقوى الكبرى، وأيضا إلى أطراف إقليمية بأن الدول الإقليمية الفاعلة تتمسك بالحق الفلسطينى، وهو ما يفترض أن ينعكس فى الأجنحة التى تتمسك بالمزايدات أو تتشارك مع نتنياهو وتجار الحرب فى كل المعسكرات ممن يتوافقون على رفض السلام واستمرار الحرب بلا أفق.