هل قرر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب "ذبح القطة" مبكرا لمن تشاءموا وقلقوا من إعادة انتخابه في الداخل والخارج.. وهل العالم قادم على عصر الترامبية الذي يلوح بسياسات داخلية وخارجية عنيفة وصادمة..؟ هل يحتاج العالم فترة انتظار وترقب حتي يتم تنصيب ترامب وادارته الجديدة في يناير المقبل..؟
دونالد ترامب على الفور وعقب فوزه وحزبه الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية بأيام قليلة لم يترك غيوم الأسئلة القلقة تتكاثر وأزاح الستار مباشرة عن ملامح عصر الترامبية الجديدة والكشف عن سياساته الداخلية والخارجية باختياراته الأولية لوزرائه الجدد والشخصيات القيادية في ادارته
وكما يقال " الجواب يظهر من عنوانه"...فالأسماء المعلنة حتى الأن لا تدع مجالا للتوقعات والترجيحات عن طبيعة حكومة ترامب القادمة وقطعت الشك باليقين مع الدفعة الأولى من الوزراء والشخصيات القيادية في أنها حكومة "صقور يمينية وصهيونية".
القراءة الأولية لسيرة ومواقف وتوجهات وانتماءات الوزراء وأصحاب المناصب القيادية المحتملين أو المرشحين في إدارة ترامب تشير بوضوح الى ما هو قادم
وزير الخارجية المرشح هو عضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو الكوبي الأصل هو أكثر المدافعين عن إسرائيل والمتشددين في الانحياز لها، والكارهين لحماس وايران واتهامه للأخيرتين دائما بأنهما السبب فيما سماه " كارثة 7 أكتوبر 2023" وطالب دوما بالقضاء على حماس – وهو ما يتوافق مع موقف ترامب- وطردها خارج قطاع غزة وعدم السماح لها بلعب دور في المشهد السياسي الفلسطيني.
ولد روبيو لأبوين مهاجرين كوبيين في ميامي ودرس العلوم السياسية في جامعة فلوريدا التي تخرج فيها عام 1993. وعام 2010 انتخب روبيو عضوا في مجلس الشيوخ بدعم من حزب الشاي الذي يضم جمهوريين متطرفين عادوا واندمجوا مع الحزب الجمهوري في أعقاب انتخاب باراك أوباما رئيسا.
ويأتي الضابط في القوات الخاصة مايكل والتز في منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والمعروف بتشدده تجاه الصين وهو من شأنه أن يجعل والتز مستشارا رئيسيا في الإدارة الأميركية المقبلة التي تواجه مجموعة تحديات صعبة في السياسة الخارجية، من بينها الحروب في أوكرانيا ولبنان وغزة. ويعتبره خبراء في السياسة الأميركية بأنه الأكثر فهما ووعيا بالتهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية. ويؤمن والتز بضرورة وجود جيش قوي لردع الجهات السيئة، وعندما يتعلق الأمر بالإسلام المتطرف والتهديدات التي يشكلها للولايات المتحدة.
والتز خدم في أفغانستان خلال مسيرته التي استمرت 27 عاما في الجيش الأميركي، كما أن لديه خبرة واسعة في الكونغرس، حيث كان عضوا في لجنة القوات المسلحة والاستخبارات ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. وسيعتبر أول لاتيني يشغل منصب الدبلوماسي الأعلى في أمريكا.
أحد الصقور الأخرى في إدارة ترامب هو السفير الجديد للولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل – السفير الأهم لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط- وهو مايك هاكابي، حاكم ولاية أركنساس السابق البالغ من العمر 69 عاما وهو أحد أشد المحافظين المؤيدين لإسرائيل والذي قد يعطي تعيينه في هذا المنصب لمحة عن السياسة الأميركية المستقبلية تجاه الصراعات في الشرق الأوسط.
وسبق لهاكابي أن صرح منذ 6 سنوات بأنه مسيحي إنجيلي مؤيد صريح لإسرائيل طوال مسيرته السياسية، وإنه يحلم ببناء "منزل للعطلات" في الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل. ويرفض اطلاق اسم " الاحتلال " على الوجود الاسرائيلي في الضفة الغربية ويفضل الاسم العبري يهودا والسامرة على الضفة الغربية. وقال عنه ترامب ان هاكابي "يحب إسرائيل وشعب إسرائيل" وسيعمل على إحلال السلام في المنطقة. وهاكابي عمل مقدما لبرنامج تلفزيوني أسبوعي على قناة فوكس نيوز لمدة 6 سنوات حتى عام 2015. ولقي إعلان ترامب عن ترشيح هاكابي إشادة على الفور من كبار المسؤولين الإسرائيليين.
ويبدو أن المهاجرين الى الولايات المتحدة الأميركية على موعد مع فترات صعبة في ولاية ترامب الجديدة بعد أن أعلن ترامب عن تعيين " قيصر الحدود" قال توم ليتولى مسؤولية "الحدود الجنوبية والحدود الشمالية وجميع الأمن البحري والجوي للبلاد". هومان سوف يصبح المسئول عن الترحيل الجماعي الموعود للمهاجرين غير المسجلين. وكان قد عمل لمدة عام ونصف في إدارة ترامب الأولى كمدير بالإنابة لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك. وفي إحدى الندوات في يوليو الماضي، قال هومان إنه إذا أعيد انتخاب ترامب، فسوف "يدير أكبر قوة ترحيل شهدتها هذه البلاد على الإطلاق".
ويأتي تعيين ستيفن ميلر في منصب نائب رئيس الأركان للسياسة ترسيخا للسياسة الترامبية اليمينية، فميلر معروف بتشدده في مجال الهجرة عمل كمستشار سياسي كبير في الجزء الأول من فترة ولاية ترامب الأولى. كان المهندس الرئيسي لحظر سفر المسلمين وهو مؤسس المجموعة الأميركية الأولى ، وهي المجموعة التي وصفها بأنها "الإجابة التي طال انتظارها" من اليمين للاتحاد الأميركي للحريات المدنية. ومن المتوقع أن يتولى دورا موسعًا في فترة ولاية ترامب الثانية ويساعد في تنفيذ خطة الترحيل الجماعي للرئيس السابق.
واختار ترامب حاكمة ولاية ساوث داكوتا، كريستي نويم، لتشغل منصب وزير الأمن الداخلي القادم، وهي حليفة قوية لديها خبرة قليلة على مسرح الأمن القومي. ستشرف نويم، البالغة من العمر 52 عاما، على كل شيء من حماية الحدود والهجرة إلى الاستجابة للكوارث والخدمة السرية الأميركية. وتعد وزارة الأمن الداخلي واحدة من أكبر الوكالات الحكومية التي ستكون جزءا لا يتجزأ من تعهده بتأمين الحدود وتنفيذ عملية ترحيل واسعة النطاق.
وفي منصب وزير الدفاع يأتي بيت هيجسيث الضابط في الحرس الوطني بالجيش الأميركي ومدير تنفيذي سابق لمجموعات المناصرة بما في ذلك المحاربون القدامى المعنيون بأميركا والمحاربون القدامى من أجل الحرية. وخدم هيجسيث في العراق وأفغانستان، وخاض انتخابات مجلس الشيوخ في ولاية مينيسوتا عام 2012 إلا أنه لم ينجح فيها قبل أن ينضم إلى قناة فوكس نيوز.وقال ترامب في بيان: "مع قيادة بيت، سيأخذ أعداء أميركا حذرهم... جيشنا سيكون عظيما مرة أخرى، وأميركا لن تتراجع أبدا". وأضاف: "بيت سيكون بطلا شجاعا ووطنيا لسياسة السلام من خلال القوة التي ننتهجها".
باقي المرشحين للوزارات والمناصب القيادية لا يختلفون عن النهج المتطرف لأعضاء حكومة ترامب فالمرشح لمنصب وزير التجارة معادي لحرية التجارة، ووزير حماية البيئة ضد حماية البيئة.
العالم أمام أيام قد تبدو صعبة – وهي صعبة وعسيرة بالفعل - وعلى الجميع أن يبحث في داخله عن الأوراق السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يناور بها مع حكومة شرسة لها سياسات خارجية وداخلية واضحة أكثر مما ينبغي. يعني كما يقول المثل الشعبي الدارج " اللي خايف يروح".