على الرغم من محاولات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لرفع شعار "الانتقال السلس"، في ضوء تسليم السلطة إلى الإدارة المنتخبة برئاسة دونالد ترامب، إلا أن ثمة صعوبات كبيرة تتجاوز مجرد استقبال الرئيس الجديد في البيت الأبيض، مع تبادل الابتسامات أمام عدسات الكاميرات، حيث تبقى عملية الانتقال أكثر تعقيدا من تلك الصورة السلسة التي يسعى الديمقراطيين إلى ترويجها، في إطار لا يخلو من المكايدة السياسية بين الحزبين المتنافسين، خاصة وأن الرئيس الجديد سبق له وأن رفض استقبال بايدن قبل رحيله من البيت الأبيض، في نهاية إدارته الأولى بينما شاب الموقف الأمني قدرا كبيرا من الخلل، مع مشهد اقتحام الكونجرس من قبل أنصار ترامب، ومحاولات الأخير منع تمرير الإعلان عن فوز بايدن، عبر نائبه مايك بنس، بحكم ترؤسه جلسات مجلس الشيوخ.
إلا أن استقبال ترامب في البيت الأبيض، ربما لا ينم عن السلاسة التي يسعى الديمقراطيين إلى ترويجها، في الولايات المتحدة، خاصة وأن مساحة الفوضى مرشحة نحو قدر من الاتساع، وهو ما انعكس بوضوح على الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأمريكية، في إطار حرب تكسير العظام، والتي تخللها محاولتين لاغتيال المرشح الجمهوري، ربما لعبا دورا بارزا في استقطاب قطاع كبير من الشارع الأمريكي، قبل الاقتراع، وهو ما يعني أن أربعة سنوات كاملة لم تكن كافية للإدارة الديمقراطية، لتوحيد الصف في الداخل، بل ربما تفاقمت الأمور نوعا ما مع تصاعد نوعي في العنف، يبدو في محاولة اغتيال رئيس سابق ومرشح للرئاسة في أكبر الدول الديمقراطية في العالم وأبرز دعاتها.
ولكن بعيدا عن المشهد في الداخل الأمريكي، تبدو "السلاسة" المنشودة غائبة في إطار العلاقة بين واشنطن والعالم الخارجي، في ظل تغيير سريع في اتجاهات بوصلة العلاقات الخارجية، والمعروفة بأمدها الطويل نسبيا، مقارنة بالعديد من الملفات الخارجية، سوء في العلاقة مع الحلفاء أو الخصوم، أو حتى في مواقف الإدارة الجديدة تجاه القضايا الدولية المثارة، والتي ستتحول إلى النقيض.
فلو نظرنا إلى علاقة أمريكا بحلفائها في أوروبا، نجد أن قيادة واشنطن لدول المعسكر الغربي، قد استلهمت شرعيتها من أوروبا الغربية، في اعقاب الحرب العالمية الثانية، بينما امتدت بعد ذلك نحو قيادة أمريكية أحادية للعالم بعد الحرب الباردة، وهو ما يعني بقاء التحالف الأمريكي الأوروبي راسخا وثابتا نحو 70 عاما كاملة، بينما شهدت العلاقة مستجدات متغيرة خلال السنوات الثماني الأخيرة، وهو ما يبدو في حقبة ترامب الأولي (2017 – 2021)، والتي شهدت إجراءات أمريكية متنوعة أثارت غضبا أوروبيا، بين التجارة والأمن والسياسة والاقتصاد، والمناخ، وغيرها، بينما جاء بايدن ليحاول إعادة الأمور إلى نصابها، ليعود ترامب مجددا ليعيد وتيرة التغيير تجاه الحلفاء.
إدارة العلاقة الأمريكية مع الخصوم، هو جزء آخر من حالة الانتقال، الذي لا يبدو سلسا، في ضوء رؤية ترامب القائمة على كسر ثوابت واشنطن، سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، والتي شهدت أفضل فتراتها خلال ولايته الأولى، وهو ما أثار تحفظات الحلفاء في القارة العجوز التي طالما توجست من موسكو، أو الصين، والتي تحولت من مجرد منافس اقتصادي، إلى العدو الأكبر، وهو الأمر الذي تغير خلال حقبة بايدن والذي أعاد ترتيب الأمور لتتماشى مع التاريخ، ولكن تبقى الأمور مرشحة للتغيير مجددا مع عودة ترامب للبيت الأبيض.
التغيير المتسارع، على النحو السالف الذكر، في إطار العلاقات الدولية، يبدو أمرا غير مألوف، يعيق تلك "السلاسة"، التي ينادي بها الديمقراطيون، خاصة وأن علاقة واشنطن مع حلفائها في أوروبا تمثل حجرا للزاوية، في إطار الدور الدولي الذي تلعبه الولايات المتحدة، وجزء كبير، إن لم يكن الأهم على الإطلاق، في إضفاء الشرعية الدولية على قيادتها للعالم، في لحظة تبدو فارقة، في تاريخ النظام الدولي.
وأما عن الشرق الأوسط، فالتغيير يبقى محدودا، خاصة وأن المنطقة ربما لم تمثل أولوية كبيرة للولايات المتحدة خلال حقبة ترامب الأولى، في ضوء سياساته التي قامت على تصحيح بعض الأخطاء التي ارتكبها سلفه باراك أوباما، في إطار العودة إلى حلفاء أمريكا الإقليميين، بعد سنوات من التوتر في العلاقة، والاعتماد عليهم في إدارة الكثير من ملفات المنطقة، وهو الأمر الذي اعتمده بايدن بصورة كبيرة، وهو ما يبدو في الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن للدور الذي تلعبه مصر وقطر في إدارة مفاوضات وقف إطلاق النار.
وهنا يمكن القول بأن حالة الانتقال "السلس" التي تسعى واشنطن إلى ترويجها، ربما أصبحت جزءً من الماضي، في ظل الاستقطاب الكبير في الداخل، أظهر قدرا كبيرا من الانقسام، بينما يبقى الموقف العالمي من القيادة الأمريكية الأحادية، هو الأخر منقسم، في ضوء التعقيدات التي تواجهها حالة الانتقال المتسارعة في المواقف الأمريكية تجاه العديد من القضايا، وهي الأمور التي تتجاوز صورة لمصافحة رئيس منتخب وأخر منتهية ولايته داخل القصر، طالما استخدمتها واشنطن من قبل للترويج إلى التحضر السياسي، بينما ساعدها على ذلك غياب المنافسة الدولية من جانب، واستقرار الأوضاع في الداخل، مع ثبات الكثير من العوامل المرتبطة بالأ